بغداد – وكالات، «صدى الوطن»
دخلت الأزمة السياسية المفتوحة في العراق شهرها الثالث في ظل تصاعد وتيرة العنف والعنف المضادّ لاسيما في المحافظات الجنوبية، في مشهد متفاقم ينذر بما هو أسوأ، في ظلّ سعي الولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين إلى تصعيد الضغوط على إيران من خلال الساحة العراقية.
أولى ثمار الحراك العراقي، بحسب زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، جاءت بعد يوم دام في محافظتي النجف وذي قار، بإعلان رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي عزمه على الاستقالة وسط تقارير عن ارتفاع حصيلة القتلى منذ اندلاع الاحتجاجات مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الماضي إلى حوالي ٤٠٠ شخص.
ففي خضمّ الاضرابات، بدا أداء القوى السياسية الحاكمة ضعيفاً ومرتبكاً، فيما عملت بعض القوى على استثمار مطالب الشارع الغاضب والمجهول القيادة، وهو ما يثير شكوكاً متزايدة حول سهولة اختراق صفوف المتظاهرين، وتحويلهم إلى مجرد أداة لتحقيق أهداف سياسية كبرى، لا تصب في خدمة تحرّكاتهم المطلبية.
استقالة عبد المهدي
مع استمرار سقوط الضحايا وتصاعد الضغوط على القوى الأمنية، محلياً ودولياً، وعجز الحكومة والبرلمان والقوى السياسية عن استعادة ثقة الشارع وإثبات الجدّية في تنفيذ الحزم الإصلاحية، جاءت استقالة عبد المهدي –بطلب من المرجع الديني السيد علي السيستاني– لتضع البلاد عند مفترق جديد.
رئيس الوزراء العراقي، أعلن أنه سيرفع كتاباً رسمياً لمجلس النواب بطلب الاستقالة من منصبه.
وأضاف عبد المهدي في بيان له، أن قراره «هو من أجل السماح للبرلمان بإعادة النظر في خياراته وتسريع إنجاز ذلك»، مشيراً إلى أنه «استمع بحرص كبير الى خطبة المرجعية الدينية العليا».
وأوضح أنه «بالنظر للظروف العصيبة التي يمر بها البلد، وما بدا من عجز واضح في تعامل الجهات المعنية مع مستجدات الشهرين الأخيرين بما يحفظ الحقوق ويحقن الدماء فإن مجلس النواب الذي انبثقت منه الحكومة الراهنة مدعو إلى أن يعيد النظر في خياراته بهذا الشأن ويتصرف بما تمليه مصلحة العراق والمحافظة على دماء أبنائه».
وفي ظلّ ضبابية المشهد، وارتفاع منسوب العنف والعنف المضادّ والاعتداءات على الأملاك العامة والخاصة، لاسيما بعد جولة عنف دامية في محافظتي النجف وذي قار، كان السيستاني قد رفع الغطاء عن الحكومة بموقف سياسي لافت بدعوة البرلمان العراقي إلى «إعادة النظر في خياراته»، في خطوة اعتبرها البعض تمهيداً لسحب الثقة منها.
وأكد السيستاني في خطبة الجمعة التي ألقاها ممثله أحمد الصافي على «حرمة الاعتداء على المتظاهرين السلميين ومنعهم من ممارسة حقهم في المطالبة بالإصلاح».
وقال في الخطبة إنه «بالنظر إلى الظروف العصيبة التي يمر بها البلد، وما بدا من عجز واضح في تعامل الجهات المعنية مع مستجدات الشهرين الأخيرين بما يحفظ الحقوق ويحقن الدماء فإن مجلس النواب الذي انبثقت منه الحكومة الراهنة مدعو الى أن يعيد النظر في خياراته بهذا الشأن ويتصرف بما تمليه مصلحة العراق».
وأضاف أن البرلمان «مدعو إلى الإسراع في إقرار حزمة التشريعات الانتخابية بما يكون مرضيا للشعب تمهيدا لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تعبر نتائجها بصدق عن إرادة الشعب العراقي».
