بعيداً عن السياسة ومتاهاتها نتطرق في هذه المقالة، نزولاً عند رغبة بعض القراء الأعزاء، إلى مسألة عيد الفطر السعيد، أعاده الله على الجميع بالخير والصلاح، الذي حل هذا العام بعد أن أكرمنا الباري جل وعلا بفرصة شهر رمضان المبارك السنوية التي لا تعوض من أجل الأجر والثواب والمغفرة والرياضة الروحية والأنسنة البشرية والثورة الذاتية. فالمفروض في عيد الفطر أن يكون عنوان البهجة والحبور ووصل الأرحام وإقامة الولائم والمآدب والعزائم. هكذا “شهدنا” عيد الفطر عندما كنا صغاراً، لم نقدر أن ننام في عشيته نقضيها بالأناشيد والأهازيج في إنتظار يوم الفرحة الكبرى فرحة الألعاب النارية والأراجيح والزيارات العائلية وحرش العيد.
كان عيد الفطر يتكون من ثلاثة أيامٍ بلياليها ومهرجان فرح دائم يكفينا مؤونة السنة فننتظره كل عامٍ بفارغ الصبر. لم نكن، نحن الصغار، نشعر بالفرقة في يوم العيد فلا ندري إذا كان السبب يعود إلى اننا لم نأبه للأمر أم أن التباين إزداد حدةً مع تقادم السنين؟ لكن للأسف في بلاد الغربة القاسية، لم نتمكن من توريث غبطة العيد لأولادنا وربما لم نعد نتمكن من حمايتهم من الإنقسام وتشطير العيد إلى أعياد.
لا نريد في هذه العجالة أن نمس شعرة واحدة من شعر مراجعنا العظام المجتهدين ولا أن نبخسهم حقهم لأننا لا نصل إلى مستواهم في العلم والتقى والورع وهم يوجهون العامة ويرشدونهم فكرامتهم من كرامتنا وعزتنا ونحن فخورون بهم ولهذا السبب نتبعهم في جدهم واجتهادهم. لقد أفنى هؤلاء عمرهم في البحث والتقصي والتفقه والإفتاء، الا أنهم يسمحون لنا بأن نبوح بوجعنا ونبث مشاعرنا ونحس بغصة عندما نشاهد أن إنساناً إحتفل بعيد الفطر المبارك بينما أخيه في نفس البيت الواحد مازال صائماً، أو عندما يعيد أحد الأطفال ويذهب إلى الجامع لصلاة العيد لكن إبن عمه غير معيد في نفس اليوم ولم يشاركه بركة الصلاة في المسجد.
لا نعتقد أن مراجعنا الأجلاء لا يعلمون بهذه المشكلة. لكن كيف نفسر هذا التباين (ولا أقول الخلاف) لأطفالنا؟ بالطبع لا نريد، أن نخوض في مسائل فقهية وشرعية حول ولادة القمر فلكياً أو مسألة خروجه من المحاق أو موضوع وحدة الأفق أوتعدده، جل ما نريده هو أن نتوحد جميعاً في عيدٍ واحد وفي نفس اليوم وأن تجتمع العائلة برمتها في فرحة العيد وتؤدي صلاة العيد والابتهالات الدينية معاً ثم نرسم السعادة على وجوه ابنائنا معاً.
البعض إضطر الثلاثاء الماضي إلى أن يسافر حتى يفطر ولا يقع في إشكالية الصيام في يوم جعله الله للمسلمين عيداً وشرفاً وذخراً وكرامةً ومجيداً، والبعض بقي صائماً في يوم عيد فيه أقرانه فلم يتسن له أن يقول لهم كل عام وأنتم بخير ويشاركهم السرور والأيام الملاح والعكس صحيح. البعض لم يعرف أن مرجعه أفتى بالعيد يوم الثلاثاء، ولم يقتصر الأمر على مذهب بعينه فقد عيدت دول وصامت بلدان عربية أخرى في نفس اليوم.
ليس المقصود أن ننتقص أو نستجوب قرار المراجع الدينية الرشيدة لكن حبذا لو يجد علماؤنا حلاً لهذه المشكلة وهم المؤهلون لهكذا تحدٍ، وهم المتصدون لكل المعضلات الفقهية والعلمية والمستجدات العصرية. هم أجل من أن يدلوا، يعلمون أن الدين الإسلامي هو دين العقل والفكر والمنطق واليسر لا العسر. لماذا لا تتألف لجنة من الفقهاء والعلماء تكون مهمتها الوحيدة العمل على توحيد عيد الفطر المبارك والإتفاق على يومٍ معين واحد، لا يوماً أو ثلاثة أيام متفرقة، على أن تتمثل فيها كل المراجع والمرجعيات الدينية؟ هل هذا صعب؟ وما وجه الصعوبة فيه؟ بل لماذا لا يسحب هذا الموضوع من ساحة التجاذب السياسي والمصلحي الذي نشهده لدى بعد الأنظمة الإسلامية؟ أحد هذه الأنظمة يدفع مليارات الدولارات من أجل تكفير وتهديم مذهب أهل البيت، فلماذا لا يضع هذه الإمكانات الهائلة في خدمة مشروع نبيل يوحد فرح المسلمين بدل بث السموم التحريضية المذهبية وإطلاق فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان؟
أملنا أن يلهم الله قلب قادتنا الدينيون فيفكروا بحلٍ مجدٍ لقضية العيد لأن ديننا هو دين التوحيد والكمال، أعاده علينا في أحسن مآل وكل عام وأنتم بخير.
Leave a Reply