وليد مرمر
إن كلمة «اليوفوريا» حسب القاموس تعني «الشمق»، أي الشعور باللذة والإثارة والفرح والاكتفاء. وهي الكلمة التي تنطبق بالضبط على حالة الإمارات العربية المتحدة بعد الإعلان عن التطبيع مع إسرائيل وإن كانت هذه العلاقة الحميمية المفاجئة عصية على الفهم.
ربما هي «متلازمة ستوكهولم» التي تلحظ نشوء علاقة غير منطقية بين الضحية والجلاد! ولكن متى كانت دول الخليج ضحية للصراع العربي–الإسرائيلي؟
وغني عن القول إن الإعلان الإماراتي عن التطبيع مع إسرائيل كان ثمرة لعلاقات سرية دامت عقوداً من الزمن. فلقد ذكرت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية في تقرير لها أن علاقات التعاون السري بين الإمارات وإسرائيل قد توطدت منذ هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2011، عندما لجأ الإماراتيون للإسرائيليين لتطوير برامج الأمن السيبراني، معلنة أنه «على مدار العقدين الماضيين تطورت العلاقات التجارية بين الإمارات وإسرائيل من مراقبة الحواسب الآلية وأمن المطارات إلى الشحن وتحلية المياه والتكنولوجيا الزراعية والعقارات والسياحة». كما تبرعت دولة الإمارات مؤخراً بدعم الأبحاث الإسرائيلية الرامية لإيجاد لقاح لفيروس كورونا، ودائماً حسب مجلة «فورين بوليسي».
وذكرت مصادر مطلعة على العلاقات «الثنائية» بين البلدين أنه خلال السنوات الماضية كان كبار المسؤولين في الموساد يزورون الإمارات بشكل متكرر، كما كان هناك أيضاً تدفق للخبرات الإسرائيلية في مجال تحليل البيانات التي تحصل عليها أجهزة الأمن من برامج التجسس وكاميرات المراقبة في دولة الإمارات.
باختصار كانت دولة الإمارات مستباحة بشكل كامل من قبل الموساد الإسرائيلي ولسنوات خلت قبل إعلان التطبيع!
إن هذه «اليوفوريا»، أو الحميمية التي اتسم بهما الموقف الإماراتي من التطبيع لأمر يثير العجب!
فلقد وقَّعت من قبل، ثلاثة أنظمة عربية على اتفاقيات ومعاهدات مع إسرائيل، مصر عبر اتفاقية «كامب ديفيد»عام 1978، والسلطة الفلسطينية على اتفاقية «أوسلو» عام 1993، ثم وقعت المملكة الأردنية على اتفاق «وادي عربة» عام 1994. لكن رغم هذه الاتفاقات فإن شعوب تلك البلدان لم تقبل التطبيع ولم تبتهج له ولم تسارع إلى حجز تذاكر السفر وغرف الفنادق في تل أبيب كدأب ما نشهده اليوم عقب توقيع اتفاقية التطبيع بين الإمارات وإسرائيل. كما أن تلك الدول لم تهرول إلى عقد شتى أنواع الاتفاقيات التجارية والمالية والتنموية بينها وبين إسرائيل مثل ما تفعل دولة الإمارات العربية المتحدة.
أما الاتفاقيات الثنائية التي وقعت أو ستوقّع بين البلدين فتتعلق بالاستثمار والسياحة والرحلات المباشرة والأمن والاتصالات والتكنولوجيا والطاقة والرعاية الصحية والثقافة والرياضة والبيئة وإنشاء سفارات متبادلة وغيرها.
فقد أفادت صحيفة «كالكاليست» العبرية، مساء الخميس الماضي، بأنه تم التوقيع على «اتفاقية تاريخية» جديدة بين الطرفين تسمح باستيراد منتجات إسرائيلية قيمتها 10 مليارات دولار من المنتجات الزراعية سنوياً! وعللت الصحيفة هذا «الفتح» الإماراتي بأن نقل الخضر والفاكهة بالشاحنات عبر العقبة إلى دبي سيستغرق 32 ساعة فقط وعبر السفن من ميناء إيلات ما بين 8 و10 أيام فقط! ولكن هل ستأتي هذه المنتجات الزراعية فقط من الأراضي التي احتلتها إسرائيل قبل 1967؟ وذلك لحفظ ماء الوجه الإماراتي وللتأسي بالموقف الأوروبي القاضي بعدم استيراد المنتجات الإسرائيلية التي تأتي من الضفة الغربية المحتلة؟ الجواب هو لا! فإن الإمارات لم تأبه حتى لهذا الشرط الذي تتبعه أوروبا بل إنها تجاوزته بشكل صفيق عندما وقعت اتفاقاً مع شركة إسرائيلية تصنع النبيذ في هضبة الجولان السورية المحتلة بهدف استيراده.
يتضح مستوى هذه «اليوفوريا» غير المفهومة بعد قراءة ما نشره موقع «والــلا» الإسرائيلي الذي كشف أنه بعد إعلان اتفاقية التطبيع مع الإمارات بوقت قصير، بدأت الاستفسارات تتدفق إلى إسرائيل من مستثمرين في الخليج العربي بغرض التعاون التجاري. وتوقع الموقع الإسرائيلي أن 10 بالمئة من الاستثمارات في السوق الإسرائيلية في السنوات المقبلة ستأتي من الإمارات. ومنذ أيام أعلنت شركات سلاح إسرائيلية عديدة مثل «رافائيل» و«آي إي آي» عن مشاركتها بمعرض ومؤتمر الدفاع الدولي «آيدكس» في أبوظبي بشهر شباط (فبراير) المقبل.
ومن يراقب وتيرة التطبيع التصاعدية، قد يراوده الشك بأنه لم يعد ينقص البلدان المطبّعان إلا الإعلان عن الوحدة بينهما، وذلك بعد إعلانهما عن فتح الأجواء والبدء بتسيير خطوط الطيران المباشرة وعلى إلغاء التأشيرة بينهما! وتكاد تكون اتفاقية إلغاء التأشيرة هذه، سابقة تاريخية لم يشهدها العصر الحديث قط، فهي أول دولة في العالم تلغي شرط التأشيرة قبل وجود التأشيرة أصلاً!
ولكَي يشعر السائح الإسرائيلي أنه في بيته عندما يزور دولة الإمارات الشقيقة، تم افتتاح مطعم «إيليز» لمأكولات «الكوشر» اليهودية في دبي. وقالت صحيفة «جيروزاليم بوست» إن المطعم الجديد حصل على تراخيص من الحاخامات في تل أبيب!
وبدلاً من أن يتبع حكام الإمارات حديث «إذا بليتم بالمعاصي فاستتروا» إذا بهم يطبقون الآية الشريفة «إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا..»، وذلك عبر تحفيزهم دولة السودان على توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل مقابل قرض قدره مليار ونصف مليار دولار!
لقد قيل سابقاً إن «اللي خلف ما مات» لكن بكل أسف فإن الشيخ زايد آل نهيان رحمه الله موحد الإمارات ومؤسس الدولة قد خلّف ولكنه «مات وشبع موت»!
Leave a Reply