حنان شرارة
إلى الأخ والصديق بلال شرارة، الإنسان، المثقف، المكافح، المعطاء… قبل أن تكون القريب والزميل.
أرحلت؟ لم نفترق بعد. مثلك لا يغيب بل يحلق في مدارات الكواكب ويحتل التكوين. أنت ومضة النور في إشراقة الفجر وحكاية الانتماء في الطريق الوعر.
قاومت المرض مبتسماً وصابراً. رسمت لنا من خلف متراس الأوجاع طريق الأمل المغروس في محيّاك البهيّ كبسمة طفل. نبهتنا إلى مغبة الوقوع في اليأس رغم انسداد الأفق قبل أن ترحل محفوفاً بأجنحة الضوء التي لا تخبو.
كنت ابن عصرك، ثمرة جنوبية أينعت حباً وامتزجت بصهيل الشعر والأدب.
كنت واضحاً في انتمائك. تسابقت في قلبك قضية فلسطين والثقافة. كنت شفافاً في أولوياتك؛ فلسطين في الوجدان والتوجه… لم تزل كلماتك عنها تحتل الأفق وتختصر التوقيت. كنت مناضلاً بعشق، والمناضلون لا يترجلون عن صهوة الحق بل يرتقون إلى حيث لا حق يموت ولا مظلوم يخيب. كنت تقيم دائماً في المقدمة وتسكن في التمهيد.
غير فلسطين، كقضية حق لا تقتصر على جغرافيتها، لم يشغلك شيء عن الثقافة. حتى في نضالك اخترت الثقافة سلاحاً كلماته أمضى من الرصاص. لم تأخذك المسؤولية التنظيمية ولا المنصب الرسمي ولا تجاوزات الطامحين بعيداً عن الثقافة. حتى زياراتك داخل لبنان وخارجه كانت تتمحور حول همٍّ واحد. كيف نبقي على جذوة الكلمة والإبداع بين شبابنا في زمن التفسخ والانقسامات والولاءات المنغلقة. كنت تريد لجبل عامل أن يبقى منارة ثقافة وإبداع وأريحية عصياً على الجفاف والضحالة والعتمة. تركت على أبواب ذاكرتنا مناديل عمر، لم تكن شخصاً عابراً في حياتنا بل كنت خلاصة أيامنا.
أرحلت؟ ونحن بحاجة إليك الآن أكثر في زمن الأسئلة الصعبة والزوابع والأعاصير.
كنت مميزاً في كل مواقفك. واجهت الاحتلال، لم تنحن للدكتاتوريات بجميع أقنعتها، والقمع بكل أشكاله. لم تقبل الفكر البوليسي بكل ممارساته. والحق أنك كنت تتقبل كل الآراء بروية مثقف وحكمة مسؤول. حملت بيدك مفاتيح القصيدة وعناوين الوطن… حافظت على ذاكرة كادت تندثر ولم تقصر في العمل من أجل الكلمة تنظيماً وتشجيعاً وعطاء.
في زمن يكثر فيه الموت فينا في غياب الإحساس بالمسؤولية وتقاذف التهم بين من يفترض أنهم المسؤولون ويفتك بشعب لبنان الجوع والمرض ويعم الجهل ويتعمم، أخجل أن أقول لك: نم قرير العين، لأن جميع العيون دامعة والقلوب تنزف على وطن يحترق في آتون الصراع على الحصص.
إن غاب جسدك لن يغيب حضورك. ستبقى صوت الطيبين والمبدعين والقابضين على جمر الكلمة. ستبقى سيرتك المشرفة شعلةً تضيء عتمة أيامنا، وستبقى شاعر كل الفصول والسيف الذي لا ينكسر واقفاً في وجه القهر والظلم.
كنت فريداً في عطائك وكرمك وترفعك، وها أنت ترحل منفرداً بجسدك الذي عاجله المرض، لكن ذكراك العطرة ستبقى في كل من عرفوك وزاملوك وأحبوك.
Leave a Reply