مع إعلان نتائج الانتخابات النيابية في لبنان، وردود الفعل السياسية والحزبية والشعبية عليها، بدأ الحديث من بعض المرشحين عن وقوع تزوير من خلال التلاعب في الصناديق أو استبدالها، أو عدم إحصاء أصوات لمرشحين اقترعوا لأنفسهم، وفق شكاوى لبعضهم مثل القاضي السابق خالد حمود الذي صوّت في الطريق الجديدة في دائرة بيروت الثانية، ولم يحسب صوته مع أفراد من عائلته، وهو ما ينطبق على مرشحين آخرين، تحدثوا عن أصوات فقدت لهم، على أن تكون الشكوى في هذا المجال أمام المجلس الدستوري الذي يبت بالطعون المخالفة لقانون الانتخاب، والتي تتعلق برشاوى مالية، أو إنفاق مالي فوق السقف المحدد قانونياً، أو عبر الظهور الإعلامي إلخ… وقد أعطي المعترضون مهلة شهر للطعن الموثق.
أحجام الكتل النيابية
الانتخابات أفرزت نتائج حددت أحجام الكتل النيابية، وخرجت الأحزاب والتيارات السياسية، تحتفل بالنصر الذي حققته، حيث لم يحصل تبديل في الكتل الحالية في مجلس النواب إلا بزيادة عدد المقاعد لبعضها أو تناقصها، فأعلن رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل عن أن مرشحي التيار فازوا بـ19 مقعداً في غالبية الدوائر من الشمال إلى الجنوب، إضافة إلى عشرة نواب حلفاء، ليصبح عدد التكتل 29 نائباً تحت اسم «لبنان القوي» وليس «تكتل الإصلاح والتغيير»، مكوناً الكتلة الأكبر عددياً، تليها «كتلة المستقبل» بـ20 نائباً، ثم كتلة حركة «أمل» بـ17 نائباً، و«القوات اللبنانية» بـ 15 نائباً، و«حزب الله» 13 نائباً، و«اللقاء الديمقراطي» برئاسة تيمور جنبلاط (9 نواب) و«جمعية العزم» برئاسة نجيب ميقاتي (4 نواب) وحزب الطاشناق (3 نواب)، و«تيار المردة» (3 نواب) وحزب الكتائب (3 نواب) والحزب السوري القومي الاجتماعي (3 نواب) ولائحة «الكرامة» برئاسة فيصل كرامي (نائبان) و«جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية» (نائب واحد) و«حزب الاتحاد» برئاسة عبد الرحيم مراد (نائب واحد) والتنظيم الشعبي الناصري برئاسة أسامة سعد (نائب واحد)، وفؤاد مخزومي (مستقل)، فريد هيكل الخازن (مستقل) ومصطفى الحسيني (مستقل)، بولا يعقوبيان (مستقلة)، إدي دميرجيان (مستقل)، طلال إرسلان (مستقل).
المراجعة النقدية
هذه الكتل، بدأت مراجعة نقدية، أين أصابت وأين تراجعت، حيث يعتبر «التيار الوطني الحر» أنه سجل تقدماً، وينافس «القوات اللبنانية» على مَن نال أصواتاً أكثر وأن الحصيلة كانت بأن «التيار الحر» مازال الأول في التمثيل المسيحي بعدد المقاعد والأصوات الشعبية، في وقت تؤكد «القوات اللبنانية» أنها ألغت ما يسمى «تسونامي» التيار العوني الذي ظهر في انتخابات عام 2005، وحصد 70 بالمئة من أصوات المسيحيين، لتصبح «القوات» ثاني أكثر قوة مسيحية من دون منافس، مما يضعها في معادلة مختلفة عن المرحلة السابقة، إذ هي بدأت في العام 2005 بكتلة من أربعة نواب ليتضاعف عددها إلى 8 نواب في انتخابات 2009، ويرتفع إلى 15 مقعداً في الدورة الحالية، بعد أن انسحب النائب هنري شديد منها ليلتحق بـ«المستقبل».
«التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» إذن، هما خارج المراجعة النقدية، وكذلك «الثنائي الشيعي»، إلا حول الفارق الذي حصل في الصوت التفضيلي بين مرشحي «أمل» و«حزب الله»، إذ نال أمين شري (حزب الله) 22 ألف صوت تفضيلي ومحمد خواجة (أمل) حوالي 7 آلاف صوت في بيروت الثانية، وهذا ما ينطبق على دوائر في بعبدا والجنوب الثانية والثالثة وبعلبك–الهرمل، إذ نال رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد حوالي 43 ألف صوت تفضيلي والرئيس نبيه برّي 42 ألفاً.
إلا أن «تيار المستقبل» سارع إلى اتخاذ القرارات الفورية بعد الانتخابات، وأقال رئيسُه سعد الحريري منسّقي المناطق التي حصل فيها تراجع بعدد أصوات الناخبين وفوز منافسين في لوائح أخرى، إضافة إلى تنحية مسؤولين في الماكينة الانتخابية، واستقالة مدير مكتب الحريري، ابن عمته نادر الحريري، الذي كان من طباخي التحالفات والترشيحات واللوائح.
