التقرير الأسبوعي
بزعامة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وتحت عنوان «السلام في الشرق الأوسط»، عُقدت قمة شرم الشيخ يوم الاثنين 13 أكتوبر الجاري بحضور قادة وممثلين عن 30 دولة حول العالم، احتفالاً بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الذي جاء في أعقاب وساطات مكثفة قادتها الولايات المتحدة ومصر وقطر لإنهاء الحرب الوحشية على القطاع المنكوب بالتزامن مع الذكرى الثانية على اندلاعها.
الاحتفالية التي جاءت بعد زيارة خاطفة للرئيس الأميركي إلى إسرائيل وإلقائه خطاباً أمام الكنيست، وصفت بأنها بمثابة «جولة النصر» لترامب الذي بذل جهوداً حاسمة في تحقيق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين دولة الاحتلال و«حماس». ولكن رغم تزامن الاحتفالية مع بدء تطبيق «المرحلة الأولى» من الاتفاق ورغم تأكيدات ترامب المتكررة على انتهاء الحرب، سرعان ما حملت الأيام التالية لمؤتمر شرم الشيخ، تساؤلات عميقة حول جدية إسرائيل و«حماس» في المضي قدماً بمفاوضات «المرحلة الثانية» من خطة الرئيس الأميركي، التي تهدف ضمنياً إلى نزع سلاح المقاومة وتحقيق حلّ الدولتين بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، فضلاً عن تطبيع دول المنطقة مع الكيان الصهيوني.
ويؤكد الخبراء أن «المرحلة الأولى» من خطة ترامب، والتي شملت وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن والأسرى وفتح المعابر لدخول المساعدات الإنسانية فضلاً عن انسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية من القطاع المدمر، كانت الجزء الأسهل، مشددين على أن «المرحلة الثانية» هي الأكثر صعوبة، وسط تشكيكات واسعة في إمكانية التوافق حولها.
تبادل أسرى
أفرجت «حماس» الاثنين الماضي عن آخر الرهائن الأحياء من قطاع غزة، وعددهم 20، بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، فيما أرسلت إسرائيل حافلات تحمل مئات الأسرى الفلسطينيين إلى مناطق متفرقة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ليعلن ترامب –قبل وصوله إلى المنطقة– نهاية حرب استمرت عامين قلبت خلالهما الأوضاع في الشرق الأوسط رأساً على عقب.
وبموجب الاتفاق أطلقت إسرائيل سراح 1986 أسيراً، من بينهم 250 من أصحاب المؤبّدات والأحكام المرتفعة، و1736 من أسرى قطاع غزة، الذين اعتقلوا بعد عملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر 2023.
وكان الرهائن الإسرائيليون المفرج عنهم، آخر من بقي على قيد الحياة بين 251 رهينة تم احتجازهم في الهجوم الذي قادته «حماس»، والذي ردت عليه إسرائيل بحرب إبادة واسعة أسفرت عن مقتل وإصابة أكثر من 10 بالمئة من سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، والذين اضطر معظمهم للنزوح أكثر من مرة بين مدن ومخيمات القطاع للنجاة بحياتهم.
وبالفعل، سمح وقف إطلاق النار بعودة عشرات آلاف لما تبقى من أطلال منازلهم التي فروا منها في قطاع غزة. وتقول السلطات الصحية في قطاع غزة إن العدوان الإسرائيلي قتل نحو 68 ألف شخص، وحوّل معظم مناطق غزة إلى أكوام أنقاض وسط ظروف إنسانية كارثية بسبب الحصار.
من جانبه، أعلن الجيش الإسرائيلي تسلّم جميع الرهائن الأحياء، الذين قابلهم الآلاف بالهتاف والعناق والبكاء لدى وصولهم إلى «ساحة الرهائن» بتل أبيب. وفي قطاع غزة، احتشد جمع غفير من الأقارب في استقبال حافلات تقل مئات الفلسطينيين المحررين من سجون الاحتلال.
