.. والجمهوريون يتهمونه بالانفصال عن الواقع
واشنطن – رغم تراجع شعبيته حتى بين الديمقراطيين أنفسهم، قرر الرئيس الأميركي جوزيف بايدن المضي قدماً في إعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية عام 2024، ليصبح أكبر مرشح يخوض سباق البيت الأبيض في تاريخ الولايات المتحدة، وسط تشكيك واسع بقدراته على القيام بمهام الرئاسة وقد تجاوز سنّه ثمانين عاماً، فيما اتهمه الحزب الجمهوري «بالانفصال عن الواقع».
وجاء إعلان بايدن في مقطع مصور مدته ثلاث دقائق، في الذكرى السنوية لإعلان ترشحه للبيت الأبيض عام 2019، حين وعد بمداواة «روح الأمة» بعد رئاسة دونالد ترامب، وهو هدف ظل بعيد المنال في ظل تزايد الأزمات والانقسام السياسي في عهده.
وقال الرئيس الأميركي السادس والأربعون: «قلت إننا في معركة من أجل روح أميركا، وما زلنا كذلك. والسؤال الذي نواجهه هو ما إذا كان لدينا في السنوات المقبلة الكثير أم القليل من الحرية. الكثير أم القليل من الحقوق».
وأرفق بايدن الفيديو بتغريدة على «تويتر» قال فيها: «كل جيل لديه لحظة يتعين عليه فيها الدفاع عن الديموقراطية. الدفاع عن حرياته الأساسية. أعتقد أن هذه لحظتنا. هذا سبب ترشيحي لإعادة انتخابي رئيسا للولايات المتحدة. انضموا إلينا. فلننجز المهمة».
ويأتي إعلان ترشيح بايدن على الرغم من أن استطلاعات الرأي تظهر أن غالبية الناخبين في الولايات المتحدة، بمن فيهم أغلبية الديمقراطيين، لا يريدون ترشحه مجدداً.
وقالت «سي أن أن» إن مساعي بايدن تأتي في ظل ظروف غير مواتية مع تراجع شعبيته بشكل كبير إلى حدود 40 بالمئة.
وقد عاشت البلاد خلال عهد بايدن أزمات متتالية بعد عزلة الوباء مثل التضخم واستباحة الحدود فضلاً عن الارتفاع الصاروخي في معدلات الجريمة ووفيات المخدرات.
وكان بايدن قد أعرب مراراً في السابق عن رغبته في الترشح لولاية ثانية، لكن مستشاريه يقولون إنه لم يشعر بضغط للقفز سريعاً نحو الحملة الانتخابية في الحزب الديمقراطي لكونه لا يواجه معارضة كبيرة داخل الحزب، وفق وكالة «أسوشيتد برس».
ويعول بايدن على سجله في مواجهة سلفه دونالد ترامب، حيث أتبع إعلان ترشيحه بتصريحات حذر فيها من أن الرئيس الجمهوري السابق يشكل «خطراً» على الديمقراطية الأميركية، وأنه قادر على هزيمته مجدداً.
ورغم التشكيك بقدراته الذهنية، أكد بايدن أن سنّه لا يشكل موضوع قلق بالنسبة إليه لأنه «بحال جيدة ومتحمس بشأن آفاق» الفوز بولاية ثانية من أربعة أعوام. وتابع «ما سيجري في العامين أو الأعوام الثلاثة أو الأربعة المقبلة سيحدد شكل العقد المقبل».
وقال بايدن رداً على سؤال بشأن ترامب (76 عاماً) «أعرفه جيداً وأعرف الخطر الذي يمثله على ديمقراطيتنا».
وتابع خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الكوري الجنوبي يون سوك يول الذي يقوم بزيارة دولة إلى واشنطن «سبق لنا أن اختبرنا ذلك».
ولم يكن ترشح بايدن، مفاجئاً لكثيرين، خاصة أن الرئيس أوحى سابقاً بأنه يرغب في الترشح وأنه لائق صحياً وذهنياً للقيام بمهام الرئاسة المعقدة.
مع هذا، أثار إعلان بايدن، ضجة كبيرة، كان جزء كبير منها مرتبطاً بعمره، باعتباره أكبر رئيس أميركي سناً في تاريخ الولايات المتحدة، وأيضاً بشأن معدلات القبول المنخفضة نسبياً التي يتمتع بها.
ونقلت وكالة «رويترز» عن الخبير الاستراتيجي الجمهوري، سكوت ريد قوله إن «من الصادم حقاً أن يعتقد بايدن (80 عاماً) أنه ما زال قادراً على شغل المنصب لفترة ثانية، ولن أتحدث هنا عما تبقى من الفترة الحالية».
في المقابل، تقول كارين فيني الخبيرة الاستراتيجية من الحزب الديمقراطي لـ«رويترز» إنه «لا يوجد سيناريو لا يحاول فيه الجمهوريون جعل سنه مشكلة. نعلم ذلك. لذلك يجب أن يكون التركيز منصباً على الطريقة الأكثر فاعلية للوصول إلى الشعب الأميركي. وبالطبع سيكون من ذلك حضور الفعاليات والسفر، لكن ربما تكون هناك ابتكارات أخرى».
