كابول، واشنطن
بعد عشرين عاماً على غزو أفغانستان، غادرت –مطلع الأسبوع الماضي– آخر قوات الجيش الأميركي، مطار كابول، وفق خطة الرئيس جو بايدن الذي قوبل بحملة انتقادات واسعة داخل الولايات المتحدة، على خلفية الفوضى التي رافقت عملية الانسحاب والتي انتهت بترك مئات المواطنين الأميركيين تحت رحمة حركة طالبان التي لا تزال علاقتها بواشنطن يكتنفها الغموض.
وقال قائد القيادة المركزية الأميركية، كينيث ماكنزي، في مؤتمر صحفي الإثنين الماضي، إن الجيش أكمل سحب قواته من أفغانستان، مضيفاً أن السفير الأميركي كان على متن آخر رحلة.
وقال إن الطائرات العسكرية الأميركية والتابعة للتحالف الدولي، أجلت أكثر من 123 ألف مدني من أفغانستان في غضون الأسبوعين الأخيرين من شهر آب (أغسطس) المنصرم، مؤكداً أنه «تم إخراج كل الطيارين العسكريين الأفغان مع عائلاتهم».
وأضاف أن الولايات المتحدة عطلت عشرات الطائرات والآليات في مطار كابول «بشكل كامل»، لكن لم يتطرق إلى المركبات والمعدات العسكرية المنتشرة في ولايات أفغانستان والتي وقعت في أيدي طالبان بعد سيطرتها المفاجئة على البلاد في غضون 11 يوماً.
وفي مؤشر على طبيعة العلاقة مع طالبان بعد الانسحاب، أقر الجنرال ماكنزي أن حركة طالبان «بذلت جهداً جيداً لتأمين المطار لتسهيل الانسحاب الأميركي من أفغانستان».
وأكد أن الحركة «ستواجه تحدياً لتأمين كابول»، مشيراً إلى أن «الولايات المتحدة ستحتفظ بحقها في ملاحقة الارهابيين داخل أفغانستان في أي وقت مستقبلاً».
وفي اليوم التالي، أطل الرئيس جو بايدن في خطاب وجهه للشعب الأميركي، بمناسبة إكمال الانسحاب من أفغانستان، مؤكداً أنه يتحمل «مسؤولية» هذا القرار الذي وصفه بـ«الصحيح» و«الأفضل» للولايات المتحدة.
وأكد بايدن أن الخيار الذي كان متاحاً أمامه «إما المغادرة أو التصعيد»، لافتاً إلى أن كبار مستشاريه العسكريين والمدنيين والقادة الميدانيين نصحوه بضرورة «عدم البقاء هناك وسحب الجنود المتبقين». وأضاف الرئيس في معرض تبريره لقرار الانسحاب، إنه لا يعتقد أن «الأمن والأمان في أميركا سيتعززان من خلال استمرار الوجود العسكري في أفغانستان»، مشيراً إلى أنه نفذ تعهداً انتخابياً قطعه على نفسه بإنهاء الحرب. وأضاف: «بعد 20 سنة من الحرب، أرفض ذهاب جيل جديد هناك.. أنفقنا 2 تريليون دولار.. حوالي 300 مليون دولار كانت تنفق يومياً. وجرح أكثر من 27 ألف عسكري وقتل أكثر من 2,400».
محاربة «داعش»
ورغم ذلك قال بايدن في البيت الأبيض: «إننا بعيدون عن انتهاء المهمة» مشيراً إلى أن أولويته في المرحلة المقبلة هي ضمان عدم استخدام أفغانستان لشن هجمات على الولايات المتحدة من قبل تنظيمات إرهابية، مثل تنظيم «داعش–خراسان» الذي هاجم مطار كابول وعطل عمليات الإجلاء الجوي عبر شن هجوم مسلح على محيط المطار أدى إلى مقتل العشرات، بينهم 13 عسكرياً أميركياً.
