أخبار زفت (كالعادة) من بلد “الصفة المشبهة” السائب، باكورتها إنهيار مبنى في منطقة الأشرفية السكنية على رؤوس قاطنيه المساكين، أدى إلى إصابة حوالي ٣٥ شخصاً بين قتيلٍ وجريح ومفقود من اللبنانيين والعرب الساعين إلى لقمة عيشهم (كيف “زمط” السودانيون من نديم الجميل الذي يعتبر حتى أهل بعلبك غرباء في الأشرفية؟).
أذكر أنني عندما بدأت الدراسة الجامعية في كلية الإعلام والتوثيق في مبناها الواقع في وطى المصيطبة، سقط المبنى على الأرض لأن أحدهم كان يشيد مبنى مجاوراً له فضرب أساسات الكلية بالخطأ عندما كان يحفر جنبها، فحولها أنقاضاً. وشاءت العناية الإلهية أن تحصل هذه الكارثة يوم عطلة الأحد، فلم تقع إصابات. من يومها، انتقلت الكلية إلى بناية المهندسين في منطقة الكولا، أما المقاول، أو المتعهد، “فلم يحصل له حاجة”! للأسف، سكان بناية الأشرفية لم يكونوا محظوظين كقاطني كلية الإعلام فانضموا إلى قافلة ضحايا “شبه الوطن” من الفقراء والمعدمين من كافة الحقوق والإمتيازات ماعدا طبقة الأربعة في المئة البورجوازية الإقطاعية العائلية، المستشرية اليوم أكثر مما سبق وكأن لا حروب أهلية وقعت ولا أرواح زهقت. المؤسف أن هناك مبانٍ كثيرة مهددة ومعرضة للسقوط، لاسمح الله، كقنابل عقارية موقوتة كما عرضت قنوات التلفزة في تقاريرها خصوصاً تقريراً عن بناية في منطقة المصيطبة تسكنها ٤٠٠ نسمة، “مخردقة” كالغربال ومتصدّعة. الله يستر، فهؤلاء البشر لا يقدرون على شراء بيت أو شقة قرب “البيال” مثلاً، كحديثي النعمة من النواب، ويدفعوا ثمنها ١٨ مليون دولاراً لأن السيارة تصعد إلى البيت بـ”الأسانسير” بلا صغرة، بينما المواطن المعتّر في الضاحية يحمل جثته الحية صعوداً يومياً على الدرج. في كل دول العالم العقارات ضربت إلا في الوطن العجيبة، العقارات في إرتفاعٍ فاحش ومريض ومحموم.
حكومة رد الفعل (دوماً) رصدت مبلغ ٣٠ مليون ليرة للأموات، فهذا ثمن الإنسان في لبنان:٢٠ ألف دولاراً في حين أن عجوزاً في أميركا حصلت لوحدها من مطعم “ماكدونالدز” على خمسة ملايين دولاراً بسبب حرق في ركبتها بالقهوة الساخنة! ميقاتي دعا لتأليف لجنة تحقيق على أن ترفع تقريرها في غضون ١٥ يوماً! لماذا ١٥ يوماً، وماذا سيحصل بعدها؟ لا شيء طبعاً، ككل قرار في بلد المهزلة. حتى التحقيق في إغتيال الرئيس كينيدي وأحداث أيلول في نيويورك لم يستغرق ما ستستغرقه لجنة تحقيق في بناية في إحدى ضواحي مدينة بيروت! ثم من يضمن محاسبة “مافيا” تجار البناء ومنظومة الفساد والرشوة والتغطية السياسية أو البلدية أو الامنية الرسمية التي يحظون بها؟ في النهاية، المصيبة سوف تقع على صاحب البناية الذي سيكون كبش الفداء، لا المهندس المعماري أو التاجر أو الموظف المرتشي الذي تبوأ عمله بسب معادلة ٦ و٦ مكرر الطائفية. لنتذكر أن هذا بلدٌ مستباح ومكشوف أمنياً، فيه عملاء حطموا أرقام موسوعة “غينيس” القياسية، منهم الذي تعامل مع العدو لأكثر من ٣٥ عاماً (وحظي بلقب “عميد” العملاء)، كما أن “شبه الوطن” مكشوف إدارياً لأنه يسمح بجعل لبنان غابة من الباطون المسلح (والذئاب الكاسرة) التي لا تراعي أبسط قواعد السلامة العامة في الإعمار والبناء!
