بالرغم من الجهود التي يبذلها المسؤولون والناشطون والمتطوعون في المنظمات المحلية في كل عام، لتعميق الوعي بأهمية المشاركة في الانتخابات –ترشيحاً وتصويتاً– إلا أن الانتخابات الأخيرة، الثلاثاء الماضي، سجلت زيادة طفيفة في نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع.
نسجل هذه الملاحظة، مع توجيه الشكر العميق للناخبين العرب الأميركيين الذين أحدثوا في 7 نوفمبر فارقاً ملموساً في نتائج الانتخابات البلدية في ديربورن وديربورن هايتس وهامترامك.
في ديربورن، حصل أربعة عرب أميركيين على المراكز الأولى وأعيد انتخابهم في مجلس المدينة البلدي، وحصلت رئيسة المجلس سوزان دباجة على المركز الأول، لدورة انتخابية ثانية، كما انتقل مايك سرعيني إلى المركز الثاني ليصبح نائباً لرئيسة المجلس، فيما حل ديفيد بزي وروبرت أبراهام في المركزين الثالث والرابع، على التوالي.
وكذلك في ديربورن هايتس، انضم العربي الأميركي بيل بزي لعضوية المجلس البلدي، حيث حل ثانياً بين الفائزين الأربعة، بنسبة 14 بالمئة من الأصوات.
وفي هامترامك أيضاً، تمكن العربي الأميركي فاضل المرسومي –وهو أصغر مرشح عربي أميركي في هذا السباق– من الفوز بأحد المقاعد الثلاثة المتنافس عليها في المجلس البلدي للمدينة، بحصوله على 16 بالمئة من أصوات المقترعين.
هذه النتائج تدعو للفخر بدون شك، لكن هناك في هذا الموسم الانتخابي ما يدعو للأسف العميق على مدى انحدار البعض وإمعانهم في تشويه صورة الجالية ومؤسساتها لأغراض شخصية، دون أن يتوانى هؤلاء عن انتهاج سلوكيات تقسيمية لا يمكن التغاضي عنها، أو التسامح معها، لاسيما وأن مجتمعنا العربي آخذ بالنمو ومتحمس للانخراط أكثر فأكثر في الحياة العامة، وهذا التوجه يجب أن يكون محفزاً على التوحد واجتماع الكلمة والموقف، بدلاً من أن يساء استخدامه في تعميق الصراعات والحساسيات والمشاحنات بين أبناء وشرائح المجتمع الواحد.
إذ يبدو أن السباق المحموم على منصب رئاسة بلدية ديربورن قد شكّل فرصة للكثيرين في جاليتنا لكي ينّفسوا عن عقدهم وأحقادهم الشخصية، فأمعنوا بتبادل الاتهامات والتراشق بالمهاترات، على مواقع السوشال ميديا، وفي أقلام الاقتراع، إذ بمجرد ما بدأ المرشح توماس تافيلسكي بشن حملة سلبية ضد منافسه، رئيس البلدية جاك أورايلي، فقد سارع بعض مناصريه إلى مهاجمة أبناء الجالية العربية الداعمين لإعادة انتخاب أورايلي عبر السخرية من آرائهم والتشكيك بمواقفهم تحت عناوين وذرائع فارغة.
ولهذه المناسبة، نعيد التأكيد على القاعدة السلوكية والأخلاقية القائلة «الاختلاف لا يفسد للود قضية»، لنؤكد على ضرورة تقدير آراء الناس وخياراتهم.. التي قد لا تروق للآخرين، كما يجب الإشارة إلى ضرورة احترام العملية «الديمقراطية»، كمبدأ أساسي في تكوين الولايات المتحدة وتاريخها السياسي والاجتماعي والثقافي، من دون أن ننسى أنها –الديمقراطية– شكلت عامل استقطاب لمئات آلاف المهاجرين، ومن بينهم العرب الأميركيون، إلى هذا البلد العظيم.
