خاص “صدى الوطن”
ما الذي يجري في السعودية؟ فجأة ظهرت احتجاجات المملكة في عناوين الاخبار وهي التي كانت الى حين يُعتقد انها في مأمن وبعيدة عن أي إمكانية لتحرك شعبي ضد النظام..
مسؤولو المملكة سارعوا الى اتهام أياد خارجية تحاول أن تبث الشغب في البلاد. فقد حذر رئيس الحرس الوطني في السعودية الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز الثلاثاء الماضي، في تصريح لوكالة الانباء الرسمية اثناء لقائه في مقر الحرس الوطني مسؤولين مدنيين وعسكريين، أن “جهات خارجية” تسعى الى “زعزعة الأمن والاستقرار في وطننا” من دون أن يحددها.
ويرجح المراقبون ان الأمير متعب كان يلمح لإيران عندما كان يتحدث عن الجهات الاجنبية، خاصة وأن الجارة الشرقية للمملكة أصبحت شماعة التخويف من “الخطر الشيعي الداهم”، الا الاحداث التي طرأت على المملكة لا يمكن تبريرها بالأيادي ايرانية فقط، الا اذا كان الطلاب أبها وعسير والرياض ومناطق أخرى شيعة او عملاء لايران، كما يتم تصنيف أهالي المنطقة الشرقية (لاسيما في القطيف الذي تشهد تظاهرات منذ أشهر).
ويرى ملاحظون ان المملكة باتهامها هذا تمارس سياسة الهروب الى الأمام ولن تحاول أن تواجه المعضلة الأساسية، وهي أن شعبها يريد ويتوق الى التغيير شأنه شأن كل الشعوب العالم الاخرى. كما وأن سياسة الانغلاق التي مارستها المملكة لسنين لم تعد كافية وحدها لحجب الحقائق، فالعالم أصبح قرية كونية صغيرة عبر ثورة التواصل والمعلوماتية.
ويعتقد آخرون أن القوى الخارجية التي كان يقصدها الامير هي دولة قطر، خاصة بعد أن اتهمها الامير طلال بن عبد العزيز اتهاماً مباشراً بالتآمر على المملكة وهو اتهام خطير لم ترد أو تعلق عليه كل من قطر أو السعودية، ويبدو ان الطرفان يحاولان أن يغيبا كل صراع أو تناقض بينهما الى ما بعد، خاصة وهما يقودان المحور المناوىء لسوريا. لذلك فإن أي شرخ في العلاقة يبرز للعيان قد يضر بالدور المنوط بهما في هذه المرحلة التي تسعى قوى خارجية الى تنفيذها في المنطقة. وتعتبر قطر والسعودية رأس الحربة فيها من خلال الأدوار التي لعبتها المملكة والإمارة في تونس ومصر وليبيا واليمن.
ومع هذه المستجدات لم يعد مجدياً ممارسة سياسة النعامة لتجاهل المشكلة، فمواجهة الأزمات الداخلية المستعصية بالحديث عن أن “المملكة محسودة” أو أن الحراك الشعبي “ظاهرة دخيلة”، وأن التظاهر هو “اخلال بالأمن” لن يحل المشاكل بل سيزيد من تعقيداتها.
وما حدث في في جامعة الملك خالد في بلدة أبها في جنوب غربي السعودية مطلع الأسبوع الماضي، قد دق ناقوس الخطر بعد اعتصام الطالبات الذي اسفر تفريقهن بالقوة عن اصابة أكثر من خمسين منهن، معظمهمن بالاغماء والاختناق بعد الاعتداء عليهن من قبل قوات الأمن خلال احتجاج في الحرم الجامعي.
وقالت إحدى الطالبات إن “قوات الأمن دخلت الحرم (الجامعي) بالهراوات، وهددت الطالبات بضرب رؤوسهن بالمقاعد والمكاتب، وفي ما بعد استخدمت طفايات الحريق ضد الفتيات”.
من جهة أخرى، دعت منظمة العفو الدولية السلطات السعودية إلى الإفراج الفوري غير المشروط عن ستة سعوديين محتجزين منذ عام تقريبا بسبب رغبتهم في الاشتراك في تظاهرة لم تحدث في نهاية الأمر.
وكان محمد الودعاني اعتقل في 4 آذار (مارس) العام 2011، في حين اعتقل فاضل نمر عايد الشمري وبندر محمد العتيبي وثامر نواف العزي وأحمد العبد العزيز في الحادي عشر من الشهر ذاته في مكان كان من المقرر ان تنظم فيه تظاهرة لم تحدث في نهاية المطاف بسبب الانتشار الكثيف لقوات الأمن.
وقال مسؤول منظمة العفو الدولية في منطقة الشرق الأوسط فيليب لوثر إن “اعتقال أشخاص لمدة عام بسبب عزمهم الاحتجاج أمر لا يمكن تصوره على الإطلاق”.