وتنفي الإدارة الأميركية وجود أي تراجع في القدرات الذهنية للرئيس، وأجاب بايدن نفسه على أسئلة متعلقة بصحته بالقول «انظروا إلى الإنجازات» كدليل على قدرته على شغل منصبه.
ترامب يرد
لم يتردد ترامب في التعليق على إعلان ترشيح بايدن، حيث وصف إدارته بـ«الفاشلة»، مشيراً إلى أن «حجم الضرر الذي تسبب فيه بايدن في بضع سنوات يفوق ما تسبب فيه أسوأ خمسة رؤساء أميركيين» في تاريخ البلاد.
وأوضح أن الولايات المتحدة تعيش أسوأ تضخم يضرب الأسر الأميركية منذ نصف قرن، مضيفاً بأن «البنوك تتهاوى والدولار لن يبقى قريباً العملة المعيارية السائدة عالميا وهذا أكبر فشل لنا منذ 200 عام».
ويواجه ترامب إجراءات قضائية في عدة ولايات أميركية، لكنه يؤكد أنه سيمضي قدماً في حملته «لإنقاذ أميركا»، متهماً إدارة بايدن باستخدام الأجهزة الفدرالية للتضييق عليه ومنعه من الترشح.
وأعلن ترامب (76 عاماً) حملته الانتخابية في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وهو لا يزال يحكم قبضته على قاعدته الانتخابية وقد عزز موقفه في استطلاعات الرأي بعد أن وجه ممثلو ادعاء في نيويورك اتهامات له بدفع أموال لممثلة أفلام إباحية لشراء صمتها.
بدوره، اعتبر الحزب الجمهوري في تعليقه على إعلان ترشيح بايدن، أن الرئيس «منفصل عن الواقع لدرجة أنه بعدما تسبّب بأزمة تلو الأخرى، يرى نفسه جديراً بأربع سنوات إضافية». وحذر الحزب الأحمر من أنه في حال فوزه «فالتضخم سيواصل ارتفاعه الصاروخي، معدلات الجريمة سترتفع، مزيد من الفنتانيل سيعبر حدودنا المفتوحة… والعائلات الأميركية ستكون أسوأ حالاً».
منافسون ضعفاء
على الجانب الديمقراطي، لا تبدو التيارات الرئيسية داخل الحزب –حتى الآن– في صدد تحدي ترشيح بايدن، ورغم ذلك من غير المستبعد أن يسعى بعض المرشحين لمواجهته في السباق التمهيدي، بمن فيهم روبرت كينيدي جونيور، ابن شقيق الرئيس الـ35 للولايات المتّحدة جون أف. كينيدي، الذي استبق إعلان بايدن بترشيح نفسه عن الحزب الديمقراطي لانتخابات 2024، ليكون بذلك أول منافس محتمل للرئيس السادس والأربعين.
وشغل والده، روبرت كينيدي الأب، منصب وزير العدل في عهد شقيقه الرئيس الديمقراطي جون أف كينيدي، ثمّ انتُخب سناتوراً عن ولاية نيويورك.
ويُنظر إلى اغتيال الشقيقين –جون كينيدي في العام 1963 وروبرت كينيدي في العام 1968 أثناء حملته الرئاسية– على أنّهما من الأحداث الأكثر أهمية في السياسة الأميركية في القرن العشرين.
ورغم اسمه المعروف، إلّا أنّ فرص كينيدي ضئيلة للغاية أمام بايدن، لاسيما وأنه موصوف بأنه من مروجي نظريات المؤامرة المتعلقة باللقاحات.
وأعلن مرشحون آخرون اعتزامهم منافسة بايدن على بطاقة الديمقراطيين، لكن من غير المرجح أن ينضم أيّ مرشحين بارزين إلى السباق، في ظل التفاف قيادة الحزب الأزرق حول بايدن.
أما على الجانب الجمهوري، فلا منافسين جديين لترامب حتى الآن، خاصة في ظل إحجام حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتس عن الترشح.
ويتمتع ديسانتس (44 عاماً)، الذي يحتل المرتبة الثانية بعد ترامب في معظم استطلاعات الرأي، بشعبية واسعة في أوساط الجمهوريين لكنه يبدو متردداً في خوض السابق بمواجهة ترامب الذي لايزال الشخصية المفضلة للناخبين المحافظين.
وكانت الحاكمة السابقة لولاية ساوث كارولاينا وسفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في إدارة ترامب، نيكي هايلي، أول شخصية جمهورية تعلن ترشحها بمواجهة ترامب. ورغم أنها تتميز بسن صغير نسبياً (51 عاماً)، إلا أن استطلاعات الرأي أظهرت ضعف حظوظها حيث لم تتجاوز عتبة ٥ بالمئة في أحسن الأحوال.
ومن المرشحين الجمهوريين المحتملين أيضاً، السناتور في مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية ساوث كارولاينا ريك سكوت، وحاكم ولاية آركنسو السابق آسا هاتشينسون، وحاكم ولاية نيوجيرزي السابق كريس كريستي، وحاكم ولاية نيوهامبشير كريس سنونو، وربما نائب الرئيس الأميركي السابق مايك بنس، الذي لم يحسم موقفه بعد.
Leave a Reply