وأكد الرئيس الأميركي على ثقته في أن الولايات المتحدة قادرة على التعامل مع خطر الإرهاب دون نشر جنودها على الأرض، و«قد أظهرنا قدرتنا على ضرب «داعش» بعد الهجوم الأخير في كابل».
وتوعد بايدن، التنظيم بمزيد من الرد، قائلاً «سنواصل الحرب ضد الإرهاب في أفغانستان ودول أخرى»، وتوجه إلى تنظيم «ولاية خراسان» بالقول «لم نفرغ منكم بعد».
ورغم تعرضه لانتقادات واسعة بسبب سوء إدارة عملية الانسحاب وترك مئات المواطنين الأميركيين تحت رحمة طالبان في أفغانستان، وصف بايدن، الجسر الجوي الأميركي لإجلاء أكثر من 120 ألف شخص من أفغانستان بأنه «نجاح استثنائي»، وقال: «لقد أنجزنا واحداً من أكبر الجسور الجوية في التاريخ… لم تنجز أي دولة شيئاً مثله قط، فقط الولايات المتحدة لديها الإمكانية والإرادة والقدرة على القيام بذلك».
وتعهد الرئيس الأميركي بمساعدة المواطنين الأميركيين الذين لا يزالون في أفغانستان على المغادرة، وقال «بالنسبة للأميركيين الذين لا يزالون (في أفغانستان) نقول إنه لا مهلة زمنية. نحن ملتزمون بإخراجهم إذا كانوا راغبين بذلك. 90 بالمئة خرجوا ومن تبقوا لايزالون قادرين على ذلك إن أرادوا».
وأكد أن واشنطن لديها القدرة على التأكد من وفاء طالبان بالتزاماتها بشأن «ضمان سلامة مرور الأميركيين وأي شخص عمل معنا».
وتعهد بالاستمرار في مساعدة الأفغان عبر «الدبلوماسية والنفوذ الدولي والمساعدة الإنسانية» مضيفاً «سننخرط في دبلوماسية تمنع عدم الاستقرار والعنف، وسوف نستمر في الدفاع عن الحقوق الأساسية للشعب الأفغاني خاصة النساء والفتيات».
ويوم الأربعاء الماضي، أعلن البيت الأبيض أن إدارة بايدن تعمل على إتاحة طاقة استيعابية لاستقبال ما يصل إلى 50 ألف لاجئ أفغاني في القواعد العسكرية الأميركية.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي إن تلك المنشآت لن تستضيف اللاجئين بشكل دائم، لكنها ستقدم الرعاية الطبية والمساعدة لهم، وستكون «حلقة وصل بين اللاجئين ومنظمات تعكف على إعادة توطينهم».
وبعد توقف عمليات الإجلاء عبر مطار كابول، الذي بات تحت سيطرة طالبان بالكامل، تدفقت حشود تسعى للفرار من أفغانستان على الحدود البرية مع البلدان المجاورة في مؤشر على أزمة إنسانية محتملة تلوح بالأفق.
وتركزت الجهود الخاصة لمساعدة الأفغان الخائفين من انتقام طالبان على ترتيب ممرات آمنة عبر الحدود البرية مع إيران وباكستان ودول آسيا الوسطى.
وفي ظل غياب حكومة في كابول، أجرت بريطانيا والهند محادثات منفصلة مع ممثلين عن طالبان في الدوحة وسط مخاوف من فرار ما يصل إلى نصف مليون أفغاني من بلادهم بحلول نهاية العام.
وحث مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في قرار يوم الاثنين الماضي، طالبان على فتح ممر آمن للراغبين في مغادرة البلاد لكنه لم يشر إلى إنشاء منطقة آمنة وهي خطوة تدعمها فرنسا ودول أخرى.
وكانت حركة طالبان قد أعلنت عن عفو عن جميع الأفغان الذين عملوا مع القوات الأجنبية أثناء الحرب التي أطاحت بحكمها عام 2001 لرفضها تسليم أسامة بن لادن بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) الإرهابية.
ودعا زعماء الحركة، الأفغان للعودة لبلادهم والمساعدة في إعادة إعمارها ووعدوا باحترام حقوق الإنسان.
