لانسنغ
بعد مفاوضات طويلة وشاقة تجاوزت المهل الدستورية، توصّل المشرعون الديمقراطيون والجمهوريون في مجلس ميشيغن التشريعي، إلى صيغة تسوية لتجنّب إغلاق حكومة الولاية عبر تمرير موازنة السنة المالية الجديدة بقيمة 81 مليون دولار، ومن ضمنها، زيادة مخصصات إصلاح الطرق بمقدار 1.1 مليار سنوياً، عبر سلسلة تدابير تشمل فرض ضريبة جملة على الماريوانا بنسبة 24 بالمئة ابتداء من مطلع العام 2026.
وبالعموم، شهدت تسوية الميزانية، تخفيضات واسعة في تمويل الوزارات والبرامج الحكومية، بما في ذلك، إلغاء حوالي 2,000 وظيفة حكومية شاغرة، مقابل زيادة الإنفاق على التعليم والبنية التحتية والسلامة العامة، مروراً بإقرار إعفاءات ضريبية تشمل إلغاء ضريبة الدخل على الإكراميات وأجور العمل الإضافي ومعاشات الضمان الاجتماعي.
ومثّلت الخطة المشتركة بين الحزبين، إنجازاً كبيراً للهيئة التشريعية في ميشيغن. فعلى مدى أشهر، ظلّ مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون ومجلس الشيوخ الذي يقوده الديمقراطيون يكافحان للتوصل إلى حلٍّ وسط بشأن الميزانية. وكادت الخلافات أن تدفع حكومة الولاية إلى الإغلاق مع بداية السنة المالية الجديدة في مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، إلا أن اتفاقاً جزئياً بين الحزبين سمح بمواصلة تمويل حكومة الولاية لغاية 8 أكتوبر مما منح المشرعين أياماً إضافية لوضع اللمسات الأخيرة على الموازنة.
ولكن المشرعين لم يحتاجوا أكثر من ثلاثة أيام لإقرار مشاريع الموازنة ورفعها إلى مكتب الحاكمة غريتشن ويتمر، حيث اقتصر عدد الأصوات المعارضة في مجلس النواب على ثمانية فقط، مقابل خمسة في مجلس الشيوخ، بينهم زعيم الأقلية الجمهورية السناتور أريك نيسبيت الذي يستعد لخوض سباق حاكمية الولاية في 2026.
وبالعموم، جاءت الموازنة أقل بنحو 1.5 مليار دولار مقارنة بموازنة السنة الماضية التي بلغت 82.5 مليار دولار، واضعةً بذلك، نهايةً للمسار التصاعدي لموازنات الولاية منذ جائحة كورونا، عبر فرض اقتطاعات واسعة على مختلف الدوائر والبرامج الحكومية، مقابل زيادة الإنفاق على الطرق والمدارس وإنفاذ القانون.
أولويات الإنفاق
بحسب الميزانية الجديدة، التي سارعت الحاكمة ويتمر إلى توقيعها، الثلاثاء الماضي، ارتفعت موازنة وزارة النقل في ميشيغن من 6.8 مليار دولار إلى 7.9 مليار دولار، بموجب الإيرادات الجديدة المتوقعة لضريبة الجملة على الماريوانا والتي تُقدّر بنحو 420 مليون دولار إضافية سنوياً، فضلاً عن تحويل ضريبة المبيعات على الوقود البالغة 6 بالمئة، إلى إصلاح الطرق حصراً، بدلاً من إنفاقها على مجالات أخرى، من بينها تمويل المدارس والبلديات.
وسارعت عدة شركات ماريوانا في ميشيغن إلى رفع دعوى قضائية لمنع تطبيق الضريبة الجديدة في أولى ردود الفعل الرافضة لقانون الموازنة.
وتشمل أولويات الإنفاق أيضاً، تعزير السلامة العامة، عبر تخصيص 95 مليون دولار لإنشاء صندوق ائتماني جديد لتمويل دوائر الشرطة والمبادرات المجتمعية الهادفة إلى مكافحة الجريمة.
كما نصت الموازنة على مواصلة تمويل برنامج «مديكيد» للرعاية الصحية بالكامل، وحماية مبادرات الرعاية الصحية الأخرى القائمة.
