بسبب تحييد قضاياهم عن الأجندة التشريعية رغم «الترويكا الزرقاء» في ميشيغن
ديترويت
إذا كان العرب الأميركيون في منطقة ديترويت قد أظهروا سخطهم على الديمقراطيين في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) بسبب ضلوع إدارة الرئيس جو بايدن في الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، فإن للأفارقة الأميركيين في المنطقة نفسها، أسبابهم الخاصة التي تدفعهم أيضاً للإعراب عن استيائهم المتزايد من الحزب الأزرق، الذي وصل إلى حدّ التلويح بالانقلاب عليه في الدورات الانتخابية القادمة.
فقد حذّر مسؤولون وناشطون سود خلال مؤتمر صحفي في ديترويت، الأسبوع الماضي، من خسارة الديمقراطيين لدعمهم التقليدي من الناخبين السود إذا ما استمروا في تجاهل قضاياهم، مما قد يسهم في تكريس وتعزيز التغيّرات السياسية التي تبدّت خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي تمثلت في استقطاب المرشح الجمهوري دونالد ترامب لنسبة متزايدة من الناخبين الأفارقة الأميركيين، سواء في ديترويت أو عموم ولاية ميشيغن والولايات المتحدة.
وأعرب المتحدثون ومن ضمنهم مشرّعون ديمقراطيون سود من ديترويت، عن إحباطهم الشديد من أداء «الترويكا» الديمقراطية الحاكمة في ميشيغن منذ بداية عام 2023، والمتمثلة في سيطرة حزبهم على مجلسي نواب وشيوخ الولاية إلى جانب مكتب الحاكمية منذ 2019، دون تحقيق أي تقدم ملموس في «القضايا الأساسية» التي تهم الأميركيين السود في ديترويت، مثل العدالة الاجتماعية والاقتصادية، وخفض تكاليف المعيشة، وتحسين المرافق والخدمات العامة.
وحذّر المتحدثون خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد في مقرّ بلدية ديترويت، يوم الاثنين الفائت، من المآلات السياسية لنتائج الانتخابات الأخيرة التي أسفرت عن استعادة الجمهوريين السيطرة على مجلس نواب الولاية بدءاً من مطلع العام المقبل، ما يضع مشاريع القوانين المتعلقة بقضايا السود في مهب الريح خلال السنتين المقبلتين، بعد تفويت فرصة إقرارها في سنتَي «الترويكا».
وأبدى المؤتمرون قلقهم من التغيرات في الميول الانتخابية في أوساط الأفارقة الأميركيين بمدينة ديترويت التي تضم أكثر من ثلث المواطنين السود المقيمين في عموم ولاية البحيرات العظمى، حيث تمكن الرئيس المنتخب دونالد ترامب من كسب آلاف الأصوات الإضافية، بالمقارنة مع نتائجه في عامي 2016 و2020.
وفي العموم، حقّق ترامب في انتخابات 2024 أعلى نسبة تأييد من السود لم يحققها أي مرشح رئاسي جمهوري خلال العقود الخمسة الأخيرة، حيث أظهرت نتائج الانتخابات أن ما بين 20 إلى 23 بالمئة من الأفارقة الأميركيين صوتوا له في عدد من الولايات المتأرجحة، من بينها ميشيغن ونورث كارولاينا وبنسلفانيا وويسكونسن ونيفادا، وهو ارتفاع لافت مقارنةً بحصوله على ما بين 8 إلى 12 بالمئة فقط في انتخابات 2020.
أما في مدينة ديترويت حيث يشكل السود، القاعدة الانتخابية الأكبر والأهم، فقد واصل ترامب تقدّمه بمعدل مطّرد بلغ 3 بالمئة بين انتخابات 2016 و2020 و2024، ليجمع في الدورة الأخيرة زهاء 20 ألف صوت (حوالي 8 بالمئة) مقابل 2.2 بالمئة في 2016، وحوالي 5 بالمئة في 2020.
وأشار المتحدثون إلى أن مجتمع الأفارقة الأميركيين ساعد في منح الديمقراطيين أغلبية تشريعية في كابيتول لانسنغ في انتخابات العام 2022، ولكنهم «لم يتلقوا الكثير بالمقابل»، وحذروا من أن الديمقراطيين «يخاطرون بفقدان دعم الأميركيين من أصل إفريقي على نطاق أوسع إذا لم تتغير الأمور».
