بقلم خليل اسماعيل رمّال
مبروك للنظام اللبناني المريب بانتصار طبقة المنتفعين الإقطاعيين السياسيين البورجوازيين من النوَّاب والزعماء والمسؤولين وحيتان المال التي وقفتْ إلى جانب مافيا المصارف والسمسرات والعقارات والإختلاسات والسرقات والفساد والغنى غير المشروع وأصحاب الأرباح الريعية والأغنياء الفاحشين الذين لا يريدون التنازل عن رفاهيتهم المفرطة. كل هذه الطبقة الباغية هي بمواجهة كافة فئات الشعب من موظفين في القطاع العام ومتقاعدين ومتعاقدين ومدرسين وعمَّال وصغار الكسبة الذين يصنعون حياتنا اليومية في الوطن البائس.
لم يخيِّب «مجلس النوائب» الفاقد للشرعية، الآمال ولم يتنكَّر لتاريخه المعيب الذي لم يتجرأ يوماً على إجراءات إصلاح ضريبي شامل يجني العوائد من أسياده أصحاب المليارات من المصارف والشركات التجارية، لا من جيوب الفقراء المثقوبة ويقوم بتوزيع عادل للثروة وترشيد الاقتصاد وتعزيز الصناعة والزراعة المحلية للاستهلاك المحلي وتشجيع عجلة الاقتصاد الإنتاجي لا الريعي فقط. اختار هذا المجلس المُمدِّد لنفسه أن يصبح أيضاً «فارَّاً من وجه العدالة الاجتماعية» حسب تعبير «السفير».
فالكل يعرف أنَّ سلسلة الرتب والرواتب تخض البلد وتشكِّل أسوأ أنواع الظلم الاجتماعي بسبب عدم زيادة رواتب العمال والموظفين منذ ٢٠ سنة رغم ارتفاع تكاليف المعيشة والتضخم وسياسات الإفقار التي اتبعتها الحريرية-السنيوريَّة، وأنَّ مجلس النوائب أخمد السلسلة في مهدها عن طريق الإرجاء والتمييع والإحالة إلى لجنة نيابية وزارية لإعدامها. الكل كذب على الناس ولم يتَّعظ أحد أن أحد أهم أسباب الحرب الأهلية (التي مرَّتْ ذكراها عشية إعدام السلسلة) هي الانفجار المطلبي الإقتصادي الإجتماعي. كل ذلك بحجة درس السلسلة التي أُشبعَتْ تمحيصا منذ ٣ سنوات على زمن حوت المال ميقاتي وبحجة التمويل وهي مخالفة للقانون وذلك من أجل نقل المعركة من المجلس وترك «هيئة التنسيق النقابية» لوحدها في مواجهة المصارف والرأسمالية الفاحشة.
الموظفون والعمال والأساتذة هم غير معنيين بإيجاد إيرادات للزيادات لانهم لم يتسبَّبوا بالدين العام خلال الحقبة الحريرية والذي بلغ ٦٥ مليار دولار حتى اليوم، ولا عن الفساد المستشري والغنى غير المشروع للنواب والرؤساء وحيتان المال. المطلوب إرادات وليس إيرادات. والمسألة بسيطة أَرجِعوا ١١ مليار دولار التي سرقها فؤاد السنيورة ليجري تمويل السلسلة بأسرع من البرق، أي «الذي طلَّع الحمار على الميذنة هو ينزلو» كما يقول المثل الشعبي.
والدليل على تواطؤ النوَّاب مع أصحاب الرساميل والمافيا العقارية واللصوصية المالية هو موافقتهم على قانون الإيجارات الجديد بمادة واحدة سوف تؤدي إلى أزمة تهجير وانفجار اجتماعي واقتصادي، بينما رفضوا البحث في السلسلة وبعضهم مثل أنطوان زهرا طلب اعتماد السرية بعيداً عن الإعلام خوفاً من انفضاح أمرهم، وهم يعرفون دخول البلد الفلتان في «الحمَّى الرئاسية» مما يعني أنَّ لا صوت يعلو فوق صوت الصفقات الإقليمية والدولية الخارجية لإيجاد رئيس عتيد يخلف الساكن الحالي لقصر برج بيزا المائل!