بعض المرشحين ومؤيديهم فبركوا اتهامات كاذبة ضد منظمات وناشطين مخضرمين لم يفعلوا شيئاً سوى تكريس جهودهم وأوقاتهم لخدمة مدنهم ومجتمعاتهم المحلية، وهؤلاء لم يفوتوا فرصة إلا واستغلوها لتعميق الانقسام بين شرائح المجتمع الواحد، والتشكيك بنوايا وأهداف المنظمات المحلية عبر نشر السموم والأكاذيب والاتهامات، لكن الأدهى.. جاء من حماسة البعض لبث خطاب طائفي غير مسبوق، ففي برنامج إذاعي محلي، لم يتورع رئيس منظمة جديدة نسبيا تدعى «اللجنة العربية والإسلامية للعمل السياسي» (أمباك) عن القول إن «منظمته تمثل الطائفة السنية.. لأن «اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك) تمثل الطائفة الشيعية»!
هذا الادعاء، الكاذب والخطير، عدا عن كونه تصرفاً مخجلاً لا ينبغي التساهل معه، فهو يكشف عن ذهنية البعض لتحقيق أهداف رخيصة تتعامى عما تسببت به الطائفية –في أوطاننا الأم– من سفك دماء مئات آلالاف من الأبرياء، وأوصلت أوطاناً، بأمها وأبيها، إلى شفير الهاوية! ومن هذا المنطلق، نعتقد بضرورة التنديد علناً بكل شخص متورط بالعمل مع «أمباك» التي تدعو إلى استيراد الطائفية إلى مجتعماتنا العربية في منطقة ديترويت، في الوقت الذي نحن فيه بأشد الحاجة إلى بناء وتمتين أواصر العلاقات بين مكونات مجتعمنا العربي من جهة، وبيننا وبين المكونات الدينية والإثنية الأخرى من جهة ثانية، بهدف بناء مستقبل آمن وزاهر لعائلاتنا وأبنائنا.
لقد حاول رئيس «أمباك» تشويه سمعة «أيباك» وصورتها، ونحن هنا لسنا بصدد تصحيح تصوراته السقيمة عن اللجنة التي تأسست عام 1998 لخدمة مصالح العرب الأميركيين، الذين ليسوا بالضرورة مسلمين، ناهيك عن أن إنجازات «أيباك» خلال العقدين الماضيين قد أصبحت معروفة للقاصي والداني.
لم يتوقف رئيس «أمباك» عند ذلك الحد، بل ذهب يوم الانتخابات إلى حد ممارسة البلطجة ضد أحد الشبان المتطوعين في مراكز الاقتراع، وأفيد أنه اعتدى بالضرب على أحد متطوعي «أيباك» في قلم اقتراع ابتدائية «غيير بارك».
مثل تلك السلوكيات والأحداث، تجعل العملية الديمقراطية تبدو وكأنها «مسخرة»، كما أنها تكشف عن رغبة البعض بتعميق الانقسام والتربح من الحساسيات، وإذا لم تبادر جاليتنا سريعاً لمعالجة هذه التصرفات المشينة والمعيبة في الانتخابات القادمة، فإن أبناء مجتمعنا سيحجمون عن المشاركة في الحياة العامة، وبذلك نكون قد ساهمنا بتدمير كل التقدم الجماعي الذي أحرزناه خلال العقود الماضية.
إن المشاركة السياسية –كالترشح والتصويت والتطوع– تفيد الجميع، ولكنها تأتي أُكلها حين تكون مهذبة وتتمتع باللياقة والتحضر، وتتبنى أهدافاً سامية تنشد توحيد مدينتنا جغرافياً وسكانياً بغض النظر عن الانتماءات الدينية والعرقية.. هذا هو المبدأ الذي يجب أن نتمسك به ونحافظ عليه لكي تكون بوصلتنا إلى بر الأمان والازدهار، تمثلاً بالآية الكريمة: «فأمّا الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض»!
Leave a Reply