صدمت الجالية العربية الأميركية في الأسبوع الماضي بحادث إنتحار فتاة عربية شابة، وسرت تساؤلات مقلقة بعد هذا الحدث المؤسف حول «السر المكشوف» داخل الجالية المتعلق بالصحة العقلية وسبل تفادي ومعالجة المشاكل النفسية.
خبيران في مجال الصحة النفسية والعقلية أكدا أن الجالية العربية بحاجة ماسة إلى تطوير أسلوبها وطريقة تعاطيها مع الصحة العقلية لكي تصبح متقبلة أكثر ومشجعة وميسرة لأمور الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة في هذا المجال.
أحد الأماكن المتخصصة هي مركز «أكسس» الذي يقدم مساعدة نفسية ذات مهنية طبية عالية. وأشار مدير الصحة في «أكسس» الدكتور عدنان حمد أن المركز العربي يقدم علاجات سلوكية وتثقيفية جماعية بالإضافة إلى تقديم المشورة وكل المعالجين لدينا مجازون مهنياً وحملة شهادات علمية وهم جديرون ومتفهمون لغوياً وثقافياً للمرضى» وأردف إنه يفضل تسمية الصحة النفسية «بالصحة السلوكية».
وأكد حمد وجود «وصمة عار حول الصحة العقلية داخل الجالية العربية الأميركية حيث يخجل الناس من السعي للحصول على مساعدة نفسية محترفة» ورسم مقارنة بين العناية الطبية والإهتمام الذي تلقاه إمرأة حامل وبين أخرى تعاني من الإكتئاب وقال «عندما تحمل المرأة يريد كل شخص التأكد من أنها بصحة جيدة بدءاً من زوجها إلى أهلها إلى أهل زوجها فالكل يتفقدها ويود الإطمئنان على صحتها، وهذا أمر عظيم لكن قارن هذا الأمر مع الصحة العقلية. إذا كانت تعاني من مرض الإكتئاب فلا أحد يظن إطلاقاً أنك بحاجة إلى عناية طبية. بعض الأطفال يتعايشون مع مرض داء الصرع أو مرض نقص الإنتباه المفرط (ADHD) لعدة سنوات ولكن أهلهم يقولون عنهم أنهم يسيئون التصرف فقط».
ووصف حمد المشاكل النفسية كالجروح العميقة غير المرئية و«لكن عندما تشعر بها عليك التعامل معها» وأضاف أن «الصحة والسلامة العقلية والجسدية متلازمة، فالمشاكل النفسية قد تؤثر على القلب وضغط الدم والجهاز العصبي».
وأكد حمد «أن وصمة العار التي تلاحق الصحة النفسية هي مشكلة عالمية لكنها بارزة أكثر في المجتمعات التي تتوقع من أعضائها أن يكونوا كاملين مثل مجتمعنا»، وقال «لقد حاولت «أكسس» محاربة هذه الوصمة أو اللحظة السوداء من خلال العمل مع المدارس والمؤسسات الخيرية والدينية»، واعترف أنه لمس تحسناً في موقف الجالية تجاه الصحة النفسية خلال السنوات الأخيرة بعد أن بدأ العديد من الناس الإقرار بمشاكلهم وطلب المساعدة. وأردف «لدينا بحدود 2500 زبون داخل إدارة الصحة السلوكية الآن وعندما بدأت العمل مع «أكسس» منذ 20 عاماً كان لدينا بضع مئات فقط من الزبائن. وقد إزداد حجم الجالية وكذلك إزداد القبول». وقال إن «على أرباب العمل في الجالية أن لا يمنعوا الناس الذين يتعافون من أمراض نفسية، من التوظيف لأنهم قادرون تماماً على القيام بوظائفهم والوظائف عادة تساعد المرضى على الشفاء بسرعة».
كذلك أكد أن على الناس أن يسعوا للمساعدة كلما شعروا بوجود شيء غير صحيح أو عارض العوارض التي تتطلب مساعدة نفسية محترفة مثل إيذاء النفس، عدم القدرة على النوم، نقص التركيز، هوس بإضطهاد الغير، الهلوسة، أخطاء متكررة في العمل، إستخدام مواد مخدرة وسلوك غير منضبط. وأضاف «إلا أن الشخص الذي يعاني من عوارض كهذه لن يلاحظها بسرعة لذا يتوجب على الناس المحيطين به أن يحظوه على طلب المساعدة وعلينا أن نقوم بدورنا كجالية مسؤولة».
