لم يأت الامر الملكي الذي أصدره العاهل السعودي والقاضي بمعاقبة من يشارك في أعمال قتالية خارج المملكة أو ينتمي لجماعات دينية أو فكرية متطرفة وإرهابية، محض صدفة أو عن طيب خاطر.
وإذا جاء القرار تحت عنوان حماية الأمن والاستقرار و«العمل على تحصين المملكة» و«إزالة اللبس» وقطع الطريق أمام التيارات المتطرفة، فإن الحقيقة أبعد من ذلك بكثير، فالمملكة التي غرقت الى أذنيها في الوحل السوري، وكانت الممول والدافع والمخطط الرئيس للمسلحين في سوريا، وبقيادة مباشرة من الامير بندر بن سلطان مسؤول المخابرات السعودي والذي تغيب هذه الفترة أو غيب حسب رأي المراقبين الذين وجدوا في خلفيات الامر الملكي مسائل أكبر بكثير وأخطر من مسألة حماية الشباب السعودي، وهي إلى وقت قريب كانت تحرض عبر ماكينتها الاعلامية و«شيوخ الفتنة» على الجهاد ولم ينفك أمراؤها يحرضون ويحضون على القتال في سوريا ضد نظام الأسد.
ولعل الأخطر من موضوع الشباب السعودي الذي يشارك في الحرب على سوريا (وهو ما أتى عليه الأمر الملكي بشكل مباشر) هو اشتراك العسكريين السعوديين بالقتال في سوريا، وهو ما أكده السوريون غير مرة سواء في وسائلهم الاعلامية أو في لقاءات الدبلوماسيين مع المنظمات والمغتربين في المهاجر. وإن إشراك هؤلاء كان بمعرفة رسمية إن لم يكن بأمر مباشر، وحسب المعلومات، بتصرف نائب وزير الدفاع السعودي الأمير سلمان بن سلطان، الاخ غير الشقيق لبندر بن سلطان رئيس الاستخبارات السعودية.
وكان الملك عبدالله بن عبدالعزيز قد أصدر الأسبوع الماضي، أمراً ملكياً يفرض عقوبات على من يقاتل بالخارج أو ينتمي لتيارات متطرفة دينية أو فكرية أو مصنفة إرهابية داخلياً أو إقليمياً أو دولياً أو يدعمها أو يروج لها، ونص الأمر الملكي على تشكيل لجنة تحدد التيارات والجماعات المقصودة، مع مهلة شهر لتنفيذ الأمر من تاريخ نشره.
لقد جاء الامر الملكي ووفق معلومات صحفية حازماً جداً بسبب الوضع الذي باتت فيه المملكة بعيد زيارة وزير الخارجية الاميركي الى السعودية والذي جلب معه هدية قيمة للملك السعودي وهو عبارة عن ملف ضخم يثبت تورط السعودية في دعمها للتنظيمات الارهابية الأمر الذي يدفع المجتمع الدولي للتصرف معها كدولة راعية للإرهاب، وهنا مكمن الخطورة، إذ يحتم على الولايات المتحدة التخلي عن معاهدة الدفاع المشترك الموقعة بين البلدين منذ أربعينيات القرن الماضي ما شكّل إحراجاً حقيقياً للمملكة وتم تخريجه أولا بتسفير بندر في رحلة علاجية طويلة الأمد الى الولايات المتحدة وإبعاده عن الساحة السعودية -ولو مؤقتاً- ريثما تهدأ الأزمة التي ورطت المملكة نفسها فيها في بث الفكر التكفيري في أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان ومختلف أنحاء العالم.
الرياح جاءت بما لاتشتهي سفن المملكة وخاصة بعد الحديث عن زيارة أوباما والتي لم يقرها البيت الابيض إلا بعد صدور الأمر الملكي المذكور والذي ترافق بتسريبات من زيارة أردوغان رئيس وزراء تركيا الى ايران والاتفاق الذي لم يفصح عنه مباشرة هو إيجاد مخرج لائق للمملكة للتخلي عن مقاتليها في سوريا، وعدم دعمهم بالمال والسلاح، ولتظهر بمظهر الراعي الأكثر حرصاً على الشباب الذين زجوا في معارك ليست لهم بها ناقة ولا جمل، متذرعة بـ«شيوخ الفتنة» الذين كانوا «السبب» في إرسال الشباب السعودي الى التهلكة.
الامر ليس مفاجئاً لأحد وإنما جاء أسرع من المتوقع، فالتمهيد الاعلامي بدأ من فترة بمهاجمة «شيوخ الفتنة» على قناة «أم بي سي» السعودية وتبعت ذلك فتاوى من الشيوخ الذين كانوا الى وقت قريب جدا يملأون الشاشات بفتاويهم التي تحض على القتال في سوريا ويطالبون بالدعم المالي «للمجاهدين». والآن، وقد اختفت أصواتهم لتأتي بنبرة أخرى خوفا من ارتداد السحر على الساحر وترك النافذة مفتوحة لهؤلاء للعودة من الابواب الخلفية للمملكة تحت شعارات إطاعة ولي الأمر والحفاظ على ابناء الشعب السعودي وشبابه بناة المستقبل الواعد.
Leave a Reply