أعادت هجمات الثالث عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) على باريس الأذهان إلى مناخات هجمات الحادي عشر من أيلول (سبمتبر) فـي العام 2001 على برجي التجارة الأميركيين، إلى درجة أن الكثير من المحللين باتوا يصفون هجمات باريس الدموية بـ«11سبتمبر فرنسي» من حيث دمويتها ودلالاتها وما يمكن أن تفضي إليه من نتائج سياسية واجتماعية وثقافـية عميقة. فـي حين تشير الكثير من الوقائع والتصريحات السياسية وردود الأفعال الأميركية على المستويين الشعبي والسياسي إلى أنه يمكن وصف تلك الهجمات -بدون مبالغة- بـ«13 نوفمبر أميركي».
ففـي أعقاب هجمات باريس (وما سبقها وما تلاها من أعمال إرهابية كان آخرها تفجير حافلة فـي تونس) ارتفعت مناسيب العداء للعرب والمسلمين فـي الولايات المتحدة فـي ظل استمرار الخطاب المعادي لهم من قبل السياسيين الأميركيين ووسائل الإعلام الأميركية، والذي لا تقل حدته وعدائيته وتلفـيقاته عما تضمنه خطاب جورج دبليو بوش قبل نحو 14 عاماً وسياساته التي قادت إلى غزو العراق وتدميره، ثم لتأتي سياسة الرئيس أوباما التي قادت إلى الفوضى غير البناءة فـي الشرق الأوسط والتي كان من أبرز نتائجها تمكين الجماعات الإرهابية وفـي مقدمتها تنظيم «داعش» الذي خرج بسبب السياسات الأميركية المتهورة وفتح «صندوق الشرور» فـي العالم.
على الفور بدأ بعض المرشحين الجمهوريين لمنصب الرئاسة الأميركية، فـي مقدمتهم المرشحان دونالد ترامب وبن كارسون، بترويج المشاعر المناهضة للمسلمين بشكل أفرز حملة تشويه واسعة تجاه الإسلام والمسلمين فـي أميركا، وبشكل يتعارض على نحو صارخ مع مواد الدستور الأميركي وقيم الثقافة الأميركية، ففـي آخر ادعاءاته الكاذبة، ادعى ترامب أنه شاهد بأم عينه «آلاف المسلمين العرب فـي مدينة جيرزي (ولاية نيوجيرزي القريبة من مدينة نيويورك) وهم يرقصون فرحا بتدمير برجي التجارة العالميين فـي 11 سبتمبر 2001» وتبعه على الفور كارسون بالادعاء ذاته، على الرغم من أن وسائل الإعلام الأميركية لم ترصد أي مظهر من مظاهر الفرح أو الشماتة لدى مجتمعات الجالية العربية فـي الولايات المتحدة.
وعلى العكس من ذلك، فإن حالة الابتهاج الوحيدة بانهيار البرجين، والتي تم رصدها من قبل شبكة «أي بي سي نيوز»، كانت لخمسة أشخاص إسرائيليين يعملون فـي شركة إنتاج للأفلام السينمائية مقرها فـي ولاية نيوجرزي، وقد تم توقيفهم من قبل «مكتب التحقيقات الفدرالي» (أف بي آي)أثناء قيامهم بالتصوير «بينما تعالت ضحكاتهم الممتزجة بالسخرية». وكما هو متوقع ومفهوم فإن مثل هذه الحادثة سيجري التعامل بوصفها حادثة معزولة وغير ذات دلالات وسيجري شطبها من ذاكرة التاريخ الأميركي.
وفـي هذا السياق، يؤكد الكثير من المراقبين أن المسلمين الأميركيين يواجهون فـي الأيام الأخيرة حملة هي الأكثر حدة من نوعها فـي التاريخ الأميركي، الأمر الذي يضعهم فـي حرج شديد ويصبغ أيامهم ومشاعرهم بالخوف والتوجس الدائمين.
والأمثلة على ما يواجهه المسلمون فـي الولايات المتحدة من كراهية وتشكيك بانتماءاتهم الوطنية تزداد يوما بعد يوم، فقبل أيام أظهر شريط فـيديو بث على موقع «يوتيوب» أحد الأميركيين (ممن قصدوا اجتماع مجلس بلدية مدينة فريدريكسبيرغ بولاية فـيرجينا لمناقشة خطة لتوسيع مركز إسلامي أنشئ قبل ثلاثين عاما فـي المدينة) وهو يقول «لا أحد يريد ديانتكم اللعينة فـي هذه المقاطعة» وتعهد بالقول «سأفعل كل ما بوسعي للتأكد من أن هذا لن يحدث لأنكم جميعكم إرهابيون»، فـيما ظهر فـي الشريط شخص آخر وهو يصيح «نقولها جميعا: المسلمون أشرار».
وبينما يحاول البعض أن يظهر أن مشكلة المسلمين فـي الولايات المتحدة بأنها مع الهمج والرعاع وليست مع النخب، تكذب هذا الزعم الوقائع وتصريحات بعض «النخبة» أنفسهم، الذين منهم المرشحان ترامب وكارسون الذي شبه اللاجئين السوريين بـ«الكلاب المسعورة»، فـيما طالب ترامب بإصدار بطاقات لتعقب مسلمي أميركا، كما دعا الى مراقبة لصيقة لمساجد المسلمين الأميركيين، وعلى الرغم من العنصرية القبيحة التي تتسم بها مواقف المرشحين، إلا أنهما مستمران فـي تصدر قائمة المتسابقين الجمهوريين إلى البيت الأبيض.
فـي الجهة المقابلة، أعادتنا هجمات باريس -نحن العرب والمسلمين فـي أميركا- إلى مناخ أحداث هجمات الحادي عشر من أيلول 2001، لدرجة أننا تعبنا من التبرؤ من جرائم وإيديولوجيا الجماعات التكفـيرية التي تشن هجماتها الانتحارية واعتداءاتها البربرية دون أن تفرق بين المسلمين وغيرهم. ويبدو أن «خصومنا» فـي الدول الغربية لا يكتفون بإدانتنا لانتهاكات تلك الزمرة التكفـيرية، فنحن فـي نظرهم متهمون وما من وسيلة لإثبات براءتنا، ولذلك علينا أن ندفع أثمانا باهظة مضاعفة، فالتكفـيريون يقتلوننا ويهجروننا ويشردوننا وفـي الوقت نفسه يقوم الآخرون بتحميلنا مسؤولية تلك الأعمال الإرهابية، والتشكيك بقيمنا واعتقاداتنا.
للأسف، المسلمون الأميركيون باتوا بحاجة الى ما يطمئنهم بأنهم مواطنون متساوون مع باقي الأميركيين، وأنهم لم يصبحوا فعلاً «العبيد الجدد» فـي هذه البلاد. إن أكثر ما يؤذينا ويتعبنا هو أننا نحن المستهدفون من قبل التكفـير الداعشي ونحن الضحايا، ثم يطلب منا أن نقوم بدفع الأثمان، التي أقلها الاعتذار عن تلك الجرائم والهجمات الإرهابية.
إن ثقافة الكراهية والتمييز ليست طارئة على الثقافة الأميركية، ولقد تواجد أميركيون شرفاء على مر العصور ممن قاموا بإنصاف المظلومين والمضطهدين، وقد آن الأوان لأصحاب الأصوات الشريفة والعقول النبيلة من الأميركيين أن يقفوا بصلابة وجدية أمام خطابات الكراهية والتمييز ضد المسلمين التي يستمر أبناء جلدتهم على نشرها وترسيخها فـي المجتمع الأميركي.
Leave a Reply