هامترامك – استقطبت هامترامك، الأضواء مجدداً بعدما تبنّت الأسبوع الماضي قراراً بحظر رفع علم المثليين والمتحولين جنسياً ضمن الممتلكات العامة للمدينة، من دون الإشارة إليه بشكل صريح، ما أعاد المدينة إلى واجهة النقاش المحتدم حول قضايا مجتمع «الميم» في كافة أرجاء البلاد.
وكان أعضاء مجلس هامترامك، وجميعهم من المسلمين، قد وافقوا –بالإجماع– الثلاثاء الماضي على تمرير قرار يمنع رفع الأعلام والرايات ذات الطابع السياسي أو العرقي أو الديني ضمن ممتلكات المدينة التي توصف بأنها الأكثر تنوعاً عرقياً وإثنياً في ولاية ميشيغن، والتي يشكل المسلمون أكثر من نصف سكانها البالغ عددهم نحو 28 ألف نسمة وفق بيانات التعداد السكاني لعام 2020.
القرار الذي قدّمه نائب رئيس المجلس، العضو محمد حسن، الذي يتحدر من أصول بنغالية، والذي تم تمريره بإجماع الأعضاء الحاضرين بعد مداخلات عمومية حامية الوطيس، استمرت لنحو أربع ساعات، جاء بالتزامن مع ما يسمى بـ«شهر الفخر»، وهو شهر حزيران (يونيو)، الذي يحتفل به المثليون والمتحولون جنسياً ومناصروهم في الولايات المتحدة، ويتم فيه رفع علم ألوان الطيف (قوس قزح) في الكثير من المرافق الخاصة والعامة، بما فيها الدوائر والمؤسسات الحكومية.
هامترامك، وهي المدينة الأميركية الوحيدة التي يشغل فيها المسلمون كامل مقاعد المجلس البلدي ورئاسة البلدية، كانت سباقة إلى الانقسام الضاري حول قضايا المثلية الجنسية، والذي تفاقم في أعقاب قرار رئيسة البلدية السابقة كارين ماجوسكي برفع علم المثليين على مبنى بلدية هامترامك في عام 2020، ما دفع رئيس البلدية الحالي، أمير غالب، الذي يتحدر من أصول يمنية إلى خوض السباق ضدها، ومن ثم الفوز فيه ليصبح بذلك أول رئيس بلدية عربي ومسلم يتولى أرفع منصب في المدينة التي تحيط بها ديترويت من جميع الجهات.
بالإضافة إلى ذلك، شهدت هامترامك خلال السنوات المنصرمة تنظيم العديد من الفعاليات والتظاهرات المناصرة لمجتمع «الميم»، جنباً إلى جنب مع بعض الحوادث المتفرقة التي تضمنت تمزيق «علم الفخر» أو حرقه أو رميه في سلال النفايات.
وفي السياق نفسه، قررت مدارس هامترامك –العام الماضي– تحديث المعايير المعتمدة في عملية مراجعة وانتقاء المطبوعات في المكتبات المدرسية للتأكد من خلوّها من المواضيع الجنسية والمثلية الفاضحة، مقتفية بذلك أثر مدينة ديربورن التي قررت اعتماد نفس الإجراءات بعدما عانت هي الأخرى من انقسام مجتمعي حاد حول إتاحة الكتب التي تتناول المثلية الجنسية لتلاميذ المدارس العامة.
اجتماع عاصف
لم يقتصر الحضور الحاشد في اجتماع مجلس هامترامك –الثلاثاء المنصرم– على المئات من السكان المحليين الذين غصت بهم قاعة الاجتماعات وممرات المبنى، إذ تقاطر لحضوره العديد من النشطاء من كافة أنحاء منطقة ديترويت، سواء كانوا من المؤيدين أو المعارضين لمشروع القرار، ليشارك الكثيرون منهم في فقرة التعليقات العمومية التي تميزت بالاحتدام والسخونة فضلاً عن التهكم والسخرية، ووصولاً إلى تبادل القبلات العميقة بين فتاتين مثليتين على الملأ، ما دفع عناصر الشرطة إلى التدخل عدة مرات من أجل تهدئة الجمهور.
واستبق صاحب مشروع القرار، العضو محمد حسن، عملية التصويت بإلقاء خطاب ناري انتقد فيه معارضي المقترح بدعوى «عدم احترامهم لآراء سكان هامترامك»، مقتبساً من إرث الرئيس الأميركي الراحل أبراهام لينكولن عبارته الشهيرة، التي تقول بأن «الحكومة يجب أن تكون من الشعب، و(معينة) من قبل الشعب، و(تعمل) من أجل الشعب».
واتهم حسن مجتمع المثليين والمتحولين جنسياً بإثارة القلاقل والبلبلة، وقال: «أنتم من تسببون المشاكل وليس نحن»، مضيفاً بالقول: «رجاءً.. لا تهددونا، أنا مسؤول منتخب وأعمل من أجل الناس.. ومن أجل ما يريده غالبية الناخبين».