كذلك، تأثرت بنتائج الانتخابات أحزاب تعمل على تقويم ما جرى ومنها حزب «الكتائب» الذي خسر مقعدين، والحزب القومي الذي خسر مقعداً في معقله بالمتن الشمالي، وكذلك الحزب التقدمي الاشتراكي الذي تراجعت كتلته إلى تسعة مقاعد، بعد أن وصلت في دورات سابقة إلى 15 نائباً، ولم يحسّن النائب طلال إرسلان حجمه وبقي محافظاً على مقعده دون منافس له على اللائحة المقابلة، لكنه سيترأس كتلة تضمه إلى ثلاثة نواب من «التيار الوطني الحر»، ليحفظ له منصباً وزارياً ومقعداً على طاولة الحوار كما في الدورة السابقة.
انتخاب رئيس مجلس النواب
وبعد تمركز النواب في كتل، فإن أول ما يقوم به مجلس النواب، هو انتخاب رئيسه ونائب الرئيس وهيئة المكتب، إذ أن إعادة انتخاب الرئيس نبيه برّي مضمونة له بحوالي 95 نائباً، ولن يكون له منافس، كما في دورات سابقة، إذ يوجد شبه إجماع على ترؤس برّي لمجلس النواب الذي بات له خبرة في إدارته، كما في تدوير الزوايا، وإطلاق مبادرات حوارية، كما في طاولة «الحوار الوطني» في عام 2006، ثم في الحوار الثنائي بين «تيار المستقبل» و«حزب الله» الذي خفف الاحتقان الداخلي، وعزز ربط النزاع الداخلي بينهما.
ويحتل الرئيس برّي مكانة داخلية رفيعة في النظام السياسي، وهو يتكئ على تحالف مع «حزب الله» الذي أعلن أمينه العام السيد حسن نصرالله دعمه له دون منافس، وكما أنه نال تأييد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي يعتبر برّي حليفاً له ودعمه في الانتخابات النيابية، إضافة إلى إعلان الرئيس الحريري أن الرئيس برّي مرشحه، وهذا ما يؤمن له الفوز مع تأييد كتل أخرى له كالقومي والمردة والطاشناق ونواب مستقلون.
أما «التيار الوطني الحر» الذي يشتبك رئيسه باسيل مع الرئيس برّي، فإن الإتجاه هو نحو الإقتراع بورقة بيضاء كما فعل رئيس حركة «أمل» في انتخابات رئاسة الجمهورية، حيث لم يعطِ أصوات كتلته إلى العماد ميشال عون، وهو ما حصل أيضاً في انتخابات عام 2009، بسبب خلافات بين الطرفين ومنها الانتخابات في جزين إلى مسائل أخرى بينهما تتعلق بإدارة مؤسسات الدولة، كما يقول باسيل، الذي مازال يشن الحملات على رئيس مجلس النواب، ويلمح بأنه يعطل أعمال الدولة ومؤسساتها، ويتعاطى معها بالمحاصصة إلا أن زيارة الرئيس بري للرئيس عون والإعلان عن ايجابية اللقاء قد تبدل في موقف التيار.
ولم تعلن «القوات اللبنانية» موقفاً صريحاً من انتخاب برّي لرئاسة مجلس النواب، فهي تحاول أن تفصل بين الشخصي والسياسي كما يؤكد رئيسها سمير جعجع الذي قد يلجأ تكتله النيابي إلى الورقة البيضاء أو الامتناع عن التصويت ربطاً بالموقف السياسي للرئيس برّي الحليف لـ«حزب الله» الذي تقف «القوات اللبنانية» ضده وتريده أن يسلم سلاحه المقاوم للعدو الإسرائيلي.
برّي رئيساً للدورة السابعة
وبعد ربع قرن على توليه هذا المنصب، تشير الخريطة السياسية بوضوح إلى انتخاب برّي رئيساً لمجلس النواب لدورة سابعة، وهو أمر طبيعي كونه يحظى مع حليفه «حزب الله» بالغالبية الشيعية المطلقة، ليكون رئيساً للسلطة التشريعية وفق التوزيع الطائفي للسلطات، إذ أن العماد ميشال عون وصل إلى سدة الرئاسة لأنه الأقوى مسيحياً ولديه، أكبر تكتل نيابي، وهذا ما يجب أن يطبقه «التيار الوطني الحر» على الرئيس برّي، كما يحسبه على الرئيس الحريري لرئاسة الحكومة، إلا أن الخلافات السياسية هي التي تمنع إقران القول بالفعل، ويذهب كل طرف سياسي أو تكتل نيابي، إلى ممارسة حقه الديمقراطي.
هيئة مكتب مجلس النواب
ولا يقف الأمر عند انتخاب رئيس لمجلس النواب المحسوم للرئيس برّي، فإن ثمة صراع على منصب نائب رئيس المجلس المحسوب للطائفة الأورثوذكسية، وهذه المرة يدور التنافس بين كتلتي «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، إذ لدى التيار اسما مرشحين هما نائب الرئيس السابق إيلي الفرزلي الذي يريده برّي لخبرته والنائب الياس بو صعب، كما أن «القوات اللبنانية» تطرح اسمي النائبين وهبة قاطيشا وعماد واكيم، دون إغفال «تيار المردة» لإسم النائب فايز غصن.
فمعركة انتخاب نائب رئيس مجلس النواب، تقع في منزلة انتخاب الرئيس، وهي تتوقف على التوافق المسيحي أو تمثيل الكتلة المسيحية الأكبر عدداً.
Leave a Reply