وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
هو العنوان الذي بات الشغل الشاغل للّاعبين الأساسيين على الساحتين الإقليمية والدولية: «صفقة القرن».
فباستثناء الخلاف الأميركي الإيراني، لا حديث سوى عن تلك الصفقة وبنودها، والخطوات التي تتخذها واشنطن لتنفيذها وجعلها أمراً واقعاً، إلى الدول المنغمسة في مسارها، وصولاً إلى ارتداداتها وتبعاتها على دول المنطقة، ولا سيما مصر والأردن وسوريا ولبنان والعراق.
لماذا العراق؟
ربما كان بديهياً تناول ما كان يُعرف بدول الطوق أثناء الحديث عن «صفقة القرن»، وهي الدول التي لا بد وأن تطالها المتغيرات والخطط التي يرسمها ويجتهد في بنائها عرّاب الصفقة جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي والمشرف على تسويق خطته للسلام وتحقيقها. غير أن الكلام عن دور للعراق في تلك الصفقة يستدعي تساؤلات مشروعة حول مسائل متعددة تمثل أهدافاً حقيقية تحاول واشنطن تمريرها من خلال إشراك بغداد بطريقة أو بأخرى في مجريات هذه الصفقة.
فإيران بصلاتها العميقة والمتينة بشريحة لا بأس بها من مكونات الشعب العراقي وامتداداتها داخل المؤسسات الرسمية من حكومة ومجلس نواب، تشكل مبعث قلق لرعاة فكرة «صفقة القرن» والدائرين في فلكهم. فالعقيدة الإيرانية كما يصرّح عنها المسؤولون في طهران واضحة وصريحة لجهة استعادة كامل الأراضي الفلسطينية واعتبار إسرائيل العدو الأساسي، هذا بغض النظر عن الأساليب التي تتبعها القيادة الإيرانية وجدواها لتحقيق رؤيتها تلك.
إن استمرار تلك العلاقة يؤرق واشنطن ويدفع بها إلى السعي بشتى الوسائل من أجل فكّ هذا الارتباط القائم بين الدولتين بحكم التاريخ والجغرافيا، وربما كان التلويح بسلاح العقوبات الاقتصادية من أهم تلك الوسائل، إضافة إلى إعادة تكثيف الوجود العسكري على الأراضي العراقية على نحو غير معلن ولا سيما في المحافظة الغربية، الأنبار.
محاولات إقحام العراق في الصفقة
مجموعة من الخطوات ربما كانت أيضاً تندرج في السياق عينه، قام بها بعض أركان السلطة العراقية، بدأت بالقمة الثلاثية التي جمعت رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني في آذار (مارس) الماضي، وتضمنت بحثاً في الاستعدادات الدولية لإنشاء تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي الذي يسعى الرئيس الأميركي إلى إنشائه، رغم عدم إشارة البيان الختامي للقمة إلى هذه النقطة وقتذاك، لكن كواليس السياسة العراقية تمتلئ بالمخاوف والهواجس إزاء هذه المسألة.
محللون اعتبروا أن هذه القمة جاءت تكملة لجهود الملك الأردني الذي زار العراق بداية العام الحالي، وهي الزيارة الأولى من نوعها منذ نحو عشر سنوات، حين زار الملك الهاشمي بغداد عام 2008، وكانت أول زيارة لزعيم عربي لعاصمة العراق بعد سقوط نظام صدام حسين. الملك الأردني هدف من خلال زيارته تلك إلى استكمال فكرة «استنقاذ» العراق من الحضن الإيراني، علماً أن هذا الأمر يبدو صعب المنال، على الأقل في المدى المنظور لما نسجته إيران من علاقات اقتصادية وسياسية وحتى اجتماعية وطيدة مع العراقيين منذ سقوط نظام صدام حسين.
أما بغداد نفسها فلا تنفك تحاول بغالبية قواها إسباغ اللهجة الجامعة على خطابها الرسمي، وهذا ما كان قد أكده الناطق باسم خارجيتها، أحمد الصحاف، في تغريدة له عبر موقع «تويتر» بعد لقائه نظيريه الأردني والتركي حيث قال: بغداد اليوم هي نقطة التقاء وبناء لأشقائنا وأصدقائنا لا نقطة خلاف ونزاع.
ولا بد من الإشارة هنا إلى الجهود الحثيثة لتفعيل العلاقات الاقتصادية بين كل من الأردن ومصر من جهة والعراق من جهة ثانية، لسبب واضح ومعروف، هو سحب البساط من تحت أقدام كل من إيران وتركيا اللتين تتمتعان بالنفوذ الاقتصادي الأقوى هذا إذا لم نقل إنهما تسيطران على الاقتصاد العراقي منذ 2003.
الحلبوسي: تناغم مع الصفقة أم ضرورات رسمية؟
في السياق نفسه، أي السعي إلى إقحام العراق في صفقة القرن، تبرز اتهامات لرئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، الذي أطلق في نيسان (أبريل) الماضي تصريحات تتناقض مع توجهات تحالف البناء الذي ينتمي إليه، فقد اعتبر أن الوجود الأميركي ضمانة لاستمرار العراق، مشدداً على أهميته، بل وصل به الأمر إلى اعتبار أن المطالبة بسحب القوات الأميركية تصب في مصلحة الإرهاب. الحديث يتركز هنا عن التحرك المكثف للقوات الأميركية في الأنبار، وعن عقد اجتماعات دورية ومتلاحقة مع شيوخ العشائر ولا سيما تلك التي صمدت في وجه «داعش» لتسليحها درءاً لخطر انبعاث التنظيم الإرهابي من جديد. هذا هو الهدف المعلن، أما الهدف الخفي فهو كما يتردد أنه محاولة لتأمين الطريق الدولي بين عمان وبغداد والأنبار، وهو ما كانت تسعى إليه المخابرات الأردنية منذ أيام سيطرة داعش، لكن انقلاب العشائر ضد التنظيم حال دون ذلك.