وقال ترامب للكنيست الإسرائيلي، قبل توجهه إلى شرم الشيخ: «السماء صافية والمدافع صامتة وصفارات الإنذار ساكنة والشمس تشرق على أرض مقدسة أصبحت أخيراً في سلام» ووصف الحرب بأنها «كابوس طويل» للإسرائيليين والفلسطينيين لكنه «انتهى الآن».
وفي وقت لاحق من اليوم نفسه، استضاف ترامب والسيسي أكثر من 20 زعيماً عالمياً في قمة تهدف إلى ترسيخ الهدنة، وقد استهلها ترامب بتوقيع وثيقة مع زعماء مصر وقطر وتركيا ترحيباً بالاتفاقات المتعلقة بغزة وللتعهد «بالعمل الجماعي على تنفيذ هذا الإرث واستدامته»، فيما غاب عن القمة أي ممثل عن إسرائيل أو «حماس»، كما غاب عنها زعيما السعودية والإمارات.
وألقى ترامب خطاباً مطولاً قال فيه إن اتفاق غزة الذي توسط في التوصل إليه قد يكون «أعظم الاتفاقات».
في المقابل، وجد بعض المراقبين في زيارة ترامب إلى القدس المحتلة وشرم الشيخ، تكريساً لشراكة أميركية–إسرائيلية كاملة، مع إجبار العرب على توقيع صك استسلام عبر التزام نزع سلاح المقاومة وتأمين إسرائيل.
وجاء في «إعلان ترامب للسلام الدائم والازدهار»: «نحن الموقعون أدناه، نرحب بالالتزام التاريخي من جميع الأطراف باتفاقية ترامب للسلام وتنفيذها، منهية أكثر من عامين من المعاناة والخسائر الفادحة، فاتحة فصلاً جديداً للمنطقة يسوده الأمل والأمن ورؤية مشتركة للسلام والازدهار».
وأوضح الإعلان: «نحن متحدون في عزمنا على تفكيك التطرف والتشدد بجميع أشكاله. لا يمكن لأي مجتمع أن يزدهر عندما يُصبح العنف والعنصرية أمراً طبيعياً، أو عندما تهدد الأيديولوجيات المتطرفة نسيج الحياة المدنية. نلتزم بمعالجة الظروف التي تُمكّن التطرف، وتعزيز التعليم والفرص والاحترام المتبادل كأساس للسلام الدائم».
كذلك، أشار الإعلان إلى أنه «نلتزم بموجب هذا بحل النزاعات المستقبلية من خلال الحوار الدبلوماسي والتفاوض بدلاً من القوة أو الصراعات المطولة. نُقرّ بأن الشرق الأوسط لا يمكن أن يتحمل دوامة مستمرة من الحروب المطولة، والمفاوضات المتعثرة، أو التطبيق المجزأ أو الناقص أو الانتقائي للشروط التي تم التفاوض عليها بنجاح. يجب أن تكون المآسي التي شهدناها خلال العامين الماضيين بمثابة تذكير عاجل بأن الأجيال القادمة تستحق ما هو أفضل من إخفاقات الماضي».
قضية الرفات
ولكن ما أن سلّمت «حماس» الأسرى الأحياء لديها مقابل تحرير نحو ألفي أسير فلسطيني من سجون الاحتلال، حتى برزت قضية رفات الأسرى الإسرائيليين الذين قضوا في غزة، كـ«حجر عثرة» أمام إطلاق مفاوضات «المرحلة الثانية» من خطة ترامب، وسط مخاوف متزايدة من استغلال حكومة نتنياهو لهذا الملف للتملص من الضغوط الأميركية وعرقلة تثبيت الهدنة.
ويخشى المراقبون من أن تستغل القوى السياسية المعارضة للاتفاق داخل حكومة نتنياهو، خاصة الوزيران المتشددان، بيتسلئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير، لتقويض الاتفاق والدعوة إلى استئناف العمليات العسكرية.
وفي السياق، اتهم وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، خلال محادثات مع مبعوثي البيت الأبيض، جاريد كوشنر، وستيف ويتكوف، «حماس» بـ«التباطؤ» في إعادة جثث الإسرائيليين رغم قدرتها على الوصول إلى عدد أكبر منها، وهو ما تنفيه الحركة بشدة.