وكانت الحركة قد قطعت عهوداً مماثلة عندما تولت السلطة عام 1996 لكنها أعدمت علناً رئيساً سابقاً وحرمت النساء من التعليم والعمل وفرضت عليهن قواعد متشددة.
العلاقة مع طالبان
وفي أعقاب الانسحاب الأميركي الكامل من أفغانستان، أعلن وزير خارجية واشنطن، أنتوني بلينكن، أن الولايات المتحدة «ستعمل مع حركة طالبان إذا وفت بتعهداتها».
وقال بلينكن «كل خطوة سنتخذها لن تستند إلى ما تقوله طالبان، وإنما إلى ما تفعله للوفاء بتعهداتها»، مشدداً على أن ما تطلبه الحركة من المجتمع الدولي من اعتراف ودعم «يجب أن تكتسبه عن جدارة واستحقاق».
كما أعلن أن الولايات المتحدة علقت وجودها الدبلوماسي في أفغانستان، ونقلت سفارتها من كابول إلى الدوحة، مشيراً إلى «المناخ الأمني الضبابي والوضع السياسي» في البلد الذي استعادت حركة طالبان السيطرة عليه.
وشدد الوزير على أن الولايات المتحدة ستواصل مساعدة كل أميركي يرغب بمغادرة أفغانستان، لافتاً إلى أن عدداً ضئيلاً من رعايا بلاده، ما بين 100 و200 أميركي، لا يزالون داخل البلد المضطرب، رغم وجود تقارير عدة تشير إلى أن الرقم الحقيقي أكبر من ذلك بأضعاف.
من جابنها، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، إن الإدارة الأميركية ليست على عجلة من أمرها للاعتراف بحركة طالبان.
لكن رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال مارك ميلي، لم يستبعد إقامة تنسيق مستقبلي بين الجيش الأميركي وطالبان لمحاربة تنظيم «داعش» في أفغانستان. وأضاف: «هذا ممكن»، مستدركاً بأنه «ليس واضحاً بعد إن كانت حركة طالبان قد تخلت عما كانت تتسم به من قسوة في السابق». وتابع متسائلاً: «هل تغيرت أم لا.. هذا أمر سننتظر لنعرفه».
هجوم جمهوري شرس
داخلياً، شنّ أركان الحزب الجمهوري هجوماً حادّاً على الرئيس الديمقراطي بسبب طريقة الانسحاب التي وصفوها بأنها «مذلّة» وتركت مواطنين أميركيين «تحت رحمة» حركة طالبان.
وقالت رئيسة الحزب الجمهوري رونا ماكدانيل في بيان إنّ بايدن «تسبب بكارثة وخذل الأميركيين ومصالحنا». وأضافت أنّ ما حصل في كابول «يُثبت ما كنّا نعرفه أصلاً: جو بايدن غير قادر على أداء دور القائد الأعلى للقوات المسلّحة، والولايات المتحدة والعالم هما أقلّ أماناً بسببه».
بدوره، قال زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب كيفن مكارثي إنّ الرئيس ترك «أميركيين تحت رحمة إرهابيين».
وأدّى الانتصار الخاطف لطالبان، الذي لم تتوقّعه واشنطن، إلى حدوث فوضى في انسحاب الأميركيين وحلفائهم من كابول، وتسبّب في الداخل الأميركي بفتح جبهة جديدة في المعركة الضارية بين الجمهوريين والديمقراطيين والذين عادة ما يترفّعون عن خلافاتهم الحزبية عندما يتعلّق الأمر بمسائل الأمن القومي.
غير أن زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأميركي، السناتور ميتش ماكونيل، استبعد عقد أية جلسة لعزل بايدن «لأن أي جهد سيبذل في هذا الإطار لن يجدي».
وجاءت تعليقات ماكونيل وسط دعوات جمهورية لإقالة بايدن، على الرغم من أن جهودهم محكوم عليها بالفشل في مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون.
Leave a Reply