زينة جعفر – «صدى الوطن»
منذ عقدين من الزمن، كانت الأعمال التجارية العربية الأميركية، مثل المطاعم والمقاهي ومراكز التسوق، شبه محصورة في الجانب الشرقي من مدينة ديربورن حيث كانت تتركز أسر الجالية قبل تمددها غرباً إلى وست ديربورن وديربورن هايتس، ما دفع العديد من المؤسسات التجارية الناجحة –التي ولدت في شرق ديربورن– إلى مواكبتها عبر افتتاح فروع جديدة لها في تلك المناطق. أما وقد اختارت أسر الجالية بلدة كانتون كمكان جديد مفضل للعيش بعد الديربورنين، كان لا بد لتلك الأعمال التجارية أن تفتح فروعاً جديدة لها في المدينة الواقعة في أقصى غرب مقاطعة وين.
ففي إطار مواكبة نزوح آلاف العرب الأميركيين إلى كانتون بحثاً عن معيشة هانئة بعيداً عن الضوضاء والازدحام وارتفاع الضرائب وتدني الخدمات العامة، رصدت «صدى الوطن» افتتاح عدد متنام من المطاعم والمقاهي والأسواق العربية التي يألفها الديربورنيون، في قلب مدينة كانتون، فيما dخطط العديد من الأعمال التجارية الأخرى لخطوة مماثلة.
وتضم قائمة الشركات العربية الأميركية التي أسست فروعاً جديدة في كانتون، «أسواق الرضا» (بابايا) ومطعم «فايموس همبرغر» و«الأفران الذهبية» وسلسلة «كاسترد كو» وسلسلة «قهوة هاوس»، بينما تستعد أعمال أخرى، مثل «أسواق المصطفى» (غرينلاند) وأفران «صاج» لافتتاح فرع لها في المدينة التي تضم زهاء 99 ألف نسمة، والتي تعتبر واحدة من أكثر المجتمعات نمواً في منطقة ديترويت الكبرى خلال العقد الأخير.
ومن اللافت أن جميع المؤسسات التجارية آنفة الذكر قررت الانتقال إلى كانتون دفعة واحدة متجاوزة بعض المدن الفاصلة بينها وبين الديربورنين، مثل وستلاند وغاردن سيتي اللتين تتدنى فيهما –نسبياً– جودة الخدمات العامة والتعليم المدرسي.
ولا شك في أن الانتقال الجماعي للأعمال التجارية العربية إلى كانتون سيساهم في تدعيم المجتمع العربي الآخذ بالنمو والتبلور في البلدة المتنوعة ديموغرافياً، كما أنه يشكل عوامل جذب لمزيد من الأسر العربية الراغبة بتغيير أماكن سكنها دون فقدان المزايا التي كانت متاحة لها في الديربورنين.
وبفضل النجاحات التي حققتها الجالية في ازدهار ديربورن وديربورن هايتس عمرانياً وتجارياً، يقابل نزوح الأسر العربية إلى كانتون بترحيب واضح من المسؤولين في البلدة، حيث أعربت المشرفة على بلدية كانتون، آن ماري غراهام–هوداك، عن سعادتها بالبُعدين الثقافي والخدماتي الذي تقدمه الأعمال التجارية العربية للمجتمع المحلي.
وفي تصريح لـ«صدى الوطن»، أوضحت غراهام–هوداك، التي تتولى أعلى منصب تنفيذي في بلدية كانتون، بموجب ميثاق البلدة، بأن الشركات التي يملكها عرب أميركيون تساهم في زيادة التنوع الاجتماعي والاقتصادي، لافتة إلى أن «أسواق الرضا» ومقهى «قهوة هاوس» يوفران خدمات فريدة لعموم سكان وزوار كانتون.
وكانت كانتون قد تدرّجت من قرية زراعية تضم قرابة خمسة آلاف نسمة عام 1960 إلى عاشر أكبر مدينة في ولاية ميشيغن، حيث ساهم موقعها في منتصف الطريق بين ديترويت وآناربر بطفرة سكانية خلال العقود الستة الأخيرة، ما انعكس تنظيماً عمرانياً وتجارياً في تخطيط شوارع المدينة ومنتزهاتها ومجمعاتها السكنية التي تتميز بالمساحات الشاسعة والمنازل المتباعدة، على عكس ديربورن ذات البنية التحتية المتقادمة والتصميم المدني ما قبل الحديث.
كما كان لافتتاح الطريق السريع «275» خلال سبعينيات القرن الماضي، دور محوري في ازدهار البلدة من خلال ربطها بمطار ديترويت جنوباً ومقاطعة أوكلاند شمالاً.
وأفادت غراهام–هوداك لـ«صدى الوطن» بأن الأعمال العربية الجديدة تقدم خيارات متميزة في أسواق البقالة والمأكولات والمنتجات الأخرى، وبأنها أسهمت في توسيع القاعدة الاقتصادية في المدينة التي تستقبل الزوار من كافة أنحاء المنطقة، لافتة إلى أن كانتون تعدّ موطناً للعديد من المطاعم والمتاجر غير المتوفرة في أي مكان آخر.