وفي بند آخر، تنص الموازنة على تخصيص 270 مليون دولار لتمويل برنامج Rx Kids الذي يقدم مساعدات نقدية للحوامل والمواليد الجدد في المجتمعات المهمشة.
وتتضمن الموازنة كذلك، إيداع مبلغ 50 مليون دولار إضافي في صندوق «اليوم الماطر» للاحتياط النقدي، مما سيرفع رصيده إلى مستوى قياسي قدره 2.3 مليار دولار بنهاية السنة المالية الحالية في 30 أيلول (سبتمبر) 2026.
موازنة التعليم
رغم أن خفض الإنفاق طال معظم البرامج والدوائر الحكومية، تضمنت الموازنة زيادة كبيرة في تمويل المدارس العامة بالولاية، عبر تخصيص 10,050 دولاراً لكل طالب، بزيادة قدرها 442 دولاراً عن السنة الدراسية الماضية.
وبلغ إجمالي ميزانية التعليم في ميشيغن 21.3 مليار دولار للمدارس، من رياض الأطفال إلى الصف الثاني عشر، بزيادة إجمالية قدرها 2.5 بالمئة عن السنة الماضية، و2.34 مليار دولار لمؤسسات التعليم العالي (الكليات والجامعات)، بزيادة بنسبة 41 بالمئة.
كما تشمل الميزانية، تخصيص 201.6 مليون دولار لتمويل برنامج «وجبات مدارس ميشيغن»، الذي يُقدّم وجبات إفطار وغداء مجانية لجميع الطلاب، فضلاً عن تخصيص أكثر من 300 مليون دولار لتمويل السلامة المدرسية والصحة النفسية للطلاب، وزيادة تمويل الطلاب المُعرّضين للخطر بنسبة 25 بالمئة، وتخصيص 70 مليون دولار لبرامج التعليم المهني والتقني، بالإإضافة إلى مواصلة تمويل برامج تعلّم اللغة الإنكليزية ومحو الأمية.
كذلك، ستشهد جامعات ميشيغن العامة الخمس عشرة زيادات في التمويل تتراوح بين 1.9 بالمئة و4.8 بالمئة، في تنازلٍ قدمه الجمهوريون في مجلس النواب من خلال مفاوضاتهم مع الديمقراطيين.
ردود فعل مرحِّبة
أشادت الحاكمة ويتمر بإقرار الميزانية المشتركة بين الحزبين، قائلة إنها تمثل أكبر اتفاقية ثنائية بين الديمقراطيين والجمهوريين في تاريخ ميشيغن، ولافتة إلى أنها ستواصل التعاون مع الحزبين لتمرير حزمة إنفاق منفصلة لتحفيز اقتصاد الولاية.
وقالت الحاكمة الديمقراطية إن الميزانية الجديدة سوف تخلق آلاف الوظائف النقابية ذات الرواتب الجيدة في قطاع البناء من خلال تكثيف ورش صيانة الطرق والجسور.
وأضافت ويتمر في بيان لها: «إن إقرار الميزانية المتوازنة من قبل الحزبين، يُعدّ فوزاً كبيراً لسكان ميشيغن»، موضحة أن الميزانية تقدّم إعفاءات ضريبية لكبار السن والأسر العاملة، وتضمن الوصول إلى رعاية صحية ميسورة التكلفة، وتوفر وجبات مجانية لكل طفل في المدرسة، بالإضافة إلى مساعدة طلابنا على النجاح الأكاديمي، وضمان سلامة سكان ميشيغن في مجتمعاتهم».
وأردفت: «ترشحتُ لمنصبي لأنني أردتُ إصلاح الطرق المُتهالكة. على مدار السنوات السبع الماضية، حققنا تقدماً تاريخياً، حيث أصلحنا 24,500 ميل من المسارات و1,900 جسر. وبهذه الميزانية الجديدة، نضمن استثماراً كبيراً ومستداماً لإصلاح الطرق على مستوى الولاية والمستوى المحلي لعقود قادمة، مما سيخلق ويحمي آلاف الوظائف في هذه العملية»، معربة عن اعتزازها بالوفاء بوعدها الانتخابي الأثير بـ«إصلاح الطرق اللعينة»، وعن تطلعها إلى القيادة على طرق أكثر أماناً وسلاسةً بعد انتهاء ولايتها كحاكمة بنهاية العام 2026.