لم نسمع في لبنان ما يسمى بالتصنيف العقاري (zoning) أو حتى الأمان البنائي العقاري (building safety) إلا عندما هاجرنا إلى خارجه. حتى عندما تقع الواقعة، فأنه غير مؤهل للعمل بسرعة على رفع الأنقاض في الساعات الأولى الثمينة الحاسمة التي يمكن أن تؤدي إلى إنقاذ العديد من الأرواح! في الأشرفية شاهدنا رافعة من العصر الحجري ترفع أطنان الحجارة بينما كان ابطال الدفاع المدني والمتطوعون يحاولون إستعمال أيديهم العارية بحثاً عن مدفونين أحياء! وقد روى لي أحد القراء أنه لم يتمكن من النوم لأنه يريد أن “يفش خلقه” بعد المجزرة البشرية، ففتح الإنترنت على موقع “تويتر” لكي يفاجأ بدعوة- تغريدة من نجيب ميقاتي لدعم الدفاع المدني. صاحبنا وجه لميقاتي سؤالاً، فقال: لماذا لا تدعم حضرتك الدفاع المدني من ميزانية “الهيئة العليا للاغاثة” كما أغثت المحكمة الدولية؟ لئيم!
العقارات ليست وحدها المطمورة بالفساد والمحسوبية في لبنان. فحجارة فؤاد السنيورة إنهارت على وزارة المالية منذ تسلمه هذه الحقيبة الحساسة وحولتها إلى أثر بعد عين. فاستناداً إلى تحقيق البنك الدولي وشركة “أوراكيل”، كان المال العام في لبنان منذ عام ١٩٩٤متروكاً بلا رقابة لجهة الصرف والإنفاق، وبلا محاسبة، وبنظام معلوماتي صادم يتيح لمن يشاء التلاعب بالمعلومات المالية، كيفما يشاء وساعة يشاء! ويصف التحقيق ما يحصل في إدارة المال العام بالـ”شخصنة” ويقول: أن إمكان الدخول إلى النظام متاح، حتى من خارج الوزارة!
بإختصار شديد، إنها “مغارة السنيورة”! أكيد لن يقلق فؤاد السنيورة أثناء الليل بل سينام ملء عينيه عن شواردها ولن يرف له جفن لانه في بلد داشر “ينأى بنفسه” عن مبدأ العقاب، هذا النأي العبقري ابتكره ميقاتي بدليل بقاء جلاوزة السنيورة و”عصفور تويتي” في السلطة وإستمرار “شهود الزور” احراراً طليقين!
وبمناسبة “النأي بالنفس”، يكاد لبنان يكون البلد الوحيد في العالم الذي ينكر الجميل فيبتعد عن شقيق سانده وقت المحن وآوى العائلات النازحة من جحيم العدوان الإسرائيلي عام ٢٠٠٦. كل هذا التاريخ الغاه “النائي” كرمى للطير الشادي، لكن لم يمنعه النأي من غض النظر عن عمليات تهريب السلاح عبر الحدود اللبنانية إلى سوريا والتي اعترفت بها معظم وسائل الإعلام المعتبرة (إلا قناة “التزويرة” واختها اللقيطة). كما لم يمنع النأي أمين عام الأمم المتحدة المغفل الذي “لا يعرف كوعه من بوعه”، بان كي مون، من اطلاق تصاريح نارية تحرض على سوريا والمقاومة في عقر دارها، من دون أن تصدر كلمة واحدة عن ميقاتي أو خليفة سركيس.
هذا بلد يرزح تحت انقاض الفلتان الأمني والمالي والعقاري والجرافات السياسية كلها لن تتمكن من إنتشاله!
Leave a Reply