وحذر السيستاني من أن «التسويف والمماطلة في سلوك هذا المسار الذي هو المدخل المناسب لتجاوز الأزمة الراهنة بطريقة سلمية وحضارية تحت سقف الدستور سيكلف البلاد ثمناً باهظاً وسيندم عليه الجميع».
وفي السياق دعا السيستاني، المتظاهرين العراقيين السلميين إلى تمييز صفوفهم وطرد المخربين، مؤكداً حرمة الاعتداء على المتظاهرين السلميين.
وقال الصافي خلال خطبة الجمعة بمدينة كربلاء إن «الأعداء يخططون لتحقيق أهدافهم في نشر الفوضى والانجرار إلى الاقتتال الداخلي وإعادة الديكتاتورية، وهناك عجز واضح في تعامل الجهات المعنية مع مستجدات الشهرين الأخيرين بما يحفظ الحقوق ويحقن الدماء».
كما دعا البرلمان إلى «إعادة خياراته بالحكومة التي انبثق منها، والإسراع في إقرار حزمة التشريعات الانتخابية لإجراء انتخابات حرة ونزيهة».
من جهته، دعا حزب «الدعوة» الإسلامية، مجلس النواب للانعقاد الفوري واتخاذ الخطوات الدستورية لإيجاد البديل الحكومي الذي يلبي الطموح الوطني انطلاقاً من بيان المرجعية الديني، وإلى تقديم مرشح بديل لمنصب رئيس الوزراء العراقي يمتاز بالقوة والمهنية والنزاهة، ويحظى برضى الجميع وتأييد الطيف السياسي والاجتماعي الواسع بغالبية مكوناته».
وكان زعيم التيار الصدري، قد نصح، الحكومة العراقية بتقديم استقالتها. ورأى، أن «ما يدور في العراق فتنة عمياء بين حكومة فاسدة ومتظاهرين لم يلتزموا السلمية بعد يأسهم».
وبعد استقالة عبد المهدي دعا الصدر إلى ترشيح 5 أشخاص لمنصب رئيس الوزراء ثمّ اختيار واحد من خلال استفتاء شعبي يقوم على وضع صناديق الإستفتاء في ساحات الاحتجاج متمنيّاً على الرئيس الجديد اختيار حكومته بعيداً عن الأحزاب والتكتلات والميليشيات والمحاصصات.
من ناحية أخرى، أشار الصدر إلى وجوب تفعيل دور القضاء بعيداً عن مهاترات البرلمان الذي «لا يقل بعض الأعضاء فيه فساداً عن الحكومة». كذلك أقترح العمل على تأسيس مجلس لمكافحة الفساد يضم نخبة من القضاة الأكفّاء الذين يتحلون بالنزاهة والشجاعة.
تسليح المتظاهرين
أفادت وسائل إعلام غربية وخليجية، أن معتصمي ذي قار، بدأوا بتشكيل لجان شعبية، لحماية المتظاهرين، وذلك بعد انسحاب القوات الأمنية.
كما أعلنت عشائر عراقية حمل السلاح في مواجهة قوات الأمن لحماية المتظاهرين، وتحديداً في محافظات الوسط والجنوب، وهو أمر يمثل تطوراً خطيراً في الاحتجاجات التي يشهدها العراق.
ويشكل الجنوب جزءا مهما من الحراك الذي يشهده العراق منذ مطلع شهر أكتوبر الماضي، لا سيما محافظات ذي قار والنجف وكربلاء.
وانتهجت السلطة حتى الآن، العنف لإخماد الاضطرابات، حيث قتل وأصيب المئات بأعيرة نارية، وطرحت في ذات الوقت إصلاحات سياسية لم يعرها المحتجون أي اهتمام.
