عماد مرمل – «صدى الوطن»
إذا كان اللبنانيون قد أجمعوا تقريباً على أن الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة دول ٥+١ هو حدث تاريخي، إلا انهم يختلفون حول تقدير انعكاساته المحتملة على الوضع اللبناني، تبعا لزاوية الرؤية التي يطل منها كل طرف على هذا التطور الاستراتيجي.
وكان واضحا فـي هذا الاطار ان قوى «14 آذار» بدت متحفظة فـي تفاؤلها، على قاعدة ان النتائج الايجابية للاتفاق ليست مضمونة، وان ترجيح كفة التفاؤل او التشاؤم يتوقف على طبيعة السلوك الايراني فـي المدى المنظور، بل هناك فـي صفوف هذه القوى من ذهب الى حد الافتراض بان بعض ازمات المنطقة سيزداد تعقيدا، وان الوقود النووي سيزيدها اشتعالا.
ويفترض أصحاب هذا الرأي ان طهران ستصبح فـي موقع أكثر قوة وارتياحا بعد الاتفاق النووي الذي سيؤدي الى رفع الحصار المضروب عليها ورفع العقوبات الدولية المفروضة بحقها منذ سنوات، ما سيجعلها تتشدد فـي سياساتها الاقليمية، وهو سلوك سيسري على حلفائها أيضا. ويستند هؤلاء فـي مقاربتهم هذه الى استنتاج مفاده ان ايران التي رفضت تقديم تنازلات لجيرانها فـي المنطقة عندما كانت تتعرض للضغوط الدولية، لن تقدمها على الارجح وهي فـي حالة افضل بكثير.
ويخشى خصوم طهران فـي لبنان من ان يفتح الاتفاق النووي الباب على مساومات ومقايضات بين ايران والغرب، قد تعزز النفوذ الايراني فـي المنطقة على حساب مصالح بعض العرب، لاسيما دول الخليج.
فـي المقابل، يبدو فريق «٨ آذار» مرتاحا الى توقيع الاتفاق النووي، وهناك من يعتقد ان هذا الفريق، وفـي طليعته حزب الله، هو من بين الرابحين، لان فائض عائدات الانجاز الايراني يطال الحلفاء الذين كسبوا الرهان على ايران النووية، فـي حين ان بعض خصومهم كانوا لا يزالون حتى الامس القريب يأملون فـي توجيه ضربة عسكرية الى ايران، تضعف محور المقاومة والممانعة بمجمله، من طهران الى بيروت وما بينهما.
وعلى قاعدة هذه المقاربة، يميل البعض فـي «٨ آذار» الى الاعتقاد بان الأسهم الرئاسية للعماد ميشال عون سترتفع بعد التفاهم النووي، لان طهران وحلفاءها اللبنانيين باتوا فـي موقع افضل، ولان الانفتاح الغربي على ايران قد يساهم فـي رفع الفـيتو عن الجنرال.
وما بين حذر «١٤ آذار» وحماسة «٨ آذار»، يتوقع المحايدون ان يطلق التفاهم النووي دينامية انفراج فـي المنطقة، ستبلغ لبنان عاجلا أم آجلا، على قاعدة تسويات تراعي مصالح جميع الاطراف، لاسيما ايران والسعودية، لكن بعد مرور الوقت الذي يتطلبه هضم الاتفاق والتكيف معه من قبل بعض دول الإقليم.
ويشير المقتنعون بهذا الطرح الى ان الجمهورية الاسلامية باتت، بعد انعطافة فـيينا، قادرة على التعاطي مع جيرانها فـي الخليج بأقل قدر من التوتر والتوجس، وبالتالي فهي تستطيع من موقع القوة ان تبدي مرونة أكبر وان تعطي ما لم تكن تعطيه تحت الضغط والحصار، الامر الذي من شأنه ان يسهل احتواء او تنظيم الصراع على النفوذ بين الرياض وطهران.
ويرجح هؤلاء ان يتم استرضاء السعودية بجوائز ترضية فـي اليمن او فـي غيرها، معتبرين ان الرياض لا تستطيع ان تعاند الى ما لا نهاية، وانها ستكون مضطرة فـي نهاية المطاف الى التعامل بواقعية مع الاتفاق النووي ومفاعيله، بعد حصولها على الضمانات او التطمينات الضرورية، لمعالجة توجّساتها.
ويعتقد المحايدون ان منطق التسوية الذي استند اليه الاتفاق النووي سينسحب تلقائيا على ساحات أخرى، مشيرين الى أن أي «مقاصة» سعودية- ايرانية مستقبلا ستفضي الى رئيس لبناني توافقي، إلا إذا كان السعوديون سيعطون الايرانيين فـي لبنان ليأخذوا منهم فـي مكان آخر.
ومن مقره فـي عين التينة، قال الرئيس نبيه بري لـ«صدى الوطن» ان طهران برعت فـي حياكة السجادة النووية، مستندة الى دبلوماسية النَفَس الطويل.
واعتبر بري ان ايران حققت نصرا دبلوماسيا، لانها استطاعت حماية حقها فـي الطاقة النووية وانتزعت اعترافا بهذا الحق فـي مفاوضات شاقة، خاضتها لوحدها مع الدول الكبرى، لافتا الانتباه الى ان مجرد التعادل فـي مثل هذه المباراة التفاوضية هو بمثابة فوز لطهران.
وأكد بري ان أمورا كثيرة ستتغير بعد الاتفاق النووي، مشيرا الى انه يشكل حدا فاصلا بين مرحلتين على مستوى العلاقات الدولية، ومسار الملفات الساخنة فـي المنطقة، ومرجحا ان يمهد الطريق امام شراكة بين ايران والغرب فـي مواجهة الارهاب الذي بات يشكل خطرا مشتركا.
ولفت بري الانتباه الى ان الملف اللبناني مرشح للتأثر بشكل إيجابي بمفاعيل الاتفاق النووي، على الرغم من تعقيداته الظاهرة، إذ انه يبقى الاسهل قياسا الى القضايا الاخرى فـي المنطقة، ويكفـي ان نتفق على اسم رئيس الجمهورية حتى تسهل معالجة العقد التي نتجت عن الشغور الرئاسي.
وأوضح ان الموجة الاولى من الانعكاسات الايجابية للاتفاق النووي قد تطال الاستحقاق الرئاسي، آملا فـي تحسن العلاقات الايرانية-السعودية لان من شأن ذلك ان يعطي قوة دفع لانتخابات رئاسة الجمهورية المعلقة منذ أكثر من سنة.
وأشار بري الى ان ثمار التفاهم النووي لن تنضج بين ليلة وضحاها، بل الامر يحتاج الى بعض الوقت، والمهم ان نكون فـي لبنان جاهزين للحظة القطاف، حتى لا نفرّط مجددا بالفرصة التي تلوح أمامنا للخروج من دوامة الازمة السياسية التي نتخبط بها.
Leave a Reply