وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
هي مجرد تمنيات يطلقها الرئيس الأميركي بين الفينة والأخرى عازفاً على وتر اللقاء المباشر مع نظيره الإيراني، ويشاركه العزف، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. ولكن، وبطبيعة الحال، ما كل ما يتمنى المرء يدركه، فكيف إذا كانت الأمنية من النوع المقيد بشروط، ليس أقلها العودة التامة والكاملة غير المنقوصة عن عقوبات صارمة قلَّ أن فُرضت على دولة كما فرضتها إدارة ترامب على إيران. هذا فضلاً عن ضرورة التراجع عن قرار الخروج من الاتفاق النووي والعودة إليه والإيفاء بكل التعهدات التي تم التوقيع عليها.
اللقاء المنشود بين ترامب وروحاني والذي يُعمل على تسويقه، دونه عقبات كأداء يصعب إزالتها في المدى المنظور، إلا إذا ارتأى الرئيس الأميركي كعادته اللجوء إلى هوايته المحببة، وهي صدم الحلفاء قبل الخصوم، فيعلن بطريقة دراماتيكية إلغاء كل العقوبات، وهو ما ليس مستبعداً عن شخص مثل ترامب.
قرار التفاوض بيد المرشد وحده
رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني مجتبى ذو النور كان قد أعلن أن أعضاء في البرلمان الإيراني وقعوا بياناً حذروا فيه الرئيس الإيراني حسن روحاني من إجراء أية مفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية خلال زيارته المقبلة لنيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ونقلت وكالة «مهر» الإيرانية عن ذو النور قوله إن التفاوض مع الولايات المتحدة هو إحدى السياسات الرئيسية للنظام الإيراني، وإن صلاحيات روحاني لا تخوّله اتخاذ قرار من هذا النوع، مشيراً إلى أن تصريحات الرئيس روحاني قد تؤدي إلى عدم الاستقرار في البلاد.
ويصر المسؤولون الإيرانيون المقربون من دوائر القرار، ولا سيما من دائرة المرشد الأعلى السيد خامنئي، على أن التفاوض مع الإدارة الأميركية «مستحيل» قبل إلغاء العقوبات التي فرضت على طهران في إطار سياسة «الضغوط القصوى» التي انتهجها ترامب، وعودة واشنطن إلى الاتفاق النووي.
هو خط أحمر رسمته القيادة الإيرانية بعد التجربة المريرة التي خاضتها مع واشنطن، تجربة الاتفاق النووي التي يقول الإيرانيون إنهم تعلموا منها درساً مفاده أن لا أمان لدولة «الشيطان الأكبر»، فمن ابتلع وعوده ومزق الاتفاقيات وتجاوز القوانين الدولية مرة سيفعلها كل مرة، وهذا ما يدفعهم اليوم إلى عدم التجاوب مع كل الإشارات والتلميحات الترامبية، بل والمبادرات الصريحة الي يطلقها ترامب لجهة رغبته في التفاوض معهم ولقاء الرئيس روحاني.
وإذ تؤكد طهران دائماً رغبتها في حل أزمتها النووية على نحو سلمي، وترحب بكل مبادرة تسعى إلى ذلك، لكنها في الوقت عينه ترى تناقضاً في الكلام الصادر عن ترامب وإدارته، فالرجل يدعو إلى التفاوض المباشر وغير المشروط، ثم يطلق بعد وقت قصير تغريدة يقول فيها إن عليه الحديث مع إيران بشأن مواضيع متعددة من بينها الصواريخ البالستية ونفوذها في المنطقة، وهو ما ترفضه إيران رفضاً قاطعاً، يُضاف إلى ذلك بحسب المسؤولين الإيرانيين، أن من يريد التفاوض وإثبات حسن النية لا يستمر في ابتداع المزيد من العقوبات يوماً بعد آخر. فمنذ أيام قليلة أدرجت الإدارة الأميركية شبكة واسعة من الشركات والأفراد والسفن التابعة لإيران أو التي تتعاون معها في لائحة عقوباتها، فيما خصصت مكافأة مالية ضخمة لمن يبلغ عن أنشطة الحرس الثوري.
كل هذه الخطوات الأميركية تأتي في ظل دور أوروبي هزيل، يحاول جاهداً شغل مساحة على أرض ملعب الأزمة من دون جدوى، وها هو ترامب يهزأ بالدور الفرنسي ويستخف به، مؤكداً أنه لم يطلب وساطة ماكرون، كما أن طهران تطالب الأوروبيين بالالتزام بما ألزموا به أنفسهم في الاتفاق النووي في ما يتعلق بالأحد عشر بنداً، وتعتبر أنهم لا يفعلون ما يكفي لحماية مبيعاتها النفطية الحيوية من العقوبات الأميركية.
إيران: الخطوة المقبلة آثارها هائلة!
بالتزامن، تستمر إيران في إجراءات تخفيض التزاماتها بالاتفاق النووي وفقاً لما تسمح به المادة السادسة والثلاثون من الاتفاق نفسه، والتي تقول إنه في حال إخلال أحد أطراف الاتفاق بأحد بنوده يحق للطرف الآخر التصرف بالمثل، وانطلاقاً من ذلك إيران تعتبر أنها ما زالت تحت سقف الاتفاق، وأن كل ما تقوم به من إجراءات هو حق يكفله لها الاتفاق نفسه.