وكانت سلسلة متاجر «أسواق الرضا» التي أسسها رجل الأعمال اللبناني الأميركي خليل سعد عام 1998 قد افتتحت في شهر آذار (مارس) المنصرم خامس وأكبر فروعها على العنوان 6463 شارع نورث كانتون سنتر، والذي على شاكلة الفروع الأربعة في الديربورنين وديترويت يوفر كافة أنواع الخضار والفواكه الطازجة واللحوم الحلال، كما يضمّ مخبزاً ومطبخاً، إلى جانب البقالة والمواد الغذائية المستوردة من كافة أنحاء العالم، لاسيما بلدان الشرق الأوسط، مثل لبنان والسعودية والأردن وتركيا ومصر، وكذلك الهند وأندونيسيا في وسط آسيا، حيث تتميز مدينة كانتون باحتوائها على جالية كبيرة من السكان المتحدرين من أصول آسيوية، ولاسيما من الهند وباكستان.
وجاء افتتاح المتجر الجديد استجابة للمتغيرات الديموغرافية في كانتون، بحسب ما أفاد سعد لـ«صدى الوطن»، مؤكداً على سعيه المستمر للتواجد في مناطق الكثافة العربية بغية خدمة زبائنه وتأمين متطلباتهم من البقالة والبضائع الشرق أوسطية، موضحاً بأن «أسواق الرضا» تتميز عن بقية الأسواق الأخرى بتقديم خيارات فريدة، وأخرى حصرية، لا يمكن الحصول عليها من أية متاجر أخرى في ولاية ميشيغن، مؤكداً أن افتتاح الفرع الخامس يندرج ضمن توفير البضائع والمنتجات للمجتمع العربي المتنامي في مدينة كانتون، بأجود الخدمات وأفضل الأسعار.
وقال سعد إن متجر «بابايا» في كانتون يوفر مكاناً قريباً للعرب والشرق أوسطيين للحصول على المنتجات الطازجة ومواد البقالة الأصلية من دون الاضطرار إلى قطع مسافات طويلة للتسوق، لكن غراهام–هوداك أكدت بأن المتجر الجديد يجتذب أيضاً الزبائن غير العرب، ممن يتسوقون ويستمتعون بمختلف المنتجات والبضائع المتميزة.
أما مقهى «فهوة هاوس» فقد افتتح أحدث فروعه على شارع فورد في كانتون يوم 10 حزيران (يونيو) المنصرم، لينشر عبق القهوة اليمنية في المدينة التي انضمت إلى قائمة العديد من المدن الأميركية التي تضم فروعاً للسلسلة في ولايات ميشيغن ونيويورك وإيلينوي، والتي توفر مشروبات عالية الجودة وغنية المذاق، إلى جانب التعريف الثقافي بجوانب متعددة من تاريخ وحضارة اليمن الذي يعدّ الموطن الأصلي لتحضير مشروب «الموكا».
وكشف مالك سلسلة «قهوة هاوس»، رجل الأعمال اليمني الأميركي إبراهيم الحصباني، عن أن أحد أهدافه من وراء تأسيس السلسلة في الولايات المتحدة يتمثل في ردم الفجوة بين الثقافات، وبناء فضاءات تسهم في تلاقي الناس الذين يتحدرون من خلفيات ثقافية واجتماعية متعددة.
في الأثناء، تخطط سلسلة متاجر «أسواق المصطفى» (غرينلاند) ومقرها في مدينة ديربورن، وكذلك مخبز «صاج» ومقره في ديربورن هايتس، لافتتاح فرع جديد في كانتون في وقت لاحق من هذا العام، حيث أكدت غراهام–هوداك بأن كلتا الشركتين بدأتا في شق الطريق نحو المدينة، ومن المتوقع أن تفتحا أبوابهام أمام الزبائن خلال الفترة القصيرة المقبلة «في حال سارت الأمور كما هو مخطط لها»، وفق تعبيرها.
وشددت غراهام–هوداك على أن التنوع في كانتون هو من أجمل مواصفات المدينة، وقالت: «من أجمل الأشياء في كانتون هو تنوعها حيث أننا نتميز بتعايش العديد من المجتمعات والثقافات المتنوعة»، لافتة إلى أن «مدارس كانتون–بليموث» تعترف بـ66 لغة من لغات العالم.
وأضافت: «إننا نتطلع إلى العمق الإضافي الذي ستضيفه هذه الشركات على تجارب الزائرين والمقيمين في كانتون».
تجدر الإشارة إلى أن بيانات الإحصاء السكاني لعام 2020 وجدت بأن عدد سكان المدينة بلغ 98,659 ألفاً، خمسهم تقريباً مولودون خارج الولايات المتحدة. فيما كشفت الأرقام العقارية عن أنه بُني ما يزيد عن 5,000 منزل جديد منذ العام 2000، ثلثها تم إنشاؤه في السنوات الخمس الماضية، استجابة للنمو السريع في أعداد الوافدين إلى المدينة.
وتظهر التجارب بأن البحث عن تحسين مستوى المعيشة يدفع الكثير من العرب الأميركيين إلى الانتقال للاستقرار في مناطق أكثر هدوءاً وأماناً، حيث تنتقل الأسر في البداية ثم تتبعهم الأسواق التجارية والمكاتب المهنية الأخرى، ثم تقوم الأسواق بجذب المزيد من الأسر، وهكذا. وبالفعل، فقد باتت كانتون تضم مطاعم عربية وروضات أطفال ومهنيين عرب وأطباء ومحاسبين، إضافة إلى مركز إسلامي لخدمة أبناء الجالية.
Leave a Reply