ماذا يمكنْ أنْ يكتب المرء عن بلدٍ مفلس لايقدر أنْ ُيموِّل سلسلةَ رتبٍ ورواتب لمعلّميه وعماله «المشحّرين».
لكنَّه يوافق بكلِ سهولةٍ على «زودة» معاشات الرؤساء والوزراء والنوّاب ويجد لها التمويل الكافي وبسرعة مذهلة مثل سرعة القضاء اللبناني في طلب الإعدام للسوري علي المملوك والوزير السابق ميشال سماحة بتهم تفجير من دون إحضار المخبر الهارب بسبب رفض قوى أشرف ريفي؟
أصبح في لبنان ألغاز وأحجيات يعجز أينشتاين العبقري نفسه عن حلها! أكثرُ هذه الألغاز غرابةً لغز «الشاهد» محمد زهير الكذّاب (من يذكره الآن وأين «سيظهر» لاحقاً يا ترى؟)، ولغز «المخبر» الذي تحوم حوله الشكوك خصوصاً شبهة تعامله مع العدو، ميلاد كفوري، الذي «سلّم» سماحة لفرع المعلومات على طبقٍ من ألماس! القاضي أبو غيدا اصدر توصيةً بإعدام سماحة والمملوك ومسؤول سوري مجهول الهوية من دون «شهادة» كفوري الذي هُرّب إلى الخارج مع «أتعابه» المدفوعة ربما من حساب العمال والكادحين والفقراء في لبنان الذين لا تكفي رواتبهم لأول أسبوع من الشهر! في كل دول العالم، وخصوصاً في أميركا، يأتي القاضي بالمخبر إلى المحكمة من اجل الإدلاء بافادته ولا يعتمد على «تقرير» مخابراتي فحسب، فكيف إذا كان جهاز الاستخبارات هذا عدواً لدوداً للمتهم؟ لكن القضاء اللبناني الميمون، ممثلاً بالمجلس العدلي الموقر، لم نرَ أنه كان بهذه الفعالية والسرعة الضوئية في إصدار الأحكام عند تسلمه قضيةً من أعظم وأخطر القضايا في تاريخ لبنان العاق، ألا وهي قضية سماحة الإمام السيد موسى الصدر. من يذكر أن حضرة القضاء اللبناني اصدر استناباتٍ قضائية بحق الطاغية معمر القذافي وزبانيته بعد ٣٢ عاماً من إحالة القضية على المجلس، لكنه في قضية المملوك وسماحة لم يمضِ أكثر من ستة اشهر إلا وكان التحقيق والحكم جاهزَين؟ هذه السرعة لم تضاهِها الا سرعة أليس شبطيني في إصدار أحكام إطلاق سراح عملاء إسرائيل؟! ونحن هنا (بين هلالين) لا نبرئ أحداً إذا كان هدف هذا الأحد، أياً كان موقعه، إسالة دماء وقتل أبرياء بسبب آرائهم، لكني أتساءل عن هذا «اللغز» في استعجال العدالة في مكان ما من دون استكمال ونبش كل الاحتمالات من بينها استدعاء الشاهد الأول في القضية، وتباطؤ هذه العدالة في مكان آخر هو أخطر وأكبر ويهم كافة اللبنانيين لان إلامام الصدر كان صدراً وعزاً وجامعاً للبنانيين جميعاً.
