الى العزيزة السيدة مريم زيدان أم الشاب المغدور حسن مصطفى زيدان الذي فقدته بحادث مأساوي قبل أسبوعين.
كأم أتحدث إليك.. فقد كان ابنك المفقود صديقا لابني وهما من نفس العمر. ومن ابني علمت بالحادث المؤسف، وربما كنت أنا أو أي أم أخرى في الجالية لو القدر أخطأ ولدك واصاب أحدا آخر من أولادنا. أنت في بالي. أتخيلك بعد أن ذهب الجميع الى بيوتهم، ودارت عجلة الحياة القاسية لتطحن الجميع في الركض واللهاث من أجل المعيشة.
أتخيلك عندما دخلت غرفته وتمنيت لو رفعت غطاء السرير ووجدته نائما فيه. أو ربما في الحمام أو في الخارج وسوف يرجع. لا أشك أنك رميت نفسك على السرير فغرق بدموعك، ثم حملت أغراضه وحاجاته لتشمي رائحته التي لا يخطؤها أنفك، ثم حملت أحذيته وناديته.. لعله يجيء. لكنه للأسف لم يأت. فقط صورته على الحائط اتسعت ابتسامتها لتزيد الحرقة في صدرك ولتذكري كل ضمة وقبلة وكل ضحكة وكل كلمة حلوة كان يقولها لك. انمحت من ذاكرتك كل مشاغباته اللطيفة معك وعناده وكل العذاب الذي تقاسيه كل أم لترى ولدها شابا ملئ الحياة، ثم بغمضة عين تفقده.
لا شك ما حدث فاجع وصعب تصديقه، لكن الحقيقة المؤلمة والموجعة أنه حدث. لا ألومك ولا يلومك أحد على حزنك حتى البكاء بحرقة، وقد حزن رسول الله على موت ابنه ابراهيم وقال: يحزن القلب وتدمع العين ولا نقول إلا إنا لله وإنا إليه راجعون.
مثل هذا الحزن المستسلم لقضاء الله وقدره هو المثل الأعلى في الحزن، فالموت، يا سيدتي، مهما كان سببه في ظاهره اختفاء من الدنيا، أما في حقيقته فهو رجوع الروح الى بارئها وباعثها وربها. واذا كان فراق الاحبة في الدنيا غربة، واذا كانت الغربة التي نعيشها سحابا يسقي الأحزان فتنمو واذا كان ما جرى مصيبة، فإن هناك نعمة أخرى لا نراها في الموت.
وهذه النعمة هي عودة الانسان الى الله، ونحن نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى هو أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين. ألا تكون العودة اليه نعمة؟
يا عزيزتي إن الله كريم، والكريم اذا أعطى شيئا لم يسترده، واذا استرده أعطى ما هو أكثر وأسمى منه. والكرم من صفات الله عز وجل وهو أولى به، وهو سبحانه يعطي نعمة الحياة واذا استردها أعطى بدلا منها، وهي نعمة الخلود في الآخرة في ملكوت الله.
أتمنى أن يعوضك الله في صبرك على فقد ابنك الشاب، صبرا تؤجرين عليه في الدنيا والآخرة، كما بشر الصابرين سبحانه وتعالى بأن لهم جنة وحريرا. وأحيانا فان الفواجع والمصائب توقظنا من سبات هذا العالم اللاهث، لنقف وندرك أن الحياة مثلما تعطي أحيانا تأخذ بقسوة ولا سبيل لنا إلا الصبر الجميل.
فاصبري يا سيدتي وسامحي لعل الله يسمع دعاءك وصلاتك فينحسر البغض والعنف من صدور الكثيرين.
Leave a Reply