وفي هذا السياق أعلنت طهران الأسبوع الماضي وقف جميع التزاماتها تجاه الاتفاق النووي في مجال البحث والتطوير بحسب بيان لوزارة الخارجية. كما أكد المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمالوندي، أنه لم يعد لدى بلاده أي قيود على أبحاث ومستوى تخصيب اليورانيوم وأجهزة الطرد المركز، معلناً عن زيادة احتياطي اليورانيوم المخصب وعن وجود ألف جهاز طرد مركزي، لافتاً إلى أن الموضوع الأساسي في الخطوة الثالثة هو مفاعل «آراك» وإنتاج المياه الثقيلة فيه. أما الرئيس الإيراني فقد منح الأوروبيين مهلة شهرين إضافيين لإنقاذ الاتفاق المبرم عام ألفين وخمسة عشر، محذراً من خطوة قد تحدث آثاراً هائلة!
ردود الفعل على الخطوة الإيرانية
الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكدت من جهتها أن طهران تقوم بتركيب أجهزة طرد مركزي متطورة من شأنها زيادة مخزون اليورانيوم المخصب، وقد حثّ مدير الوكالة إيران على التعاون الفوري معها.
وكعادتها، المفوضية الأوروبية تعرب عن قلقها العميق إزاء الخطوة الإيرانية، فيما أكد لافروف وزير الخارجية الروسي خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان أن هناك قناعة مشتركة بعدم وجود بديل معقول للاتفاق النووي، أما وزير الخارجية الألماني هايكو ماس فقد قال إن بلاده تعتمد على الحقائق لا على المواقف، وهي في انتظار تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ودعت الصين، من جهتها، الولايات المتحدة إلى التخلي عن مقاربتها الخاطئة مثل فرض عقوبات أحادية وممارسة سياسة الضغوط القصوى على إيران.
الإطاحة ببولتون
ترامب ورغم تحذيره طهران بشدة من تخصيب اليورانيوم، يميل إلى رفع بعض العقوبات عن إيران تمهيداً لاحتمال عقد لقاء يجمعه بالرئيس روحاني.
بل إن هذا اللقاء المنشود كان هو السبب وراء إطاحة ترامب بمستشاره للأمن القومي جون بولتون، ما يؤكد عزم الرئيس الأميركي على الاجتماع مع روحاني في أقرب وقت ممكن، دون أن يستبعد أن يتم اللقاء يوم ٢٣ أيلول (سبتمبر) الجاري على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، وهو ما أدى بحسب وكالة «بلومبرغ» إلى تفجير الخلاف بين ترامب وبولتون، الاثنين الماضي، وصولاً إلى إقالته في اليوم التالي.
يُعد جون بولتون شخصية مثيرة للجدل، وقد ارتبط اسمه بغزو العراق وغيره من القرارات السياسية الخارجية المتشددة. كما أنه من أشد الداعمين إن لم نقل المحرضين على سياسة «الضغوط القصوى» على كل من إيران وفنزويلا وغيرها من بؤر التوتر في المنطقة.
وبتغريدة عبر «تويتر» استغنى ترامب، الثلاثاء الماضي، عن أحد أبرز الصقور في إدارته، وأحد أهم أصدقاء إسرائيل، حيث تفاقم التوتر بين الرجلين في الأشهر الأخيرة إثر قرار ترامب إلغاء الغارة الجوية على إيران رداً على إسقاط طائرة استطلاع أميركية من دون طيار، وكذلك بسبب لقاء ترامب بالزعيم الكوري في المنطقة المنزوعة السلاح وعبوره إلى كوريا الشمالية، إضافة إلى رفض بولتون لسحب القوات الأميركية من سوريا.
ترامب أيضاً كان قد رفض العمل على الإطاحة بالنظام الإيراني وهو هدف يسعى إليه بولتون منذ سنوات.
من المؤكد أن خبر إقالة بولتون كان له وقع سيء جداً في إسرائيل، أما في طهران فالأمر مختلف، يرون أنه شأن أميركي بحت ولا يغير في واقع الحال شيئاً، فقد أُقيل قبله من أُقيل ولم يتغير شيء في السياسة الأميركية تجاه إيران، بل إن العلاقات اتخذت مساراً تصاعدياً سلبياً مع مرور الوقت.
المبادرة الفرنسية؟
ثمة حديث عن إمكانية موافقة ترامب على مبادرة فرنسية بتمويل إيران بخط ائتماني بقيمة ١٥ مليار دولار مكفولاً بالنفط، وربما بعد تحرره من ضغوط بولتون، تعززت تلك الإمكانية، وإن كان الإيرانيون يشبهونها بمن يحتل بيتاً بأكمله ثم يمنّ على صاحبه بردّ غرفة واحدة منه.
لا الرغبة في لقاء روحاني تكفي ولا تخفيف العقوبات يكفي، ولا حتى رأس بولتون يكفي. فسقف الإيرانيين عالٍ وواضح: إلغاء العقوبات والعودة إلى الاتفاق النووي، وإلا فلا تفاوض ولا لقاء مع الإدارة الأميركية. والحُرم السياسي سيكون من نصيب أي مسؤول إيراني يفكر في تجاوز هذا السقف.
Leave a Reply