وقلّصت إسرائيل عدد شاحنات المساعدات الإنسانية المسموح بدخولها إلى قطاع غزة إلى النصف (300 بدلاً من 600 حسب الاتفاق) كما منعت إدخال الوقود والغاز باستثناء كميات محدودة مخصصة لـ«الاحتياجات الإنسانية الأساسية»، في خطوة فُسّرت على أنها وسيلة ضغط على حركة «حماس» لتسريع تسليم رفات الرهائن الإسرائيليين، الذين قضوا خلال الحرب الأخيرة.
ونقل موقع «أكسيوس» عن مسؤول إسرائيلي كبير، قوله: «نعلم أن بإمكانهم فعل المزيد، ولا نعتقد أن أحداً ينبغي أن يمنحهم أي تنازلات».
من جانبهما، طالب المبعوثان الأميركيان إسرائيل بتقديم كافة المعلومات التي بحوزتها حول المواقع المحتملة للجثث، لتمكين الولايات المتحدة من «تحدي» حماس لبذل المزيد من الجهد. كما أشار مستشارون أميركيون إلى الصعوبات التقنية التي تواجه عملية البحث، موضحين أن جهود انتشال الجثث تتطلب معدات ثقيلة غير متوفرة في غزة حالياً، وفقاً لـ«أكسيوس».
بدوره، أعرب الرئيس الأميركي عن اعتقاده أن «حماس تبحث عن الجثث»، وقال: «إنها عملية مروعة للغاية. هناك مناطق يحفرون فيها ويعثرون على العديد من الجثث، ويجب فصلها. بعض الجثث موجودة هناك منذ فترة طويلة. بعضها مدفون تحت الأنقاض، وبعضها في أنفاق».
وبحلول الخميس الماضي، كانت «حماس» قد سلّمت رفات تسع رهائن من أصل 28 تم تحديدهم بموجب خطة ترامب، فيما لا يزال البحث جارياً عن بقية الجثث.
وجاءت تصريحات ترامب خلال الأسبوع الماضي متفاوتة إلى حد التناقض، وقد طغى عليها تهديده بنزع سلاح حركة «حماس»«بالقوة»، إذا رفضت القيام بذلك طوعاً، ملوحاً باستئناف الحرب الإسرائيلية، في مؤشر صريح على الصعوبات المتوقعة في المفاوضات المقبلة.
وقال ترامب، الثلاثاء الماضي، في منشور على منصته «تروث سوشال» إن «المهمة لم تنته بعد»، مؤكداً أن «المرحلة الثانية بدأت الآن».
وهدّد الرئيس الأميركي بـ«قتل» عناصر «حماس» في حال واصلت الحركة «قتل الناس في غزة»، في إشارة إلى إعدام الحركة مجموعة من العملاء، بعد اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل.
وجاء تصريح ترامب بعد أيام من قوله إنّ عمليات إطلاق النار التي نفّذتها مجموعات في غزة، وشملت إعدامات في أماكن عامة، «لا تزعجه كثيراً»، ووصفها بأنّها «عمليات قتل لأفراد عصابات».
وأظهرت «حماس» سيطرة كبيرة على الأرض في قطاع غزة، منذ البدء في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، الإثنين الماضي، ما شكل مشهداً استفزازياً لحكومة نتنياهو التي وضعت هدف القضاء على الحركة في مقدمة أولويات حربها الوحشية على غزة.
بدورها، دعت حركة «حماس»، الخميس الماضي، إلى فتح تحقيق «عاجل وشامل» إثر استلام جثامين عناصر من «كتائب القسام» وعليها «آثار تعذيب».
ودعت «حماس» المؤسسات الحقوقية الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، إلى «توثيق هذه الجرائم البشعة وفتحِ تحقيقٍ عاجلٍ وشاملٍ فيها، وتقديم قادة الاحتلال للمحاكمة أمام المحاكم الدولية المختصّة، باعتبارهم مسؤولين عن ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانيّة غير مسبوقة في تاريخنا المعاصر». وكان الاحتلال قد أعاد 120 جثماناً من الشهداء الفلسطينيين بعد احتجازها خلال الحرب، وذلك على ثلاث دفعات متتالية.
