في كل مرة أقرأ أو أسمع تفاصيل ما حدث للإمام الحسين (ع) أشعر من جديد بهول المأساة وكأنني أتعرف عليها للمرة الأولى ويصيبني جزع ورعب وأجهش بالبكاء. ليس بكاء بل نحيب يهون عليّ الدنيا، فماذا بعد الإمام الحسين؟
وكيف لي أن أصف تلك الأحداث المخزية المرعبة التي أنهت حياة إمام تقي ورع، بكل تلك الخسة والحقارة والخيانة والتي تمثلت في أبشع الجرائم التي لا يجرؤ عليها إنسان مهما بلغت به أسباب الجهل والغدر والتشفي وغلبة الدنيا، ولكنه الحقد الذي هو مدخل جهنم والذي يجعل الإنسان حيوانا شرسا يكفر بكل ما حوله ومن حوله.
كانت الخيانة هي من حملت أشرس وأقبح الوجوه والنفوس البشرية لارتكاب أحط الجرائم مع النبي يحيى حين ذبحوه وجزوا عنقه وقدموه هدية لإحدى البغايا، والرابط بين بني إسرائيل وقتلة النبي يحيى وبين أصحاب الأخدود الذين قتلوا المؤمنين بعد أن أضرموا النار في الخندق الكبير وألقوا فيه المؤمنين أحياء في زمن فرعون وفي زمن النبي موسى عليه السلام، وبين من تجرأ على قتل الإمام علي ومن بعده قتل الإمام الحسين، فهم لا محالة الكفرة الفجرة الذين أحبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة ولهم عذاب أليم.
إن مأساة الإمام الحسين وفجيعة استشهاده قبل أكثر من ألف سنة، دلالة على ذهاب الصالحين من هذه الأرض، وبقاء الهمج وعجاج الخلق الذين لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا، وارتفاع الأسافل فيكون أمر الناس بيد السفهاء والأرذال، وزمن يصدّق البشر فيه الكاذب ويكذبون فيه الصادق ويؤتمن فيه الخائن، ويخون الأمين، وينطق السفيه ويسكت العاقل.
وللتاريخ والحقيقة، هذا ما انطبق وحدث في شهادة إمام الصالحين الحسين عليه السلام، في ذاك العهد القريب للنبوة وفي ذريته، فما بالك بهذه الأيام، وما بالك بالزمن القادم بعد قليل، وما أدرانا بالبعيد.
سنوات أقبلت وأيام أظلمت وأرض جفّت وصدق تلاشى وظلم تعالى وما ندري ما سيصنع الله بنا. أنبكي عليها؟ أم نبكي على ذنوب اقترفناها؟ أم نندب على سيد الشهداء وابنه الصغير وكل من استشهد معه ومثلوا بهم؟ أم نبكي من عدو احتل أرضنا وقتل أهلنا وأطفالنا وهجرنا من أوطاننا وعبث بالمقدسات الإسلامية وأساء الى رسولنا، ونحن واجمون في صمت قاتل، لا إيمان يدفع ولا يقين يشفع. فقط أعين تدمع ويبدو أننا سنبكي طويلا وكثيرا.
إنه الإمام الحسين. جده رسول الله وأبوه الإمام علي وأمه الطاهرة فاطمة الزهراء وهو من تجرأت عليه الأيادي النجسة والقلوب السوداء المليئة بالضغينة والحقد والغدر والكفر. وهو الذي استشهد وكانت آخر كلماته: باسم الله والحمد لله..
لقد استباحوا دماءه الشريفة على أرض النفاق، أرض الكرب والبلاء. قتلوه وأصحابه واقتحموا فسطاط أهل البيت سلبا ونهبا وساقوا أسراهم وسباياهم من الأطفال والنساء في اليوم العاشر من شهر محرم، وفي صبيحة عاشواء، يوم المعركة بين جيش يزيد بن معاوية العرمرم وبضعة عشرات من أصحاب الحسين.
في كل مطلع عام هجري، يتجدد الحزن والألم والحب لسيد الشهداء الحسين بشدة الإحساس بالذنب العظيم حين خذله مشيعوه وتركوه في العراء تحت رحمة الأعداء.
لعل الابتلاء هو سنة الله في خلقه وفي أنبيائه ولن تجد لسنة الله تبديلا.
ربنا لا نسألك رد البلاء بل اللطف فيه. نسألك اللطف والعون لأهلنا في الشرق. والسلام على الحسين وعلى من استشهد معه.
Leave a Reply