لا يهم الشعب اللبناني المنكوب أنْ يُنتخَب رئيس للجمهورية فحقوق العمَّال أجدر بالإهتمام وكان يجب على هؤلاء الفاسدين المتواطئين إبقاء جلساتهم مفتوحة أمام الإعلام والنّاس بدل أن يتبارزوا بالكلام الفارغ والتافه في جلسات الثقة بالحكومة. بالمناسبة، هل سمع أحد من تمَّام سلام الملقَّب برئيس الحكومة، في كل هذه المعمعة؟ هل هو مفقود؟! أم حلَّ فؤاد السنيورة مكانه من دون علمنا؟ فالسنيورة قاد المعركة النيابية الطاحنة التي أدّتْ إلى تأجيل البحث بالسلسلة وكانت «ضحكته رطلاً» على هذا الإنجاز العظيم! تصوروا بلبنان كان يبحث مجلس النوائب في تغيير الدوام الرسمي والعطلة القضائية من ٩٠ يوماً إلى ٣٠ يوماً! ٩٠ يوم يعطِّل فيه القضاة وكم يوجد في الحبس من «مظاليم» بينما الذين يجب أنْ يُسجنوا هم بعض سياسيين فاسدين طليقين أبناء طلقاء!
وهكذا وعلى عينك يا تاجر وضد الفقراء جهراً يعارض فؤاد بابا والأربعين سنيورة من المصارف الزيادة على أجور المعلمين والكادحين وتقوم المصارف وحيتان المال بكل وقاحة بالتظاهر ضد الشعب لا تجاريها إلا وقاحة تظاهرة الملَّاكين. لكننا لم نرَ هذه التظاهرات بعد إعلان الدولة الزيادة على رواتب الرئيس والنواب والوزراء. بلد متعوب عليه. المصارف تهدد بالاستقرار النقدي وهروب الرساميل إذا اقرَّتْ السلسلة بينما رئيس «جمعية المصارف» فرانسوا باسيل يشتري مصرفاً جديداً.
وللإمعان في هدر حقوق الناس ومن أجل تمييع ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية يُروَّج ويُطرح إسم رياض سلامة القابض على مصرف لبنان منذ عشرات السنين وكأنَّ الله سبحانه خلقه وكسر القالب! لدينا سابقة بوصول مصرفي إلى قصر بعبدا وهي سابقة ترؤس إلياس سركيس الذي كان يشبه الساكن الحالي أبو خشب، وكانت النتيجة كارثية. في الحقيقة كل ما يُسمَّى الرؤساء في الكيان اللبناني الجهيض المعادي للشعب والفقراء والعمال والموظفين هم مصائب حقيقية باستثناء العماد المقاوم أميل لحُّود! وترئيس سلامة، الذي أُعطي أكثر مما يستحق، سيكون لمصلحة الاقتصاد الريعي ولطبقة حيتان المال والإقطاع في وجه الحركة المطلبية النقابية الشعبية المحقة خصوصاً معركة تصحيح سلسلة الرتب والرواتب ومكافحة منظومة الفساد التي هي جزء من النظام. ولا ننسى إعانة مصرف لبنان للمصارف على حساب المودعين ولملء جيوب أصحاب البنوك. لكن هذا لن يمر وحلم سلامة بالرئاسة، مثل حلم جعجع، كحلم إبليس بالجنَّة!
غير أن لا أشرَّ من هذا الخيار إلا قبض أمين الجميِّل لنفسه على أنه كما حصل سابقاً وتسلّْم الرئاسة بدل كميل شمعون كمرشح تسوية بعد قتل شقيقه، سيعيد التاريخ نفسه ويجري اختياره كأهون الشرَّين بديلاً عن عون أو جعجع. لو حصل هذا الذي هو من عاشر المستحيلات فسيتعامل اللبنانيون بعدها بالمقايضة والمبادلات في البضائع لأنه لن تكون هناك عملة بعد القضاء عليها.
Leave a Reply