أما على الصعيد الإنساني، فلا تبدو التهدئة كافية لتبديد شبح المجاعة أو لطمأنة أكثر من مليوني فلسطيني محاصرين منذ سنوات لاسيما مع تمسك إسرائيل يإغلاق معبر رفح الحدودي مع مصر. فقد حذّر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان من استمرار استخدام إسرائيل التجويع سلاحاً ضمن استراتيجيتها في الحرب، مشيراً إلى أن الكميات المحدودة من المساعدات التي سُمح بدخولها بعد الهدنة لا تغطي سوى جزء يسير من الاحتياجات الهائلة للقطاع. ومع تعثّر فتح معبر رفح وتقليص تدفق الإمدادات، يبقى المشهد الإنساني في غزة مهدداً بالانهيار، وسط صمتٍ دولي متواطئ، ووعودٍ لم تتحول بعد إلى فعلٍ ينقذ حياة المحاصرين.
تحديات المرحلة الثانية
تسود أجواء من التوتر الحذر في قطاع غزة، رغم مرور أيام على بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة «حماس»، في ظل استمرار الانتهاكات الإسرائيلية وتبادل الاتهامات بشأن الالتزام ببنود الاتفاق. وتشير المعطيات الميدانية إلى أن حالة الهدوء ما زالت هشة، مع تسجيل عمليات قصف متفرقة وإطلاق نار في عدد من مناطق القطاع، في وقت تتواصل فيه جهود الوسطاء لضمان تثبيت التهدئة ومنع انهيارها بشكل كامل.
وفي خضم تقلب تصريحات ترامب، حذر محللون من أن الأمور قد تسير في الاتجاه الخطأ، مشككين في إمكانية تطبيق جميع بنود خطة الرئيس الأميركي على أرض الواقع، مع ترجيح الكثيرين لتعثر «المرحلة الثانية» من المحادثات، بسبب تمسك «حماس» بسلاحها، ورفض إسرائيل الانسحاب من غزة.
ويرى المراقبون أن دفع حركة «حماس» للتخلي عن أسلحتها، والموافقة على نزع سلاح المقاومة في كامل القطاع، قد يكون أمراً بغاية الصعوبة، ما قد يمنح إسرائيل ضوءاً أميركياً أخضر لمواصلة الحرب في وقت لاحق، نظراً لأن دولة الاحتلال اشترطت نزع السلاح مقابل انسحابها بالكامل من القطاع، وفق ما جاء في خطة ترامب.
كما أن هناك نقاطاً أخرى ضمن النقاط الـ20 التي جاءت بها خطة ترامب لإنهاء الحرب في غزة، والتي يعتقد بأنها ستمثل عراقيل صعبة في مسار مفاوضات «المرحلة الثانية»، كإنشاء قوة دولية لحفظ الأمن، وإعادة الإعمار، وإنشاء لجنة مؤقتة لتسيير شؤون القطاع.
وفي سياق متصل، شدد المدير العام للجنة الدولية للصليب الأحمر كرينبول على أن إعادة إعمار غزة ستتطلب جهوداً ضخمة، مشيراً إلى أن حجم الدمار «لم يشهده في أي من مهامه الإنسانية خلال ثلاثين عاماً».
ولقت كرينبول إلى أن تكلفة الإعمار قد تتجاوز 70 مليار دولار، بحسب تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وقد تمتد على أكثر من عقد من الزمن.
وكانت ترتيبات إدارة القطاع في «يوم ما بعد الحرب» من أكثر القضايا تعقيداً وإثارة للجدل، ولذلك فصلت عن مفاوضات وقف إطلاق النار وأُجّلت إلى المرحلة الثانية.
ومع تعثر المحادثات المتوقع، يقّدر المحللون أن الجيش الإسرائيلي سيتعامل مع «حماس» كما يتعامل مع «حزب الله» في لبنان، حيث سيشن عليها ضربات متقطعة تستهدف أفرادها وبنيتها التحتية.
Leave a Reply