بدورها، أشادت السناتور الديمقراطية سارة أنتوني، رئيسة لجنة المخصصات في مجلس الشيوخ، بالخدمات الواسعة التي بقيت في الميزانية، بما في ذلك الحفاظ على برامج تطوير الإسكان وتوفير وجبات إفطار وغداء مدعومة لجميع الطلاب.
أما رئيس مجلس النواب، الجمهوري مات هول، فأبدى عن سعادته بخطة تمويل الطرق المستدامة بالتوازي مع تقليص ميزانيات الإدارات الحكومية التي تضخمت كثيراً في السنوات الأخيرة، حسب تعبيره.
وقال هول، منتقداً الميزانيات القياسية التي تم اعتمادها على مدى السنوات القليلة الماضية: «تغلبنا أخيراً على مستويات الإنفاق القياسية الناتجة عن وباء كوفيد»، مشيداً بتقليص حجم الميزانية بالتوازي مع التركيز على الأولويات، وهي: «الطرق والسلامة العامة والتعليم»، وفق قوله.
ومن جانبه، قال النائب مات مادوك، القيادي في تيار «ماغا» بميشيغن، إن الجمهوريين في مجلس النواب نجحوا في التصدي لما وصفه بـ«الاحتيال والإهدار والاستغلال» في حكومة الولاية.
تخفيضات واسعة
تصدرت وزارة العمل والفرص الاقتصادية، قائمة الوزارات التي شهدت أكبر التخفيضات في الموازنة الجديدة حيث تم تقليص ميزانيتها بحوالي 690 مليون دولار، لتصل إلى 1.73 مليار دولار فقط. ويعود هذا الانخفاض الحاد إلى إلغاء برامج تحفيز اقتصادي محددة، مثل برنامج جذب استثمارات الشركات الكبرى المعروف اختصاراً باسم SOAR وبرنامج «جذب الأعمال وتنشيط المجتمع» التابع لمؤسسة ميشيغن للتنمية الاقتصادية MEDC.
كذلك، تراجعت موازنة وزارة الصحة والخدمات الإنسانية إلى 30 مليار دولار، بانخفاض قدره 20 بالمئة، عن 37.6 مليار دولار في العام السابق. ويعود هذا التراجع بشكل أساسي إلى إلغاء أكثر من 800 وظيفة شاغرة بدوام كامل أقسام الوزارة، فضلاً عن تقليص المخصصات الفدرالية لبرنامج «مديكيد» التي تدخل ضمن ميزانية وزارة الصحة في ميشيغن.
أما وزارة البيئة والبحيرات العظمى والطاقة فخُفِّضت ميزانيتها بمقدار 71 مليون دولار، أي ما يعادل 7 بالمئة من موازنة السنة السابقة.
ومن بين الوكالات والبرامج التي ستشهد تخفيضات في الميزانية الجديدة أيضاً، مكتب المدعي العام دانا نسل، الذي سيخسر 3.3 مليون دولار، أي ما يعادل 3 بالمئة من تمويله السابق.
كما ستُخفّض حصص المقاطعات والبلديات من قانون تقاسم الإيرادات مع حكومة ميشيغن، بنحو 63 مليون دولار، أي حوالي 6 بالمئة، وفقاً لتحليل أجرته الوكالة المالية المستقلة في مجلس نواب الولاية.
وأوضح هول أن خطة تمويل الطرق تطلبت تخفيضات واسعة في الإنفاق، لافتاً إلى أن المشرعين كانوا بين خيارين، إما تسريح الموظفين أو تقليص المنح وبرامج التنمية الاقتصادية ومخصصات الوزارات.
وتأتي انفراجة أزمة الميزاينة في ميشيغن، بينما لاتزال مفاوضات الموازنة الفدرالية عالقة في واشنطن، مع دخول الإغلاق الحكومي أسبوعه الثاني دون مؤشرات على حل قريب.
Leave a Reply