فاطمة روماني
الثالث من حزيران (يونيو)، مدخل لفتح الصراع على مصراعيه بين المجلس العسكري الاتتقالي في السودان وقوى المعارضة المنضوية تحت «قوى الحرية والتغيير». فمع فض الاعتصام أمام مقر القيادة في الخرطوم، فُتحت مرحلة جديدة من التوتر والاتهامات المتبادلة والتراشق اللامحدود بين الطرفين، وبات انعدام الثقة هو المشهد المسيطر على السودان ما بعد الرئيس المعزول عمر البشير، المودع في السجن، والذي ظهر للمرة الاولى أثناء اقتياده من سجن كوبر إلى مقر نيابة مكافحة الفساد للتحقيق معه في تهم فساد وحيازة النقد الأجنبي.
اللاتنازل بات السمة المتجذرة في توجهات الطرفين بعد انهيار صلة وصلهما عبر المفاوضات، وباتت الرسائل المباشرة مقتصرة على تصرفات وردود فعل كل منهما، إذ ارتفع سقف المجلس العسكري عبر فرض قوته المادية وأجندته مقابل التصاعد التدريجي في خطاب المعارضة وأفعالها فهي انتقلت من الإضراب الشامل إلى عصيان مدني شل الحركة في البلاد، حيث خفت مظاهر الحياة بصورة عامة في شوارع العاصمة السودانية، الخرطوم. وأصاب الشلل المرافق الحيوية الهامة، كالبنوك والمطارات وميناء بورتسودان، وعززت هذه الخطوات الميدانية حضور «قوى الحرية والتغيير» وتأثيرها في قطاعات واسعة أبدت تفاعلها في مناهضة المجلس العسكري.
تعقيدات الأزمة السودانية دفعت بدول عديدة إلى التحرك على خطها في مساعٍ ترمي لتقريب وجهات النظر بين فريق العسكر الحاكم وقوى المعارضة، التي تدعي تمثيل الشارع. فهل تغيرت نظرة الإقليم والدول العالمية الفاعلة نحو أزمة السودان، بعد ما بات يعرف بمجزرة فض الاعتصام؟ وهل خسر المجلس العسكري جزءاً من الغطاء الاقليمي والدولي؟
إثيوبيا، كانت أوّل المبادرين بوصول رئيس وزرائها آبي أحمد إلى الخرطوم لعرض وساطة،عبر تكوين مجلس سياديّ من خمسة عشر عضواً، بينهم ثمانية مدنيين، وهو اقتراح لم يلق ترحيباً واستحساناً من قبل الطرفين. وساطة سرعان ما اصطدمت برفض المجلس العسكري طلب «قوى الحرية والتغيير» نقل المحادثات الى أديس أبابا ودعوة رئيس المجلس عبد الفتاح برهان قادة الحركة الاحتجاجية إلى الدخول في مفاوضات غير مشروطة.
زيارة آبي احمد تزامنت مع تحرك سريع من قبل واشنطن، التي أرسلت تيبور ناجي، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون أفريقيا، الى الخرطوم لمعاينة الصورة عن قرب، ومباشرة من ميدان بلدٍ، هو ثالث أكبر دولة عربية من حيث المساحة، ويتجاوز عدد سكانه أربعين مليون نسمة، ويعاني من أزمة اقتصادية طاحنة، إلى جانب أزمته السياسية المتفاقمة، في منطقة مضطربة تكابد الكثير في مواجهة صراعات وحركات تمرد، من منطقة القرن الأفريقي إلى مصر وصولاً إلى ليبيا.
جامعة الدول العربية دخلت بدورها على خط الأزمة، بوصول الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط إلى العاصمة السودانية، الخرطوم، لإجراء مباحثات مع المجلس العسكري الانتقالي الحاكم و«قوى الحرية والتغيير». مباحثات اتسمت بالجدية والإيجابية. ووفقاً لأبو الغيط، قد تؤدي إلى «الانفراج» في السودان عبر التوصّل إلى توافق داخلي.
مساعي جامعة الدول العربية، سبقتها المملكة العربية السعودية بدعوة الأطراف السودانيّة الى تحكيم العقل ومطالبة دولة الإمارات العربية المتحدة بإجراء تحقيق دولي لمعرفة المسؤولين عن المجزرة التي حصلت أمام مقر القيادة، والتي فتحت بازاراً دولياً لزيادة الضغط على المجلس العسكري الذي يتحمل مسؤولية الاعتداءات العنيفة في 3 يونيو، بحسب الاتحاد الأوروبي، الذي رأى أنّ الانتقال الديمقراطي للسلطة في السودان ووحدة وازدهار هذا البلد، أولويات بالنسبة للقادة الأوروبيين.
المعطيات لا توحي حتى الآن بأنّ السودان دخل مرحلة الانفراج، إذ لم تفلح جميع المساعي والضغوط بفتح كوة في جدار الأزمة، لكنها ربما تمنع الانسداد أمام أفق الحل وتخفف من وطأة التشنج بين المجلس العسكري و«قوى الحرية والتغيير»، تمهيداً لإعادتهما إلى طاولة المفاوضات والبحث في صيغ جديدة مختلفة عن خيارات المحادثات السابقة.
فأيّ المسارات سوف تتقدم في السودان؟ التصعيد أم التخفيض؟ الانقسام والتباعد، أم سيسلك الطرفان مسار التهدئة للوصول الى نقطة توافق وسطية في منتصف الطريق؟
Leave a Reply