وقالت النائبة السابقة في مجلس نواب ميشيغن، وعضو مجلس مدارس مدينة ديترويت حالياً، شيري غاي–داغنوغو: «لقد رأينا بالفعل أشخاصاً يبتعدون عن الحزب، وهؤلاء كانوا مخلصين بالتأكيد للحزب الديمقراطي»، مبرقة برسالة إلى مسؤولي الولاية الذين تجاهلوا ناخبيهم بالقول: «إننا نتحدث إلى هؤلاء الذين لم يقفوا معنا، لن ننسى أنهم لم يقفوا معنا، ولن ننسى أنهم لم يعالجوا التحديات والقضايا التي تؤثر على مجتمعنا».
وطالب القادة السود بإنجاز تشريعات مستحقة لإصلاح العدالة الجنائية وتحسين المرافق العامة وتعزيز الفرص الاقتصادية، مشددين على ضرورة إلغاء بعض القوانين المثيرة للجدل، مثل قانون مدراء الطوارئ وإصلاح بعضها الآخر، مثل قانون التأمين على السيارات الذي يؤثر بشكل سلبي على مجتمعات السود سواء في مدينة ديترويت أو بقية أنحاء ميشيغن.
وفيما حثّت غاي–داغنوغو، الديمقراطيين على تبني وتأييد مشاريع القوانين التي يقدمها تكتل النواب السود، أوضحت السناتورة في مجلس شيوخ الولاية، سيلفيا سانتانا، بأن الوقت قد حان «لكي يتخذ المشرعون السود في كابيتول لانسنغ موقفاً لضمان تحقيق أولوياتهم»، وقالت للصحفيين في أعقاب المؤتمر إنه على المشرعين السود أن يضغطوا إلى أقصى الحدود لتمرير أجندتهم، حتى لو تطلب ذلك عرقلة التصويت على مشاريع قوانين أخرى. وألقت سانتانا باللوم على القيادة التشريعية ومكتب حاكمة الولاية غريتشن ويتمر لتقصيرهم في دعم وتمكين مجتمعات السود عبر تشريعات جديدة.
وفي مقابلة مع «راديو ميشيغن العام»، أبدى رئيس مجلس نواب الولاية الحالي، جو تايت (ديمقراطي عن ديترويت) تفهمه لـ«غضب» المؤتمرين، معرباً عن موافقته بأنه هنالك حاجة لمزيد من الجهود والعمل،
واعترف تايت –الذي لم يحضر المؤتمر– بوجود «نقص في الاستثمار» في مجتمع الأفارقة الأميركيين، مستدركاً بالقول: إن «الكثير قد تحقق بالفعل، لكننا نعلم أنه مازال هناك الكثير الذي يتعين القيام به».
وأضاف بأن الترويكا الديمقراطية المتمثلة بالأغلبية التشريعية في مجلسي النواب والشيوخ ومكتب الحاكمية قد حققت انتصارات لمجتمع الأفارقة الأميركيين، من بينها توسيع ائتمان ضريبة الدخل المكتسب وتشديد قوانين الأسلحة النارية ومكافحة العنف فضلاً عن تعزيز الإنفاق على الإسكان في ميزانية الولاية.
بدورها أيضاً، رسمت زعيمة الأغلبية في مجلس شيوخ ميشيغن ويني برينكس (ديمقراطية عن غراند رابيدز) صورة متفائلة عن إنجازات الديمقراطيين خلال السنتين المنصرمتين، وقالت في بيان: «هناك الكثير من السياسات القوية.. والخبر السار هو أننا قطعنا بالفعل خطوات كبيرة في عدد من هذه القضايا ونتطلع لإيصالها إلى مكتب الحاكمية»، مضيفة: «إحدى حزم مشاريع القوانين التي أشعر بحماس خاص بشأنها هي «حافلة الأمهات»، بقيادة السناتورة أريكا غيس، والتي تهدف إلى تحسين النتائج الصحية للنساء الحوامل السودوات وأطفالهن».
ولكن مع بقاء عدد محدود من جلسات التصويت قبل انتهاء الدورة التشريعية الحالية، وفي ظل الانقسامات القائمة ضمن الأغلبية الديمقراطية نفسها، حول عدد كبير من مشاريع القوانين العالقة في أدراج مجلسي النواب والشيوخ، يستبعد المراقبون أن يتمكن المجلس المنتهية ولايته من تمرير أي من التشريعات المطروحة.
وسوف تختتم الدورة التشريعية الحالية يوم ٢٣ كانون الأول (ديسمبر) القادم، على أن يتولى مجلس النواب الجديد ذو الأغلبية الجمهورية (٥٨–٥٢) مهامه مع بداية العام الجديد.
Leave a Reply