هكذا سُحب فتيل أزمة الفيديو المسرّب: وقائع من الأيام الصعبة
تفادى لبنان في اللحظات الحاسمة، الانزلاق إلى ما بعد حافة الهاوية، وأنقذ سلمه الأهلي الذي ترنح طيلة الأيام الماضية فوق تلك الحافة الرفيعة.
اتصال هاتفي من الرئيس ميشال عون بالرئيس نبيه بري كان كافياً لسحب الفتيل بما استشعر اللبنانيون الخطر الداهم مع تجول أشباح الفتنة في الشوارع المحتقنة التي كاد يشعلها ثقاب فيديو مسرب للوزير جبران باسيل، يتضمن كلاماً قاسياً بحق الرئيس نبيه بري، في حادثة بدت أقرب إلى المحاكاة لحادثة بوسطة عين الرمانة التي أطلقت شرارة الحرب الأهلية عام 1975.
وعلمت «صدى الوطن» أن جهودا بذلها «حزب الله» والرئيس سعد الحريري والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، ساهمت في تبريد الصفيح الساخن واحتواء الأزمة التي كادت تحرق الأخضر واليابس.
لكن العامل الذي أفضى إلى نجاح جهود المعالجة في هذا التوقيت تحديداً، إنما يكمن في التهديد الصريح الذي أطلقه وزير الحرب الإسرائيلي ضد لبنان في محاولة لاستغلال الانقسام الداخلي المستجد، معتبراً أن البلوك الغازي رقم 9 الواقع في أقصى الجنوب اللبناني، يتبع لدولة الاحتلال ولا يحق للدولة اللبنانية استخراج الغاز منه، ما استدعى ردوداً فورية من رؤساء الجمهورية والمجلس والحكومة و«حزب الله»، فيما يستعد مجلس الدفاع الأعلى للاجتماع الثلاثاء المقبل، من أجل البحث في سبل مواجهة التهديد الإسرائيلي وحماية الثروة الوطنية.
بهذا المعنى، فرض الدخول الإسرائيلي على الخط ترتيباً جديداً للاولويات المحلية، بحيث ظهر الخلاف بين «حركة أمل» و«التيار الوطني الحر» ثانوياً بالمقارنة مع الخطر الخارجي الذي يحدق بحقوق لبنان النفطية وسيادته على مياهه الإقليمية، ما يتطلب مواجهة وطنية شاملة، تعتمد بالدرجة الأولى على تمتين الصف الداخلي.
كما أن الخوف من خروج انفعالات الشارع عن سيطرة قيادتي «أمل» و«التيار الوطني الحر»، وما يمكن أن يتركه ذلك من انعكاسات على السلم الأهلي والتفاهم الاستراتيجي بين التيار البرتقالي و«حزب الله»، دفع الأطراف المعنية إلى تدارك الموقف ولجم خيول التصعيد، فيما اتفق الرئيسان عون وبري على اللقاء مطلع الأسبوع المقبل ووقف الحملات الإعلامية التي تبادلتها محطتا «أو تي في» البرتقالية و«أن بي أن» الحركية.
وقائع من الأيام الصعبة
قبل سريان مفاعيل التهدئة، بدا مقر الرئاسة الثانية في منطقة عين التينة في بيروت كخلية نحل. منذ أن تسرب فيديو باسيل متضمناً كلاماً قاسياً ضد بري، راحت الشخصيات المتضامنة معه تتدفق إلى مقر رئيس السلطة التشريعية، حيث غصت القاعة الفسيحة في الطابق الثاني بعدد كبير من السياسيين والحزبيين والمناصرين والناشطين الذين أبدوا استنكارهم لما قيل بحق رئيس المجلس.
والى جانب زحمة الزوار، كان هاتف عين التينة لا يتوقف عن الرنين مع تلاحق اتصالات المستنكرين، من قيادات سياسية ودينية واجتماعية واقتصادية، أكدت رفضها لمضمون الفيديو المسرب.