والجدير بالذكر أن معظم القوى السياسية، وقّعت مؤخراً، على خريطة إصلاحية عُرفت بـ«ميثاق الشرف»، كان لطهران دور بارز في صياغتها، تشمل أولوياتها الإسراع في إنجاز قانون الانتخابات وقانون مفوضيّتها، باعتباره مفتاحاً لتجاوز الأزمة.
لكن عملياً، وقفت السلطة عاجزة عن تحريك عجلة الإصلاح بشكل فعّال، لأسباب متعددة، بعضها مرتبط باستهتار القوى السياسية وتلكئها في التنفيذ، وأخرى متصلة بافتقاد الحكومة برئاسة عادل عبد المهدي الأدوات التنفيذية اللازمة لضبط إيقاع الأزمة، وثالثة متعلقة بتحرّك واشنطن وحلفائها الإقليميين على الخطّ من أجل تأجيج النيران المشتعلة في البلاد. كلّ ذلك دفع عبد المهدي إلى التحذير من أن الخطر محدق بالنظام والدولة، وهو سيؤدي في حال استمراره إلى «صدام أهلي خطير» من شأنه إعادة الأمور إلى المربع الأول من الاضرابات، والتوطئة لاقتتال شيعي–شيعي.
أما أبرز القوى الداخلية المنخرطة في تأجيج حراك الشارع فتتراوح بين جمعيات مقربة من السفارة الأميركية والقوى المتطرفة دينياً مثل تيارات الصرخي واليماني والشيرازي، إضافة إلى المجموعات المحسوبة على التيار الصدري، والتي تُطرح تساؤلات حول هوية من يديرها، في ظلّ الحديث عن أنها «لا تطيع أحداً».
حصيلة القتلى تتصاعد
على الرغم من عدم صدور إحصائية رسمية بأعداد القتلى منذ بدء الاحتجاجات في العراق، قالت وسائل إعلام أميركية وخليجية نقلاً عن مصادر أمنية وطبية إن حوالي 400 شخص لقوا مصرعهم منذ مطلع أكتوبر الماضي، وذلك بعد ارتفاع حصيلة القتلى في محافظتي النجف وذي قار يوم الخميس الماضي إلى 50.
وشهدت محافظتا ذي قار والنجف يوماً دامياً لجأت فيه القوات الأمنية إلى استخدام قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي لقمع المتظاهرين الذين اتسمت تحركاتهم بالعنف والفوضى.
وقد أعلن محافظ ذي قار، عادل عبد الحسين الدخيلي، استقالته من منصبه، معلنا تضامنه مع الحراك.
وقال الدخيلي في بيان استقالته: «أعلنت بوضوح وصراحة موقفي الداعم لأبناء العراق، والمؤيد لمطالبكم المشروعة في عيش كريم وعدالة اجتماعية مفقودة».
من جانبه، وجه رئيس مجلس الوزراء بتشكيل لجنة تحقيقية برئاسة المستشار العسكري لرئيس الوزراء، للتحقيق بالأحداث التي حصلت في محافظتي ذي قار والنجف الأشرف التي رافقتها أعمال عنف وسقوط ضحايا من المتظاهرين وقوات الأمن.
والأربعاء الماضي، أحرق متظاهرون غاضبون القنصلية الإيرانية في النجف، في تعبير عن استيائهم من تدخل طهران في الشأن العراقي، في مشهد اعتبره المراقبون دليلاً واضحاً على استهداف الحراك لطهران بتوجيه أميركي–خليجي.
من جانبه، تعهد وزير الخارجية العراقية محمد الحكيم لنظيره الإيراني محمد جواد ظريف، بملاحقة المسؤولين عن حرق قنصلية إيران في النجف، معرباً عن أسفه لما حدث.
وبدأت الاحتجاجات المنهاضة للحكومة مطلع أكتوبر الماضي للمطالبة بخطط فعلية وعملية لمحاربة الفساد، إلا أن سرعان ما بدأت بوصلة الحراك تتجه نحو إيران بتحميلها مسؤولية الفساد والأوضاع المزرية التي تعيشها البلاد منذ الاجتياح الأميركي عام 2003.
Leave a Reply