هنا يورد البعض اسم الحلبوسي، باعتبار أنه ليس بعيداً عن تلك التحركات وهو المحافظ السابق للأنبار، مع ما يعنيه ذلك من شبكة علاقات واسعة كان قد نسجها مع وجهاء المنطقة وشيوخ عشائرها. مقولة ينفيها جملة وتفصيلاً القيادي في الحركة الإسلامية حسين الأسدي في اتصال مع «صدى الوطن» حيث أكد أن كل ما يقوم به الحلبوسي إنما يصب في مصلحة العراق ودعم استقراره وأمنه وسيادته، بما في ذلك لقاؤه بمحمد بن زايد والملك عبد الله الذي حصل من موقع الحلبوسي الرسمي، محيلاً أصابع الاتهام إلى بعض الأصوات المعروفة، على حد تعبيره، والتي لا ترى حرجاً في التصريح العلني عن انخراطها في المحور الأميركي مع ما يستتبع ذلك من تفاصيل وخطط تُرسم للمنطقة سواء لجهة «صفقة القرن» أو غيرها، من أمثال رئيس الوزراء السابق أياد علاوي والنائب ظافر العاني رابطاً اتهامه بالدعوة التي أطلقها هؤلاء سابقاً إلى حل الحشد الشعبي، وإلى تقاطع مصالحهم مع المصالح الأميركية.
ولفت الأسدي إلى قيام واشنطن بمحاولة تجنيد 13 ألف مقاتل، وإلى نشرها المزيد من القوات الأميركية بعيداً عن الإعلام. لكن الأسدي لا يغفل الإشارة إلى وجود تحفظات على مواقف الحلبوسي من قبل البعض. وعن إمكانية نشوء صراع عراقي داخلي على خلفية التموضعات المتناقضة بين المحور الذي يدور في فلك إيران وهو بالطبع المحور الرافض بالمطلق لـ«صفقة القرن» وكل تبعاتها، والمحور المنخرط في المشروع الأميركي الساعي بكل ثقله إلى الإسهام في تلك الصفقة لما يرى فيها من فائدة ومصلحة.
يعتقد القيادي في الحركة الإسلامية أن الأمور لا يمكن أن تصل إلى حد المواجهة العسكرية، لافتاً إلى أنه رغم استبعاد ذلك، إلا أنه في حال حصوله، فإن الحركة الإسلامية وكل القوى المتحالفة معها ستنحاز حكماً إلى المحور الذي تتزعمه طهران من دون أدنى شك.
مؤتمر البحرين
مؤتمر البحرين أو ورشة المنامة كما اصطُلح على تسميتها، والتي دعت إليها الولايات المتحدة لبحث الجوانب الاقتصادية لـ«صفقة القرن» وفق الإعلام الأميركي، يومي الخامس والعشرين والسادس والعشرين من الشهر الحالي، انضمت إليها وأعلنت المشاركة فيها كل من مصر والأردن والمغرب، ليأتي موقف العراق متمايزاً، حيث صرّح الناطق باسم الخارجية العراقية بأن بلاده غير معنية بهذا المؤتمر ولن تشارك فيه.
هذا الموقف الرسمي قوبل بدعم واسع في الداخل العراقي، واعتبره النائب عن تحالف «الإصلاح» مضر خزعل، موقفاً شجاعاً وقوياً، مؤكداً أن العراق سيرفض الضغوط الأميركية للتراجع عن موقفه هذا إزاء القضية الفلسطينية.
الخلاصة
قضية «صفقة القرن» ورغم أهميتها، شأنها شأن كل القضايا التي تُطرح في الساحة العراقية تولّد انقساماً حاداً إزاءها. إلا أن الصفقة موضوع بحثنا، فهي ومن دون أدنى شك تجد لها من يدعمها ويروّج لها، وفي المقلب الآخر تجد من يقف في وجهها ويعارض تنفيذها حتى الرمق الأخير. وما يقوّي من عزيمة أصحاب هذا الرأي هو موقف الفلسطينيين أنفسهم الذين لم يجتمعوا على مبدأ كما اجتمعوا على مبدأ رفض «صفقة القرن»، إلى حد اعتبارهم كل من يشارك في الإعداد أو التنسيق لها، خائناً ستلعنه الشعوب العربية كلها.
هي ليست خطة تسوية، يقول محللون، بل هي تجاوز لكل القرارات والقوانين الدولية، وفرض لوجهة نظر منحازة تماماً لإسرائيل، تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وحصرها في إطار اجتماعي معيشي بعيداً عن جوهرها وهو الحق في استعادة كل الأراضي الفلسطينية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية عليها وعودة اللاجئين.
فهل يحافظ العراق على موقفه الرافض للصفقة فينأى بنفسه عن المشاركة فيها، ويصمد أمام الضغوط الأميركية؟ الإجابة رهن الأيام المقبلة.
Leave a Reply