وبين الفينة والأخرى، كان بري يتابع آخر التطورات السياسية والميدانية مع معاونه السياسي الوزير علي حسن خليل والمسؤول الأمني في حركة «أمل» القيادي أحمد البعلبكي، لاسيما أن الأرض كانت تغلي على وقع التحركات الاحتجاجية لمناصري «أمل» في الكثير من المناطق، والتي امتدت إلى محيط المركز الرئيسي لـ«التيار الوطني الحر» في ميرنا الشالوحي وإلى منطقة الحدث في شرق بيروت، حيث سُجل توتر شديد كاد يتطور نحو الأسوأ، لولا تدخل الجيش اللبناني الذي سارع إلى ضبط الوضع ومنع تفاقمه.
وقد طلب بري من البعلبكي التشدد في منع حصول تجاوزات واحتكاكات على الأرض، مؤكداً رفضه لأي أعمال شغب أو عنف في الشارع، وداعياً الجيش والقوى الأمنية إلى تحمل المسؤولية كاملة في حماية الاستقرار الذي لا يجوز العبث به.
وسُمع بري يقول للمقربين منه: لا أريد حدوث أي صدام أو إطلاق نار.. هذا خط أحمر ممنوع تجاوزه.
وعُلم أن بعلبكي اتصل بقائد الجيش العماد جوزف عون وأبلغه بأن «الحركة» ترفع الغطاء عن كل مخل بالأمن، وليست مسؤولة عن أي تجاوز يحصل.
بري: حريص على الاستقرار
وكان بري قد أكد لـ«صدى الوطن»، قبل اتصال عون به، أنه لا يطلب شيئاً لنفسه في ما خص الأزمة المستجدة، لافتاً الانتباه إلى أن «المطلوب هو الاعتذار من اللبنانيين جميعاً وليس مني شخصياً»، لأن ما حصل انطوى على إساءة وطنية تتجاوز حدود فرد أو مسؤول، مستغرباً أن يعمد البعض إلى «المساواة بين الفعل ورد الفعل، وبين الأسباب والنتائج».
واعتبر بري أن هناك من يريد نسف قواعد الشراكة والتوازن في اتفاق الطائف الذي دفعنا ثمناً غالياً للوصول إليه، ملاحظاً أن هناك محاولة لاستبدال هذا الاتفاق–الدستور بأعراف وسلوكيات قديمة–جديدة، تعود إلى حقبة ما قبل «الطائف».
وحذر بري من أن المؤشرات المتراكمة توحي بأن البعض لا يزال يقيم خلف أسوار الماضي، مشدداً على أن الرئيس القوي هو القادر على لمّ شمل اللبنانيين حوله.
ولفت رئيس المجلس الانتباه إلى أن المشكلة تكمن أحياناً في ما يُعرف بـ«البلاط» الذي يحيط ببعض كبار المسؤولين، غامزاً من قناة عدد من المحيطين بالرئيس عون.
وأكد بري حرصه على حماية الاستقرار الداخلي والسلم الأهلي، موضحاً أنه لا توجد نية باستقالة وزراء «أمل» من الحكومة، ومشدداً على أن الانتخابات النيابية ستحصل في موعدها ولن تتأثر بأي نوع من الأزمات الداخلية، وإذا كان هناك من يسعى إلى تطييرها فنحن نجزم بأنها «ستتم وفق الروزنامة المحددة»، و«لا مجال لتأجيلها مجدداً».
ورداً على ما يعتبر أنها محاولات لضرب أسس «الطائف» وفرض أمر واقع على رئيس المجلس النيابي، قال بري: يبدو أن أصحاب هذا النوع من الحسابات لا يعرفونني بعد، كما يجب. أنصحهم بأن يدرسوني جيداً قبل أن يندفعوا نحو خيارات غير محسوبة بالقدر الكافي.
Leave a Reply