وأوضح حسن بأن مجتمع الميم «مرحّب به في هامترامك»، مثل بقية المجتمعات الأخرى في المدينة، مؤكداً بأنه يتوجب على المثليين ومناصريهم أن يحترموا الحرية الدينية لبقية السكان، ولافتاً إلى أن رفع «علم الفخر» يتعارض مع عقائد الكثيرين في هامترامك.
وأعاد أعضاء آخرون في مجلس هامترامك فحوى تصريحات حسن، مشددين على أن أفراد مجتمع الميم يتمتعون بفرص متساوية للوصول إلى جميع الخدمات العامة، وقال العضو البنغالي الأصل نعيم تشودري إن على معارضي مشروع القرار أن يحترموا حساسيات الدين الإسلامي الذي يعتنقه الكثير من المقيمين في المدينة.
وأضاف تشودري: «نريد أن يتم احترام الحقوق الدينية لجميع مواطنينا، إننا نرحب بكم، ولكن لماذا تعتقدون بأنه يجب رفع علم الفخر على الممتلكات العامة لكي تشعروا بأنه يتم تمثيلكم بالفعل؟»، مستدركاً: «إنكم، ومن خلال قيامكم بهذه التصرفات تحاولون جعل القرار يبدو وكأنه مصاغ لتعزيز الكراهية والتعصب ضدكم.. ولكنكم بهذه الطريقة تجعلون القرار يظهر بأنكم تريدون أن تكرهونا».
رئيس البلدية أمير غالب، الذي يرأس أيضاً مجلس المدينة بموجب ميثاق هامترامك، أكد –من جانبه– بأن إدارته «تخدم الجميع على قدم المساواة من دون تمييز ومن دون محاباة». وقال: «هؤلاء الأشخاص الذين يتهمونني بكراهية مجتمع الميم يعرفون بأن نصف مقاعد مجالس الإدارة واللجان الأخرى يشغلها أفراد إما مثليون أو من أنصارهم، ولم أقم بطرد أي واحد منهم».
وأشار غالب إلى أن مدينة هامترامك كانت قد أقرت قبل عقد من الزمن قراراً يسمح برفع الأعلام الدولية ضمن الممتلكات العامة، لافتاً إلى أن النقاشات الحالية تتمحور حول الاقتصار على رفع العلم الأميركي دون سواه، ومؤكداً بأنه يمكن فقط في الوقت الحالي رفع العلم الأميركي والأعلام الدولية وعلم ولاية ميشيغن وعلم مدينة هامترامك، إضافة إلى علم «أسرى الحروب».
وكان غالب، هو أول عربي وأول مسلم يتولى رئاسة بلدية هامترامك، قد خاض حملته الانتخابية –في عام 2021– بوجه رئيسة البلدية السابقة التي رفعت علم المثليين على مبنى البلدية، مؤكداً –خلال الحملة– معارضته لرفع العلم ذي الألوان السبعة على الممتلكات العامة في المدينة.
وأكد غالب بأن حظر رفع «علم الفخر» ضمن ممتلكات المدينة ليس موجهاً ضد المثليين الذين لازال بإمكانهم نصبه أمام منازلهم وضمن ممتلكاتهم الخاصة وفي جميع الأوقات.
مؤيدو القرار
خلال فقرة التعليقات العمومية أبدى العديد من سكان المدينة تأييدهم لمشروع القرار، بمن فيهم عدد من قادة الاحتجاجات ضد الكتب المثلية والجنسية في مكتبات المدارس العامة بديربورن، العام الماضي، وقال أحد المداخلين الديربونيين: «إن الجنود الأميركيين ضحوا من أجل العلم الأميركي، وليس من أجل علم الفخر».
كما أشار مُداخل آخر من ديربورن إلى أن جميع الأديان تحرّم الشذوذ الجنسي، وقال: «يمكنكم أن تكونوا مثليين، ولكن لا تفرضوا علينا رفع علم الفخر ولا تفرضوا شهر الفخر رغم أنوفنا».
وأيد مشروع القرار أحد الأئمة المسلمين في مدينة هامترامك، حيث قال الشيخ الذي هاجر من بنغلاديش إلى المدينة ذات الكثافة البنغالية بأنه لا يوجد دين واحد يؤيد المثليين، مضيفاً: «لقد خلقنا الله إما ذكراً أو أنثى، وهذه هي الطبيعة البشرية».
مداخل باللغة العربية، قام غالب بترجمة مشاركته، قال صراحة إن المثلية الجنسية تمثل شذوذاً عن الطبيعة البشرية، معرباً عن أمله بأن ترويج المثلية سيدمر الأجيال الجديدة. ومضيفاً بأن رفع علم المثليين «أمر غير مقبول».
معارضو القرار
في المقلب الآخر، هاجم مناصرو المثليين مشروع القرار بشراسة، وكال بعضهم التهم لمسؤولي المدينة بالتحيز ضد مجتمع الميم، معربين عن توقعاتهم بأن المقترح سيدفع الكثير من السكان في حال إقراره إلى مغادرة المدينة، مما سيؤثر «سلباً» على الاستثمار فيها، حسب تعبيرهم.