وطالبت منظمة العفو الدولية بإطلاق سراح السعوديين الخمسة، بالإضافة إلى المعلم خالد الجهني الذي اعتقل أيضا في 11 آذار العام 2011، وبدأت محاكمته في 23 شباط (فبراير) الماضي، معتبرة ان هؤلاء السعوديين اعتقلوا “لمجرد أنهم مارسوا سلميا حقهم في التعبير والتجمع”.
وأشارت إلى أن واحدا منهم على الأقل “تعرض للتعذيب أو لسوء المعاملة” مطالبة بفتح تحقيق مستقل في هذه الوقائع ومحاكمة المسؤولين.
يذكر أن الدعوة إلى تظاهرة 11 آذار العام 2011 أطلقها عبر الانترنت في غمار ثورات الربيع العربي ناشطون يطالبون بإصلاحات سياسية في السعودية. ومنذ ذلك الحين جرت تظاهرات متقطعة وخاصة في منطقة القطيف في شرقي المملكة، وقد أسفر قمعها عن سقوط سبعة قتلى حسب أقل التقديرات.
إلى ذلك، ذكرت صحيفة “الوطن” السعودية أن بائع خضار في مدينة عرعر في شمالي المملكة أقدم على إحراق نفسه، في حادث مشابه لما فعله بائع الخضار التونسي محمد البوعزيزي.
وأمام التحركات المحدودة في البلاد والمرشحة للاتساع كان ولي العهد الأمير نايف في مدينة كليفلاند الأميركية للعلاج. والأمير نايف الذي يعتبر “الرجل القوي” في البلاد بقي على رأس وزارة الداخلية منذ 36 عاما أشرف خلالها على مكافحة تنظيم “القاعدة” في المملكة، ثم عيّن في أواخر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي وليا للعهد خلفا لأخيه الأمير سلطان.
وفي إطار العائلة المالكة، دعا الامير طلال بن عبد العزيز أحد الداعين للإصلاح في المملكة الى ضرورة أن “تطال يد العدالة” كل الفاسدين، وطالب الأمير طلال بضرورة “البحث عن الوسائل الكفيلة حتى نتمكن من إيصال كلمة الحق لمن يجب أن تصله هذه الكلمة منا ومنكم”. وقال على صفحته الشخصية بموقع “تويتر” “لا تظنوا أيها الإخوان والأخوات أن كلمة الحق تُسمع مني وأمثالي ولا تسمع منكم للأسف مضت علينا فترات لم تكن تُسمع كلمة الحق حتى مني شخصياً”..
كل المؤشرات في السعودية اليوم تشي بأن وصول “الربيع” إلى أرجاء المملكة بات مسألة وقت لا أكثر. أما ما ارتكز عليه النظام من عوامل لتعزيز الاستقرار الداخلي، سواء عبر “الرشوة” الاستباقية التي أسكت بها التململ السياسي معتمداً على وفرته النفطية، أو عبر ارتكازه على التحالف التاريخي مع المؤسسة الدينية لتفريق صفوف المعارضة من جهة، والدعم الغربي الذي يحظى به من جهة أخرى، فيبدو أن أركانه بدأت تهتز تحت وطأة التحديات المتنامية. كما أن الخلافات بين أفراد الجيلَين الثاني والثالث في العائلة المالكة، الذين تتعارض آراؤهم حول وتيرة الإصلاح ومساره، قد تخلق فرصةً لإعادة خلط أوراق التحالفات. فيما يسعى قادة جدد إلى تطوير مساحات نفوذ خاصة بهم. وفي الوقت الذي تستمرّ فيه التيارات المعارِضة في خوض معركتها تحقيقاً “للربيع السعودي” الذي تصبو إليه، سيتوقّف نجاحها في المستقبل على قدرتها على الاتحاد حول مجموعة وطنية مشتركة من المطالب السياسية، وعلى التخلّص من شياطين القبلية والمذهبية.
ووسط التردد الشعبي في التحرك بفعل الخوف من ارتباط التغيير بالفوضى كما في ليبيا واليمن، وأمام التحالف “الاستراتيجي” الناجح بين النظام والمؤسسة الدينية المحافظة الذي استطاع أن يحتوي العديد من الحركات المعارضة بـ”تحريم الاحتجاجات”، على سبيل المثال، وإزاء تحديات المعارضة بالتخلّص من شياطين القبلية والمذهبية… يبقى سؤال “كيف” و”متى” ستندلع “الشرارة الكبرى” هذا رهين ما ستحمله أيام المملكة المقبلة.
فهل السعودية باتت جاهزة للتغيير إذاً؟ وهل ما يُحكى عنه من حراك داخلي تعيشه المملكة حقيقي، يحجبه فقط خوف الإصلاحيين من التعبير؟ أم إن النظام سيستطيع احتواء المطالب “المادية” لسكان المملكة بما هو معروف عنه منذ عهود؟ هل ينقلب السحر على الساحر ويزعزع التظاهر الذي استغلته السعودية ودول الخليج ضد سوريا بنية المملكة السعودية.
Leave a Reply