محمد العزير
«إسمي جو بايدن وأنا أحب إسرائيل. أنا صهيوني، لا ينبغي أن تكون يهودياً لتكون صهيونياً». هاتان العبارتان من مواقف كثيرة جداً تعبّر عن تأييد ودعم الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن للكيان الصهيوني ومشروع دولة إسرائيل. لا يشذ بايدن في مواقفه هذه عن الجو العام للغالبية العظمى من السياسيين الأميركيين خصوصاً ذوي المناصب الوطنية والرفيعة، إلّا أن ما يميز بايدن قليلاً هو مساره السياسي الطويل في الحياة العامة وتوليه قبل الرئاسة مناصب حساسة (نائب الرئيس من 2009 إلى 2017، ورئيس وعضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ من 2001 إلى 2009) جعلاه تحت مجهر آلة الدعم المتفاني لإسرائيل، والتي تمتلك ذاكرة خارقة وإمكانات مؤثرة.
ملاحظة لا بد منها: وصول بايدن إلى سدة الرئاسة خلفاً للرئيس الأرعن دونالد ترامب، يبقى في جميع الحالات أفضل للعرب الأميركيين والعرب عموماً، ليس من باب التفضيل ولكن على قاعدة درء الخطر الأكبر بالخطر الأصغر.
من سوء طالع العرب الأميركيين والعرب المهتمين بقضاياهم وفي طليعتها قضية فلسطين، أن يأتي بايدن إلى السلطة في أسوأ توقيت ممكن سياسياً وعملياً للشرق الأوسط بجميع ملفاته من الاتفاق النووي مع إيران وملحقاته الإقليمية إلى التوسع الدبلوماسي الإسرائيلي الهائل عربياً، دون أي ثمن مقابل من حساب الإحتلال، إلى مأساة سوريا المتمادية في ظل السيطرة الخارجية (روسيا وإيران) على قرار دمشق وانصياع القيادة السورية لها، إلى الكارثة الإنسانية المروعة في اليمن، وصولاً إلى الانهيار المؤسساتي المتوازي للكيانين السياسيين للعراق ولبنان معاً. وكل ملف من هذه الملفات يحتاج إلى معالجة تحليلية منفصلة لقياس تأثير إدارة بايدن عليها.
إلا أن ما يثير مخاوف المهتمين والمتابعين من العرب الأميركيين قبل كل هذه الملفات هو احتمال ردة الحزب الديمقراطي عما تحقق في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما على المستويين السياسي والشبابي الأميركي في الموقف من قضية فلسطين وتالياً كل القضايا العربية الحيوية وإعادة احياء النفوذ الصهيوني التقليدي (ما يصطلح على تسميته اللوبي الإسرائيلي) في صفوف التيار الليبيرالي في الحزب الديمقراطي، والذي شهد تآكلاً ملحوظاً في العقدين الماضيين. تنبع هذه المخاوف من حقيقة ان الحزب الديمقراطي تاريخياً كان الحضن الدافئ لإسرائيل وملعباً مفتوحاً للقوى الأميركية المؤيدة لها، ولم يكن ينافس ذلك النفوذ سوى النفوذ اليميني الديني الأميركي الذي تحالف مع اليمين الفاشي في إسرائيل من أجل جذب نصيب من الأصوات والإمكانات الصهيونية واليهودية إلى الحزب الجمهوري الذي دفع ترامب مواقفه الداعمة لإسرائيل إلى آفاق غير مسبوقة.
تستند هذه المخاوف إلى أكثر من تصريحات بايدن والتنافس الديمقراطي مع الجمهوريين على كسب الود الصهيوني. وليس من باب التمييز العنصري أو التصويب الاتهامي، إلا أن إلقاء نظرة سريعة على صانعي القرار في إدارة بايدن، التي خلت من أي عربي أميركي في مناصب الصف الأول، يكفي لمعرفة الحضن الدافئ الذي سيلاقي مؤيدي إسرائيل في واشنطن، الساعين إلى ترميم اللوبي وتعزيزه. ففي البيت الأبيض نفسه، لم يصنع زوج نائبة الرئيس كامالا هاريس، المحامي والأكاديمي دوغلاس إيمهوف، التاريخ بوصفه أول رجل يحمل لقب الرجل الثاني في أميركا (تيمناً بلقبي السيدة الأولى والسيدة الثانية لزوجتي الرئيس ونائبه اللذين كانا حكراً على الذكور حتى الآن) بل بصفته أول يهودي (أو يهودية) في هذا الموقع. والمعروف عن إيمهوف الذي عمل طويلاً كمحام مرموق لصناعة السينما في هوليوود انه مؤيد معروف لإسرائيل ومتبرع سخي للمؤسسات التي تدعمها.
