عماد مرمل – «صدى الوطن»
مع استمرار شلَل المؤسسات الدستورية، وانشغال عواصم الحل والربط عن لبنان، وتفاقم الازمات السياسية والمعيشية، وانتفاضة اللبنانيين فـي الشارع.. لم يجد الرئيس نبيه بري بدّاً من الدعوة الى إعادة إطلاق طاولة الحوار بين قادة الكتل النيابية الاساسية التي تعكس الاصطفافات الحادة، على الساحة اللبنانية.
ولئن كان هذا الحوار الذي ينطلق فـي التاسع من أيلول (سبتمبر) هو بمثابة حبل النجاة الرفـيع والوحيد، إلا ن تحديات صعبة تواجهه وتجعل فرص نجاحه تتساوى مع احتمالات الفشل.. إذا كنا متفائلين!
وما يزيد صعوبة المهمة، أن مفاعيل الاتفاق النووي لم تسر بعد فـي عروق أزمات المنطقة، وبالتالي فان الحوار السعودي-الايراني الذي يمكن ان يكون مدخلا الى التسويات الاقليمية لم يحصل بعد، ما يضاعف المسؤوليات الملقاة على المتحاورين اللبنانيين الذين سيكونون معنيين باجتراح حلول «داخلية المنشأ».
ويؤكد بري لـ«صدى الوطن» ان الحوار المرتقب بين قادة الكتل النيابية يكاد يكون الفرصة الأخيرة أمام اللبنانيين لاستعادة المبادرة وتحمل مسؤولياتهم فـي معالجة أزماتهم الداخلية، بدل أن يظلوا منتظرين للحلول الخارجية.
ويشدد بري على أنه يميل شخصياً الى تكثيف جلسات الحوار، بمعدل اثنتين يومياً، لمقاربة الملفات الخلافـية ومحاولة إيجاد حلول لها بأسرع وقت ممكن، لاسيما ان الوضع فـي لبنان لا يحتمل ترف الحوار بوتيرة عادية، لافتا الانتباه الى أن القرار النهائي فـي هذ المجال يعود الى المتحاورين، ومشيراً الى ان المنامة فـي مقر المجلس النيابي ستكون متوفرة، لمن يريد ذلك.
ولئن كان بري يعتبر أن غليان الشارع يستوجب من القيادات السياسية التعامل بأعلى قدر من المسؤولية والحكمة مع الازمات المتراكمة، إلا انه يحرص فـي التأكيد على ان فكرة الحوار لم تنضج لديه تحت ضغط الشارع، بل هي كانت موضع تشاور بينه وبين قيادات داخلية قبل أكثر من أسبوع على اندلاع شرارة الحراك الشعبي، كما انني: «أطلعت فـي الوقت ذاته عددا من السفراء على نيتي الدعوة الى الحوار، وقد لمست من جميع الذين تشاورت معهم تشجيعاً لي على اطلاق مبادرتي».
ويشير بري الى أن هذه المبادرة كانت ضرورية بعد انسداد الأفق السياسي الملبد بغيوم داكنة، تحمل معها العواصف، معتبراً انها يمكن أن تشكل صمام الامان الوحيد فـي مواجهة المخاطر، وعلينا كلبنانيين ان نستفـيد من هذه الفرصة للخروج من نفق التعطيل والشلل.
وإذا كانت طاولة الحوار عام 2006 قد ناقشت بنودا غلبت عليها التحديات الخارجية من نوع المحكمة الدولية، والسلاح الفلسطيني فـي المخيمات، والاستراتيجية الدفاعية فـي مواجهة اسرائيل، فان بري يوضح ان جدول أعمال الحوار الذي ينطلق الأسبوع المقبل يتعلق ببنود داخلية صافـية هي رئاسة الجمهورية، عمل الحكومة، عمل المجلس النيابي، ماهية قانون الانتخابات النيابية، ماهية قانون استعادة الجنسية، اللامركزية الادارية، ودعم الجيش والقوى الأمنية.
ويلفت رئيس المجلس الانتباه الى أنه حدد جدول الأعمال بدقة، مراعياً من خلاله أولويات وتطلعات كل الاطراف الداخلية، وبالتالي «لن أسمح بمناقشة اي امور أخرى، بل أقول انه لو طلب أحد المشاركين فـي طاولة الحوار الكلام للإشادة بالمقاومة سأمنعه برغم انني من داعمي ومؤسسي هذه المقاومة، وإذا طلب آخر أن يفتح ملف اتفاق الطائف سأمنعه ايضاً»..
ويشير بري الى ان بند الاستحقاق الرئاسي هو التحدي الاصعب الذي سيواجه المتحاورين، آملا فـي ان يجدوا طريقة للتوافق على انتخاب رئيس ينهي الشغور فـي قصر بعبدا، وحينها سأدعو المجلس النيابي الى عقد جلسة الانتخاب بعد 24ساعة، إما إذا تعذر ذلك فربما يكون التفاهم على قانون الانتخابات النيابية هو مفتاح للعديد من الابواب المقفلة، علما ان هناك اختبارين امام هذا القانون، هما حسم مبدأ النسبية وتحديد عدد الدوائر الانتخابية.
ويؤكد رئيس المجلس ان من حق العماد ميشال عون ان يطرح على طاولة الحوار اقتراحه بانتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب، وإذا وافقوا على هذا الاقتراح سأكون من المسرورين.
ويكشف عن انه سيقدم خلال الحوار تصورا لكيفـية تطبيق مشروع اللامركزية الادارية، مشيرا الى ان بند دعم الجيش والقوى الامنية سيكون الأسهل على طاولة النقاش.
ويشدد بري على ان مطالب الحراك المدني محقة ومشروعة، لكنه يحذر من بصمات المتسللين اليه والذين قد يحرفونه عن مساره الصحيح. كما ينبه الى ضرورة التدقيق فـي اختيار الشعارات والمطالب، ومن ثم اعتماد الآلية السليمة والسلمية لتطبيقها، من باب حماية الحراك وتحصينه، ملاحظا على سبيل المثال ان اقتحام المحتجين مبنى وزارة البيئة كان هفوة، خصوصا ان الوزير محمد المشنوق هو من بين أنظف الوزراء ولا تحوم حوله شبهة فساد، بمعزل عما إذا كنت تتفق او تختلف معه حول كيفـية إدارة ملف النفايات.
ويلفت رئيس المجلس الانتباه الى ان الامام المغيب موسى الصدر اسس حركة المحرومين- أمل لاسباب اقل من تلك التي تحرك الشارع حاليا، وقد سبق لي ان قلت ان ازمة واحدة من تلك التي يعاني منها اللبنانيون فـي الوقت الحاضر كافـية لإحداث ثورة.
ويرى ان الطائفـية هي العقبة الاساسية امام نجاح أي ثورة او تحقيق اي اصلاح، متوقفا فـي هذا المجال عند تجربته الشخصية المرّة، إذ سبق لي ان حاولت مرات عدة تشكيل الهيئة الوطنية المولجة بدراسة سبل إلغاء الطائفـية السياسية، تبعا لما ينص عليه الدستور، لكنني أعترف ان الطائفـية والنظام المستند اليها كانا أقوى مني.
Leave a Reply