وليد مرمر
من إحدى مميزات اللغة العربية وجود عدة معاني للكلمة الواحدة. فعلى سبيل المثال لنأخذ فعل الـ«نشر» ونضعه في عدة جمل:
– قام جمال خاشقجي بـ«نشر» مقالاته المنتقدة لنظام آل سعود في «واشنطن بوست».
– أمر ولي العهد السعودي، الطبيب الشرعي صلاح الطبيقي بـ«نشر» جسد جمال خاشقجي.
– قامت المقررة العامة لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة “أغنيس كالامارد” الأسبوع الماضي بـ«نشر» غسيل بن سلمان الوسخ.
وتعليقاً على الجملة الأخيرة فلقد أكدت كالامارد وجود «أدلة كافية وموثوقة» تربط مسؤولين سعوديين كباراً، بينهم ولي العهد، بمقتل خاشقجي بشكل متعمد ومدبر في تشرين الأول (أكتوبر) 2018، داعية إلى فتح تحقيق جنائي دولي حول الجريمة.
لكن لم تتحرك دولة واحدة من الدول الكبرى التي تتشدق بالدفاع عن حقوق الإنسان ليلاً نهاراً، لتأييد هذا المطلب، رغم أن الاتهام صادر عن موقع رفيع المستوى في مجال حقوق الإنسان، ربما لأن ابن سلمان يعد العدة لركوب قطار التطبيع مع إسرائيل، أو لأنه الطفل المدلل لتلك الدول، فهو يدعم ميزانياتها لاسيما بشراء السلاح الذي تستخدمه الرياض والمجموعات المسلحة المرتبطة بها، لضرب اليمن ودول أخرى.
لقد شهد الأسبوع الماضي تحركاً دولياً لافتاً باتجاه وقف الحرب في اليمن بدعوى «الحفاظ على أرواح المدنيين». وهنا يتساءل المرء: ما الذي حرك الضمير العالمي فجأة حتى اهتم بالشعب اليمني الجريح الصامد؟
لا يحتاج الجواب لأكثر من مراجعة سريعة للواقع الميداني في اليمن: ليتبين أن الهبة الدولية الأخيرة لوقف الحرب جاءت بعدما أصبحت مأرب بحكم الساقطة عسكرياً في قبضة الحوثيين وحلفائهم الذين ضيقوا الخناق على المدينة الخاضعة لحلفاء السعودية، ويواصلون تقدمهم نحو تغيير في معادلات الميدان بشكل كبير، حيث قد تصبح عدن، وجهة «أنصار الله» التالية. لذا تحركت تلك الدول لإحياء اتفاقيات السويد والدعوة إلى الحوار بغية إنقاذ ما تبقى من ماء وجه العدوان السعودي–الإماراتي من مسلسل الهزائم العسكرية المستمرة على أرض اليمن منذ العام 2015.
في لبنان يبدو أن الوضع دخل في مرحلة الستاتيكو السياسي بانتظار نتائج الانتخابات الأميركية المرتقبة في الثالث من نوفمبر القادم. فلقد سُرّب عن رئيس الجمهورية ميشال عون أنه لن يدعو للاستشارات النيابية لتكليف رئيس وزراء جديد، قبل أن تتضح صورة مواقف الكتل البرلمانية.
ورغم سوداوية المشهد اللبناني وانسداد أفق الحلول. برز اختراق وحيد لحالة الجمود تمثل بإعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري عن اتفاق إطار لترسيم الحدود البرية والبحرية مع إسرائيل برعاية الأمم المتحدة، على أن تبدأ المفاوضات غير المباشرة مع دولة الاحتلال في غضون أسبوعين، علماً بأن هناك ١٣ موقعاً متنازعاً عليه على طول الخط الأزرق إضافة إلى نقطتين بحريتين متداخلتين تبلغ مساحتهما ٨٥٠ كلم مربع.
في الكويت، ووري أمير البلاد الثرى عن عمر ناهز ٩١ عاماً ليخلفه أخوه ولي العهد نواف الأحمد الصباح (83 عاماً). ولقد عرف عن الأمير الراحل صباح الأحمد الجابر الصباح، حنكته السياسية ومواقفه المستقلة، إلى جانب محاولاته التوفيقية داخل البيت الخليجي، لاسيما الخلاف السعودي القطري المستمر.
وقد تميزت السياسات الخارجية للأمير الراحل، بالمرونة والوسطية لاسيما في الملف الإيراني. ورغم أن الحكم لازال بيد «الحرس القديم» إلا أن ذلك لا ينفي إمكانية حدوث تغيير في السياسات الكويتية خصوصاً في ملفي الأزمة الخليجية والتطبيع مع إسرائيل.
في العراق، يبدو أن الأمور ذاهبة إلى مزيد من التصعيد بين واشنطن والفصائل العراقية المسلحة مع تزايد الحديث عن حتمية إغلاق السفارة الأميركية في بغداد ونقلها إلى أربيل نتيجة عجز القوات الأميركية والحكومة العراقية عن حمايتها من رشقات الصواريخ.
وتعتبر الفصائل العراقية المناوئة لواشنطن، كـ«حركة النجباء»، أن السفارة الأميركية ليست سوى وكر للتخريب والإرهاب وهي ترحب بإقفالها. ولكن تسرب عن جهات أميركية أن إغلاق السفارة سوف يتزامن مع عملية أميركية نوعية ضد أكثر من ١٠٠ هدف للفصائل المعارضة. وهذا الأمر إن حصل فإنه بالتأكيد سوف يخلط الأوراق ويفتح الساحة العراقية على شتى الاحتمالات.
ولقد شهد الأسبوع الماضي تجدد الحرب الأرمينية الأذرية حول إقليم ناغورنو–كاراباخ. وحتى الساعة فإن ساحات القتال تشهد معارك حامية ذهب ضحيتها مئات الجنود من الطرفين، وقد عمدت تركيا إلى نقل أعداد كبيرة من مرتزقتها «الأحرار»، من سوريا وليبيا، إلى أذربيجان للمشاركة في القتال ضد الأرمن.
واللافت في هذا النزاع هو خلطه للتحالفات الإقليمية القائمة في المنطقة: فمن جهة، يضم الحلف الداعم لأرمينيا روسيا والسعودية وإيران، فيما تقدم تركيا وإسرائيل الدعم لأذربيجان، التي –للمفارقة– تضم ثاني أعلى كثافة «شيعية» بين دول العالم. وبالتالي، فإن اصطفاف إيران ضدها ينسف مقولة «مشروع المدّ الشيعي الإيراني» التي تصمّ آذاننا في وسائل الإعلام المحسوبة على المشروع الرجعي العربي.
Leave a Reply