«ليتل أرابيا» مركز تجاري ثقافي للجالية العربية في جنوب كاليفورنيا
أناهايم – «صدى الوطن»
ضجّت قاعة مجلس بلدية أناهايم في جنوب كاليفورنيا –الثلاثاء الماضي– بالتهاليل والزغاريد عقب موافقة المجلس على إطلاق اسم «ليتل أرابيا» رسمياً على الحي التجاري العربي في المدينة، بعد نحو عقدين من مطالبات أبناء الجالية بالاعتراف بالاسم الرائج للمنطقة التي تتركز فيها عشرات الأسواق الشرق أوسطية على طول شارع بروكهورست في غرب المدينة.
وبذلك أصبحت «ليتل أرابيا» أول منطقة ثقافية وتجارية عربية أميركية، يتم الاعتراف بها رسمياً في الولايات المتحدة، وهي تقع على مقربة من «الحي الصيني–الفيتنامي» (ليتل سايغون)، وتبعد قرابة ميلين عن «ديزني لاند».
وكانت الأعمال التجارية العربية قد بدأت بالظهور في تلك المنطقة في بداية ثمانينيات القرن المنصرم، ومع تأسيس المزيد منها بمرور الوقت، ساهم العرب الأميركيون في تحويل الجزء المهمل من شارع بروكهورست إلى مركز تجاري وواحة ثقافية تجذب الزوار والمتبضعين من كافة أنحاء جنوب كاليفورنيا.
واتسم اجتماع المجلس البلدي حول الاعتراف بالحي العربي، بجولة طويلة من مطارحات الأعضاء المتشككة بجدوى القرار، ومطالبات بتأجيل التصويت إلى ما بعد إنجاز دراسة مفصّلة للكوريدور التجاري الممتد على طول شارع بروكهورست، بين شارعي باول وبرودواي.
لكن، تمّ –في نهاية المطاف– تمرير القرار بأغلبية كاسحة، ما شكّل مفاجأة صاعقة للجميع.
وكان العديد من الفعاليات العربية، بمن فيهم رجال أعمال وأساتذة جامعيون ونشطاء حقوقيون، قد دأبوا لأكثر من عشرين عاماً على مطالبة بلدية أناهايم باعتماد التسمية الشعبية (ليتل آرابيا) في وثائق التنظيم المدني والسياحي، غير أن جهودهم قوبلت بالتلكؤ والتحجج بعدم وجود سياسات رسمية لتصنيف الأنشطة الإثنية في المدينة المتنوعة عرقياً وثقافياً.
وفي أعقاب تمرير القرار، أوضح الناشط رشاد الدباغ، مؤسس «المجلس المدني العربي الأميركي»، الذي قاد حملة الاعتراف بـ«ليتل أرابيا» لسنوات طويلة، بأن الجالية العربية في مقاطعة أورانج طالبت المدينة بالاعتراف رسمياً بالحي العربي تكريماً لإسهامات المجتمع العربي الأميركي وتمكين أصحاب الأعمال التجارية المحلية من النهوض بمصالحهم ودعم عائلاتهم المهاجرة من العالم العربي.
من جانبه، أشار عضو المجلس خوسيه مورينو –الذي تقدّم بمشروع القرار– إلى أن التسمية الجديدة ستخلق علامة تجارية إضافية في مدينة أناهايم، إلى جانب المناطق التجارية الأخرى، مثل «ليتل سايغون» (الحي الفيتنامي–الصيني) و«كوريا تاون»، التي تعرف محلياً باسم الحي الكوري.
أما زميله خوسيه دياز، الذي غالباً ما كان معارضاً لتسمية «ليتل أرابيا»، فقد غيّر رأيه خلال التصويت، وتحدث بحماسة عن أهمية الاعتراف بالحي المزدهر تجارياً، معرباً عن تأثره بشغف المجتمع لتصنيف المنطقة كحي عربي. وقال: «إن هذه المنطقة باتت موطناً للكثيرين، الجالية العربية موجودة، وليتل آرابيا موجودة أيضاً».
وكان مشروع القرار قد طالب –في البداية– بإطلاق التسمية على المنطقة الممتدة على جانبي شارع بروكهورست، بين شارعي كايتيلا وكريسينت أفنيو، قبل أن يتمّ توسيعها إلى الحدود الحالية بناءً على اقتراح من عضو البلدية أفيلينو فالنشيا من أجل ضمان دعم الأعضاء الآخرين للمضي قدماً في القرار.
وقال فالنشيا: «أعتقد بأنه توجد حاجة ماسة لإجراء دراسة شاملة حول المنطقة، ولكنني منفتح –أيضاً– على التحرك باتجاه اعتماد التسمية للتأكيد على أننا نتمتع بحسن النوايا، وتقديم شبكة أمان للمجتمع».
وأعرب العديد من أصحاب الأعمال العربية بأن الاعتراف بـ«ليتل أرابيا» لا يجعلهم يشعرون بالفخر والتقدير وحسب، وإنما سيساعد كذلك في جذب المزيد من البيزنس إلى الكوريدور الذي يضم عشرات الأسواق الشرق أوسطية، بما فيها المطاعم والمخابز ومقاهي الأركيلة ودكاكين البقالة ومحلات الألبسة العربية والإسلامية.
ورغم الأجواء الداعمة لتسمية «ليتل أرابيا» في أوساط الجالية العربية في مقاطعة أورانج، إلا أن بعض أصحاب الأعمال التجارية في المنطقة أبدوا قلقهم من القرار الجديد، إما بسبب تخوفهم من رفع الضرائب المفروضة عليهم، أو بسبب وقوع متاجرهم خارج حدود الحي.
