عماد مرمل – «صدى الوطن»
يسيطر شبح اللاجئين السوريين على أوروبا، مع تصاعد وتيرة الهجرة إليها هرباً من جحيم الحرب السورية التي شكلت بعض الدول الأوروبية، رافداً لها على اكثر من مستوى، لينقلب بذلك السحر على الساحر.
أطفال سوريون في أحد مخيمات النازحين في لبنان |
وقد حضر ملف اللاجئين بقوة خلال الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الى بروكسل، عاصمة الدبلوماسية الأوروبية، حيث التقى رئيس البرلمان الاوروربي مارتن شولتز ورئيس البرلمان البلجيكي سيغريد براك اللذين ناقشا معه، بشكل أساسي، ملف النازحين.
ويستمر هاجس القلق من الارهاب حاضرا فـي شوارع بروكسل، حيث ينتشر جنود مقنعون ومدججون بالسلاح أمام المؤسسات والمقرات العامة لحمايتها من اي هجمات محتملة، فـيما يروي عارفون أن المتشددين والمتطرفـين باتوا يشكلون خطراً حقيقياً على الأمن البلجيكي، بفعل تكاثرهم وتمددهم ضمن النسيج السكاني، خلال السنوات الماضية، بل هناك من يذهب الى حد القول إن أحد أحياء بروكسل اصبح بمثابة معقل لهؤلاء، حتى غدا الكثيرون من البلجيكيين يفضلون تجنب المرور فـي هذا الحي!
ولعل أخطر ما استنتجه بري، خلال وجوده فـي العاصمة البلجيكية، هو ميل الأوروبيين نحو الدفع فـي اتجاه توطين اللاجئين السوريين، فـي لبنان، بحجة ضرورة دمجهم فـي المجتمعات التي تستضيفهم لأسباب إنسانية، الأمر الذي ينطوي على محاولة لدس السم السياسي فـي دسم حقوق الإنسان.
وفـي المقابل، كان بري واضحاً فـي رفض اي منحى لتوطين اللاجئين بقوة الامر الواقع، وهو قال لمسؤولي البرلمانين، الأوروبي والبلجيكي، انه إذا كان القصد هو التوطين فالجواب لا، مقترحاً أن يتم تقديم مساعدات واقعية الى النازحين المتواجدين فـي لبنان، وبالتالي الى الدولة التي تحتضنهم، من نوع تأمين قروض تفضيلية لمشاريع استثمارية يستفـيد منها النازحون السوريون، ودعم فوائد سندات الخزينة ما يساعد المالية اللبنانية على التحمل لاسيما ان خسائر لبنان نتيجة تواجد اللاجئين السوريين هي 17 مليار دولار منذ خمس سنوات حتى اليوم.
وأبلغ بري مضيفـيه ان فـي لبنان حالياً حوالى مليون ونصف مليون نازح سوري اضافة الى 400 ألف فلسطيني طرأ عليهم 100 ألف فأصبح عددهم نصف مليون، وبالتالي هناك حوالى مليوني نازح سوري وفلسطيني، اي نصف عدد سكان لبنان، لافتاً الانتباه الى ان هذه سابقة غير مألوفة فـي التاريخ.
ونبّه الى أن قرارات مؤتمر لندن الذي جمع الدول المانحة لا يمكنها أن تغطي إلا ثلث ما يحتاجه لبنان.
وخلال لقائه مع عدد من رؤساء اللجان الخارجية فـي البرلمان الأوروبي، توجه بري اليهم بالقول: أريد أن أسأل كل واحد منكم ما هي المساعدات التي قدمها الاتحاد الأوروبي أو غيره الى لبنان حتى اليوم؟ ما هي المبالغ المخصصة له؟ هل تعلمون كم عدد الذين ولدوا من النازحين فـي لبنان؟ هناك حوالى ربع مليون مولود جديد، فهل سأل أحد منكم عن تكاليف المستشفـيات؟
ومنعا للاستغراق فـي نتائج الأزمة على حساب الاسباب، كان بري حريصا خلال اجتماعاته فـي بروكسل على التأكيد بأن الأولوية يجب أن تعطى للحل السياسي فـي سوريا، لأن من شأنه أن يعالج قضية اللاجئين جذرياً، من خلال تأمين إعادتهم الى وطنهم.
وأمام الوقائع الواضحة ودلالاتها البليغة، ضاقت السبل أمام رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز الذي اعترف بأنه عندما أجرى دراسة لنسبة اللاجئين فـي لبنان مقارنة بإجمالي عدد سكانه، «شعرت بصفتي أوروبياِ بكثير من الخجل، لأننا فـي أوروبا نتجادل فـي ما يتعلق بامكان استقبالنا مليون لاجىء، سينضمون الى 500 مليون أوروبي وسيتوزعون على 28 دولة أوروبية».
وشارك شولتز فـي مؤتمر لندن للدولة المانحة الذي أقيم فـي لندن فـي الرابع من شباط الماضي، حيث أشاد بخطط لبنان والأردن للمحافظة على أسباب العيش للاجئين السوريين وكرامتهم.
وشولتز للمناسبة هو من عائلة ألمانية متواضعة وسبق له ان عمل فـي بيع الكتب وامتلك مكتبة خاصة. انتخب لرئاسة البرلمان الأوروبي عام 2012 وأعيد انتخابه عام 2016، ليكون بذلك أول رئيس لهذ البرلمان يعاد انتخابه.
وإزاء تحدي الهجرة الذي يواجه أوروبا، يدعو شولتز الى تنظيم اللجوء غير الشرعي مؤيداً فكرة استقبال ومساعدة اللاجئين الذين يناسبون احتياجات سوق العمل الأوروبية.
وقد تصاعدت أزمة الهجرة واللجوء الى أوروربا ابتداء من نيسان 2015، وتبعا لذلك قدمت المفوضية الأوروبية اقتراحاً بتوزيع أعداد محددة من اللاجئين على دول الاتحاد وفق جدول إلزامي، مع الاشارة الى أن النسبة المقترحة تُعتبر رمزية بالمقارنة مع تلك التي يستقبلها لبنان.
وكان لافتاً للانتباه فـي هذا السياق، أن رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود جونكر أقرّ فـي خطابه امام البرلمان الأوروبي فـي 9/9/2015 بأن اللاجئين الى الاتحاد الأوروبي يشكلون ما نسبته ٠.١١ بالمئة من المقيمين فـي الاتحاد.
ومع ذلك، فقد تحولت قضية اللاجئين الى مادة للاستغلال السياسي من قبل اليمين المتطرف فـي أوروبا، والذي يضخ خطاب الكراهية ضد الوافدين الى الدول الأوروبية.
ويمكن القول إن المنطق الذي يحرك الاتحاد الأوروبي هو تحسين أوضاع اللاجئين فـي أماكن وجودهم وإفساح المجال أمام انخراطهم فـي سوق العمل حيث يقيمون، لئلا ينتقلون الى أوروبا، ما يفسر قرار الاتحاد بزيادة المساعدات المخصصة للدول التي تستضيف النازحين.
ويدعم الاتحاد الأوروبي سياسة لبنان النأي بالنفس عن الأزمة السورية ويدفع فـي اتجاه تمتين ما يسميه «الاستجابة الوطنية» حول ملف اللاجئين بالتعاون مع الشركاء الدوليين ومنظمات الأمم المتحدة.
Leave a Reply