وذكّر أحد المداخلين بأن المهاجرين المسلمين في هامترامك كانوا قد واجهوا العديد من قضايا التحيز والكراهية في الماضي، مهيباً بالمجتمع المسلم ألا يسمح بتمرير القرار الذي يستهدف «مجتمعاً يتعرض للتمييز والتعصب»، في إشارة إلى مجتمع الميم، وقال «إن المسلمين في هامترامك يجب أن يكونوا أكثر حساسية من غيرهم تجاه هذه القضايا التي تثير الانقسام بين مجتمعات المدينة».
وتتكون مدينة هامترامك من خليط معقد من المجتمعات المحافظة والتقدمية، إذ تضم الكثير من المؤسسات الفنية والبارات التي تستقطب الزوار من كافة أنحاء منطقة ديترويت، إلى جانب مجتمعات المهاجرين من آسيا وأوروبا الشرقية، بالإضافة إلى مجتمع الأفارقة الأميركيين.
وعلى الرغم من إمكانياتها الاقتصادية والاستثمارية المتواضعة، إلا أن هامترامك تمتلك أعلى نسبة من المهاجرين في ولاية ميشيغن، والذين ارتفعت نسبتهم بحدود 27 بالمئة خلال العقد الأخير، بسبب نوعية الحياة وتدني أسعار السكن والمعيشة فيها.
ووصفت غالبية التعليقات العامة المقدمة عبر البريد الإلكتروني، والتي قرأتها كاتبة مدينة هامترامك، رنا فرج، مشروع القرار بأنه «رجعي» و«متعصب». فيما لم تتوان إحدى المُداخلات عن التهكم والسخرية ضد مشروع القرار، مقترحة على الحكومة المحلية أن تتبنى شعاراً رسمياً في هامترامك، يقول: «المدينة ترحب بك إذا كنت مستقيماً جنسياً».
وفور الانتهاء من مشاركتها، قامت المداخلة نفسها بتبادل قبلات حميمة مع فتاة أخرى كانت تقف بجوارها، في إشارة إلى معارضتها التامة لمشروع القرار، وهو ما أثار همهمات وصيحات الاستغراب والاستهجان بين الحضور.
وخلال الاجتماع، وصف دارين شيلتون، المدير التنفيذي لمسرح «بلانيت آنت» في هامترامك، مجتمع الميم بأنه يشكل الشريان الرئيسي للمسرح، وقال: «لا أعتقد بأن الجنس هو قضية سياسية»، في محاولة للتعريض بمشروع القرار الذي ينص على حظر رفع الأعلام التي تتضمن رموزاً سياسية.
من ناحيتها، قالت المداخلة هايلي كاين إن القرار «يبعث برسالة تمييز واضحة»، مؤكدة بأنها انتقلت من كاليفورنيا للعيش في هامترامك لعلمها بأن المدينة تضم مجتمعاً متنوعاً، وقالت: «لقد انتقلت من كاليفورنيا للعيش في هامترامك لعلمي بأنها مجتمع متنوع، ولكن الآن.. لا أريد العيش في مكان كهذا».
وتابعت كاين بأن علم ألوان الطيف يمثل «مساحة لكل البشر، من جميع الأنواع»، وقالت: «هذا هو ما نتجه إليه كجنس بشري، ولا يمكن لأحد إيقاف ذلك».
جدل متجدد
كان تصويت الثلاثاء المنصرم هو الأحدث في جدل مستمر منذ 15 عاماً حول حقوق المثليين في هامترامك، ففي عام 2008، أطلق المسيحيون المحافظون حملة لإفشال مقترح انتخابي لحماية حقوق المثليين والمتحولين في المدينة، وقد تفاقم الجدل حول قضايا المثليين في عام 2012، عندما رفعت ماجاوسكي «علم الفخر» خارج مبنى البلدية، ليتواصل لاحقاً على خلفية الكتب المدرسية ذات المضامين الجنسية والمثلية الفاضحة.
وقد تناقلت معظم وسائل الإعلام المقروءة والمتلفزة في الولايات المتحدة، خبر القرار الذي تبنّته هامترامك بمنع رفع علم المثليين ضمن الممتلكات العامة،، ما أثار موجة جديدة من التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض للقرار الذي لم يتضمن صراحة، الإشارة إلى «علم الفخر».
في الأثناء، أصدرت السناتور الديمقراطية عن منطقة ديترويت في مجلس شيوخ ميشيغن، ستيفاني تشانغ، بياناً أعربت فيه عن دعمها لأفراد مجتمع الميم، وقالت تشانغ: «إلى مجتمع الميم وعائلاتهم في هامترامك، اعلموا أن لديكم العديد من الحلفاء في جميع أنحاء المدينة والولاية، وهذا يشملني كعضو في مجلس الشيوخ».
وتابع البيان بالقول: «تتمتع هامترامك بتاريخ طويل من كونها مكاناً أفضل للأمل والفرص لجميع الأفراد، ومن كل الخلفيات».
Leave a Reply