وقد تطرقت العضو غلوريا مائي إلى مخاوف تلك الفئة من المستثمرين خلال مناقشات مشروع القرار، وقالت: «نريد أعمالاً عربية أميركية في أناهايم»، مضيفة: «لا أحد يحاول طردهم من تلك المنطقة».
دعم المجتمع
جاء قرار الاعتراف الرسمي بـ«الحي العربي» بعد حوالي ساعتين ونصف من تعليقات الجمهور الذي ضم مزيجاً من العرب والأعراق الأخرى، والذين طالبوا في غالبيتهم بتمرير القرار دون انتظار الدراسة التجارية المقترحة.
وقال محمد عبد الحق، وهو أستاذ من أصول فلسطينية يدرّس علم الاجتماع في كلية محلية، إنه انجذب إلى المنطقة منذ انتقاله إلى كاليفورنيا لأول مرة قبل 15 عاماً، مضيفاً: «لقد سمحت لي ليتل أرابيا بالاختلاط بأشخاص يشبهونني ويتحدثون لغتي ويشاركونني تقاليدي ومأكولاتي».
وحثّ المدير التنفيذي لفرع «مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية» (كير) في مدينة أناهايم، حسام علوش، وكذلك الناشطة في «اللجنة الأميركية العربية لمكافحة التمييز» (أي دي سي)، دوريس بيطار، مجلس المدينة على الإسراع بتمرير القرار، لتكريم العرب الأميركيين ودورهم في ازدهار وإثراء مقاطعة أورانج ثقافياً واقتصادياً.
وعرّض علوش بتلكؤ المدينة في اعتماد تسمية «ليتل أرابيا» رسمياً، وقال: «يبدو أن الجميع هنا يشعرون بوجود الجالية العربية، ويحتفلون بالمجتمع العربي وبالحي العربي، باستثناء المدينة نفسها».
من جانبها، أوضحت سيسيل صرّوف، وهي من الجيل الأول من المصريين الأميركيين، بأن التجار وأصحاب الأسواق والمؤسسات في «ليتل أرابيا» «أثبتوا التزامهم تجاه مدينة أناهايم»، وقالت: «لقد حان الوقت لكي تظهر أناهايم التزامها تجاه المجتمع الذي خدمت مساهماته الاقتصادية كامل المدينة، بشكل فعال للغاية».
وأشارت صرّوف إلى المكانة العاطفية لمنطقة «ليتل أرابيا» لديها، كونها تذكرها بوالدتها الراحلة، والتي توفيت وهي تفتقد مدينة القاهرة، وقالت إنها تريد أن يُبنى مركز ثقافي عربي في المنطقة.
أما سلمى المعايطة، فأكدت أنها ستكون سعيدة للغاية إذا قامت المدينة بنصب لافتة كُتب عليها «ليتل أرابيا ترحب بكم». وقالت: «كعربية أميركية سأكون سعيدة ومليئة بالبهجة إذا فعلتم ذلك، وسأشعر بالتقدير وبأن وجودنا هنا يهمّ».
وأضافت المعايطة: «إن اعتماد التسمية رسمياً سيعني الكثير بالنسبة لي، وبالنسبة للآخرين، وللمجتمع برمته».
ولفتت عمتها، فاتنة جودة ، وهي معلمة من أصول فلسطينية، إلى أنها كابنة مهاجرين تعيش في المنطقة وتشهد مجتمعاً عربياً مزدهراً، وقالت إن المنطقة تعطيها إحساساً فريداً بالانتماء والاعتزاز بهويتها الثقافية.
وأضافت جودة: «لقد سمحت هذه المنطقة لعائلاتنا بالتكيف مع العيش هنا في أميركا، وخلقت نظام دعم فعال، كما ساهمت في التخفيف من مشاعر الغربة التي تعترينا في بعض الأحيان».
وأكدت آية ديفيد، بأن تسمية «ليتل أرابيا» لا تعني العرب فقط، وإنما تعني الولايات المتحدة بأكملها، وكذلك العالم بأسره. وقالت: إنه يعني الكثير حقاً أن تروا من هم العرب، وأن ترونا، وتروا وجوهنا، وتسمعوا لغتنا، وتأكلوا طعامنا، وأن تعرفوا أننا لسنا من ترونه في الأخبار»، في إشارة إلى الصور النمطية السلبية حول العرب في وسائل الإعلام الأميركية.
دعم رسمي
وكان مشروع قرار تسمية «ليتل أرابيا» قد حظي بدعم العديد من مسؤولي ولاية كاليفورنيا، وفي مقدمتهم ممثلة المنطقة في مجلس نواب الولاية، شارون كويرك–سيلفا، والنائب في مجلس نواب كاليفورنيا لو كوريا، وعضو مجلس شيوخ كاليفورنيا جوش نيومان، الذي أرسل نائباً عنه، وهو نايثن باس، لحضور اجتماع الثلاثاء الماضي.
وخلال فترة المداخلات العمومية، قرأ باس رسالة من نيومان، جاء فيها: «لقد عملت ليتل آرابيا كمحرك اقتصادي في ما كان سابقاً منطقة بيع بالتجزئة غير مستغلة بالكامل». وأضافت الرسالة: «الإقرار رسمياً بالتسمية الجديدة من قبل مجلس المدينة سيحيي ذكرى الاستثمارات الملموسة والفوائد التي جلبها مجتمع الأعمال العربية إلى المدينة.. وكل هذا التطور حدث دون إعانات من مجلس المدينة أو دافعي الضرائب المحليين».
Leave a Reply