كذلك، رئيس الدبلوماسية الأميركية في عهد بايدن، وزير الخارجية أنتوني بلينكن، يهودي وصهيوني وينحدر حسب سيرته الذاتية من عائلة خسرت الكثير من أفرادها في المحرقة النازية إبّان الحرب العالمية الثانية، وبطبيعة الحال سيكون بلينكن المسؤول المباشر عن القضايا والملفات العربية في المدى المنظور. وزيرة المالية أيضاً التي تعتبر من الوزراء الرئيسيين في الإدارة والمسؤولة المباشرة عن ملفات العقوبات المالية الدولية جانيت يلين، يهودية من أصل بولندي. وزير العدل ميريك غارلاند الذي سبق لأوباما أن رشحه للمحكمة العليا عام 2016، يهودي من أصول روسية لجهة والدته، كذلك وزير الأمن الداخلي الذي سيتولى أكبر وزارة حجماً اليهاندرو مايوركاس يهودي من أصول شرقية (سفارديم) من مواليد هافانا في كوبا التي هاجر إليها أجداده، قبل هجرته إلى أميركا عام 1960، بعد الثورة الكوبية.
مديرة الأمن الوطني أفريل هاينز يهودية أيضاً وتزور إسرائيل بشكل دائم حسبما ورد في مذكرات أبيها توماس هاينز الذي قال إنها فكرت في مقتبل شبابها بالانتقال إلى فلسطين المحتلة والعيش هناك. وفي وزارة الخارجية التي يديرها بلينكن ستشغل المنصب الثاني في الوزارة اليهودية وندي شيرمان كنائبة للوزير، وليس بعيداً عن السياسة في عالم اليوم سيحتل اليهودي أريك لاندر منصب مدير مكتب سياسة العلوم والتقنية، وستشغل اليهودية آن نوبرغر منصب نائبة مستشار الأمن القومي لأمن المعلوماتية، وسيكون اليهودي دايفيد كوهين نائباً لمدير وكالة المخابرات المركزية CIA.
صلة الوصل بين كل هؤلاء وبين بقية أعضاء الإدارة الأميركية والرجل الأقرب إلى الرئيس كبير موظفي البيت الأبيض هو اليهودي رونالد كلين الذي يضع جدول أعمال الرئيس وينسق برامج الإدارة.
لم يخفَ هذا الوجود اليهودي القوي في إدارة بايدن على المؤسسات الإعلامية والمنظمات اليهودية والصهيونية في أميركا وإسرائيل وكان موضع ترحيب وثناء من جميع الشخصيات والجهات المعنية التي رأت فيه تعزيزاً للحضور اليهودي الأميركي في صناعة القرار وفرصة أفضل لوضع سياسات أكثر فعالية لمواجهة العداء للسامية وخدمة المصالح الإسرائيلية على حد تعبير صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية. ومع أن الهوية الدينية ليست شرطاً حاسماً في الموقف السياسي، وفي السناتور اليهودي والمرشح السابق للرئاسة الأميركية، بيرني ساندرز، أفضل مثال على ذلك، إلا أن السير الذاتية والمواقف المعلنة لأصحاب هذه المناصب ستجعل «مصلحة إسرائيل» في طليعة اهتماماتهم، خصوصاً وأنهم سيحاولون استعادة من نجح ترامب في جذبهم إلى الحزب الجمهوري، بمساعدة زعيم الغالبية الديمقراطية الجديدة في مجلس الشيوخ اليهودي أيضاً. تشاك شومر، ومئات المشرعين والموظفين الحكوميين والشخصيات النافذة في كل أروقة القرار.
لا يقف الأمر عند هذا الحد. فعلى الرغم شراسة المعركة الرئاسية الأخيرة والتي كادت تنشر الفوضى في بلد يتباهى تاريخياً باستقراره السياسي، وعلى الرغم من مسارعة بايدن إلى استخدام صلاحياته الدستورية لإصدار عشرات الأوامر التنفيذية في الأيام الأولى من ولايته لإلغاء ووقف مفاعيل سياسات ترامب، يبدو أن الملف الوحيد الذي لا يجد بايدن مشكلة فيه من إرث سلفه هو الملف العربي سواء ما يتعلق بنقل السفارة الأميركية إلى القدس أو الدعم اللامحدود لإسرائيل أو الضغط على الحلفاء العرب لاستكمال التطبيع الدبلوماسي مع إسرائيل بمعزل عن فاشية دولة الاحتلال ونظام الفصل العنصري فيها، وصولاً إلى محاربة الحملة الشبابية لمقاطعة إسرائيل BDS والتي شكلت في السنوات الماضية كابوساً لمؤيدي إسرائيل في الولايات المتحدة.
Leave a Reply