وبما أننا ما زلنا نتحدث عن القضاء «المستعجل» فالدولة العلية بعد جلسة مجلس الوزراء رفضت الإساءة إلى الملك السعودي عبدالله الذي وضعت صورة مشوهة كبيرة له على جسر جل الديب، فيما يبدو رداً على الصورة التهكمية الكاريكاتورية للبطريرك الراعي في صحيفة سعودية، وبعد الهجوم اللاذع على وليد جنبلاط اثر عودته من زيارة فاشلة للسعودية. وهنا سؤال-لغز آٓخر: هل كانت هذه الصحيفة السعودية التي تجرأت على الراعي أن تفعل الشيء ذاته مع البطريرك صفير؟ وكيف لا يستنفر «مسيحيو ١٤ آذار» على الإساءة لأعلى مقام في الطائفة؟ وهل كانوا سكتوا لو تعرض صفير مثلاً لإساءة مماثلة؟ أذكر أن مجرد ردٍ مهذب من قبل السيد حسن على تصريحٍ استفزازي من تصريحات صفير التي كان يطلق لها العنان ضد المقاومة، كان يعتبره هؤلاء «حملة مبرمجة» ضد البطرك. لكن البطرك الحالي لا يستحق منهم الثورة لكرامته ولو بكلمة! لا، واكثر من ذلك كلّفت الدولة وزير العدل متابعة إجراءات الاقتصاص من المسيئين للملك التي باشر تنفيذها المدعي العام التمييزي. وهذا يوصلنا إلى اللغز الأكبر في بلد «الطامة» الكبرى.
منذ أسبوع، اتهمت بلغاريا اشخاصاً من «الجناح العسكري» لـ«حزب الله» بتفجير «بورغاس» من دون أن تستكمل التحقيق وبضغوطٍ شديدة من قبل إسرائيل لاتهام المقاومة في لبنان ووضعها على لائحة الإرهاب الأوروبي. التنفيذ والإخراج في بلغاريا معروفٌ بانه كان إسرائيلياً بامتياز. حتى المعارضة البلغارية أشارت لذلك و«الأم الحنون» فرنسا، التي ليست حنوناً على الأسير جورج عبدالله ومستعدة لهتك حرمة قضائها كرمى لأميركا، لم تستسغ الاتهام البلغاري الغامض وكذلك باقي دول أوروبا. وبدل أن تجرد الدولة حملةً دوليةً وتحرك مدعيها العام «الممتاز» من اجل الدفاع عن المقاومة وتفنيد الاتهام البلغاري المنحاز للعدو، أقله كما استنفرت الدولة اجهزتها من أجل صورة مشّوهة لملك السعودية، نجد أن نحيب ميقاتي كاد ينتحب من شدة تأثره بعد تبلغه القرار الاتهامي البلغاري متقبلاً اياه قبل معرفة التفاصيل والحيثيات ومبدياً استعداد «شقفة الوطن» لكل ما يلزم رغم الأصابع الإسرائيلية المعروفة. المقاومة هذه، التي شرفت لبنان، لا تستأهل من الدولة العاقة عرفان جميل واحد وكله من اجل عدم الإساءة للعلاقات مع بلغاريا؟ ربما أن الجبنة البلغارية المقرفة الطعم والرائحة هي اهم من القيم في هذه الدولة النتنة كالجبنة البلغارية الفاسدة!
وفي حديث الاجبان، لا بد أن نتطرق لتقاسم الجبنة الطائفي المستمر في «شبه الوطن» بعد إقرار اللجان المشتركة في مجلس النواب لقانون الانتخاب الأرثوذكسي! الحقيقة هذا يتطلب موسوعة كاملة للإحاطة بما حصل! فالاعداء ضد بعضهم وقفوا مع اوضد القانون، وتيار مذهبي يصدح نوابه يومياً بالفتنة المذهبية رفض القانون بسبب مذهبيته! فقد دعمه «التيار الوطني الحر» و«الكتائب» و«القوات» وكل مسيحيي ١٤ا ٓذار مع «حزب الله» و«أمل»، ورفضه «التيار الأزرق» وميشال سليمان ووليد جنبلاط الذي تدهورت علاقته مع «المستقبل» مؤخراً. بعض القوى التي كانت في كل تاريخها ضد الطائفية رضيت بقرارٍ ينتخب فيه كل مذهب نفسه بنفسه (وفي القرن الـ٢١) إلى درجة أن الزوجة لن تنتخب زوجها إذا كانت من مذهب مختلف، يلعن مذهب هالشغلة!
والله بلد خلطة عجيبة غريبة! ألم نقل إنه وطن الألغاز والأحجيات؟!
Leave a Reply