الدكتورة هدى أمين الطبيبة النفسية في ديربورن، قالت بدورها «إن الطريقة الفضلى للتواصل مع من نحب والذي قد يكون يعاني من أعراض مرضية نفسية هو حثه على زيارة طبيبه العائلي لا النفسي أولاً، لأن هذا الطبيب سوف يحيله بعد ذلك على طبيب نفسي إذا إحتاج إلى ذلك». وأضافت «إن إبلاغ البعض بضرورة عرض نفسه على طبيب نفسي قد يكون فيه تسرع بالحكم، لكن عندما يأتي الطلب من دكتور طب يختلف الأمر لأنه مصدر سلطة».
وقد إشتكت أمين من بعض أطباء الجالية ممن لايحولون مرضاهم إلى المساعدة النفسية ويصفون لهم بدلاً عن ذلك عقاقير ضد الإكتئاب وقالت «الإكتئاب قد يكون سببه إضطراب عقلي أثناء فترة الطفولة أو تربية خاطئة وعندما ينمو طفل في وسط عائلة منحرفة من دون أن يعطى الإهتمام الكافي فإنه يشعر بلوم الذات مع قلة ثقة بالنفس وعندما يكبر الطفل يفتش عن الحب في أماكن خاطئة وينتهي به الأمر محروماَ من الحب ويائساً».
وبالنسبة إلى الأطفال المضطربين نفسياً فإن الأهل أحياناً يكونون السبب وراء ذلك حسب أمين، «لأن الأطفال يقومون برد فعل لما يروه في البيت ويعكسون هذا التصرف في المدرسة».
وأشارت إلى أن الإشتياق للوطن قد يكون إحدى أسباب الإكتئاب للمهاجرين الجدد والذين يكونون قد إقتلعوا من بيئتهم خصوصاً إذا لم يكن حولهم أقارب أو أصدقاء يتفهمونهم ويتفهمون واقعهم بعد إنتقالهم إلى أميركا.
وذكرت أمين «أن الخطوة الأولى باتجاه السلامة العقلية هي الوعي بوجود مشاكل وعلى الشخص أن يتوقف عن «إدعاء الضحية» عن طريق لوم الآخرين لمشاكله الشخصية، فعليه أن يعي مشاكله بنفسه».
وأردفت أن المرضى الذين يحيلهم الأطباء إليها يصرون على أنهم بخير ولا أمراض عندهم «لذا على الناس أن يواجهوا أمورهم ويعرضونها على أشخاص محايدين لا الأهل أو الأقارب الذين هم ليسوا موضوعيين لكن المشكلة أن الثقافة عندنا تركز على المرض لا الصحة العامة وإذا تعرض أحدنا إلى صدمة ذعر نقول أنه لصدمة قلبية».
وأكدت عدم وجود حلول سريعة و«على الناس تحمل مسؤولياتهم حيال التعافي وأن يكونوا مستعدين لإتخاذ خطوات ملموسة تجعلهم يشعرون بالتحسن. إن بعض الأمراض النفسية مثل الإضطرابات العصبية وإنفصام الشخصية والثنائية القطبية والتوتر العصبي مابعد الإضطراب النفسي، تكون عادة نتيجة إختلال التوازن الكيميائي في الدماغ والحل بوصفات طبية تعيد التوازن لكن الدواء قد يساء إستخدامه أو يستخدم أكثر من حاجته خصوصاً عند الأطفال وهذا أقصى التطرف».
وشددت الدكتورة أمين على أهمية الوقاية التي هي أفضل من العلاج والتركيز على الصحة العقلية التامة ومحاولة تفادي مواقف قد تسبب مشاكل نفسية خصوصاً بين الزوجين أو قضايا إقتصادية.
وإذا تعرض الشخص إلى مشكلة نفسية طارئة عليه المسارعة بالإتصال برقم الأزمات الساخن التابع لمقاطعة وين وهو 7000-244-313 حيث يوجد موظفون على مدار الساعة مستعدون للإستماع إلى المتصلين وإقناعهم بعدم إيذاء أنفسهم، للإستعلامات الموصول مباشرة بالمنظمات المسعفة والأطباء المتهيئين للمساعدة.
ويمكن أيضاً الإتصال بالدكتورة أمين على الرقم 4673-801-313 أو مركز الصحة السلوكية في «أكسس» على الرقم 8138-945-313 وكلاهما يتحدثان اللغة العربية أيضاً.
Leave a Reply