لعلَّ مشهد وزير الخارجية الأميركي جون كيري وهو يتثاءَب علناً أمام الكاميرا ويقاوم الضجر والملل خلال اجتماع رئيسه باراك أوباما مع ميشال سليمان على هامش دورة الجمعية العامَّة للأمم المتحدة في نيويورك، هو خير معبِّرٍ عن هذه الرئاسة في بلد منكوب في كل شيءٍ أوَّلاًً بسياسييه ومسؤوليه الذين لا يملكون ذرةًً من الكاريزما أو القدرة أوالحنكة أو حتَّى الإرادة والمقوِّمات القيادية لانتشال البلد من عنق زجاجة الانهيار الذي أوقفه حتى الآن قرارالدول الكبرى بعدم تفجيرالوضع في لبنان لأن التهدئة تبقى لمصلحتها آنيَّاً من أجل تبادل الرسائل الأمنية والسياسية. وتأجيل الصراع في لبنان لم يحصل بسبب «شطارة» الرئيس أو مساعيه غيرالحميدة تماماً مثل ما يُسمَّى باستقلال الكيان الذي لم يكن ليتمَّ من دون الصراع البريطاني الفرنسي على النفوذ.
زيارات رؤساء لبنان تاريخياً الى الخارج وخصوصاً الى اجتماعات الأمم المتحدة أو القمم العربية أو الدولية مثل «القمح بلا غلة»، لا تُسمِن ولا تُغني من جوع ولا معنى لها ولا طعم ولا فكاهة ولا تحقِّق للشعب اللبناني اي شيء الا تكبيد خزينة الدولة المفلسة المزيد من المصاريف غيرالضرورية الناجمة عن جر وفد مكوَّن من ١٠٠ شخص أو أكثر قد يكون معظمهم من الأصدقاء والأقارب ورجال الأعمال من السواح أو الساعين لبدء «بيزنس» مع الدول المضيِفة بينما «بيزنس» الشعب اللبناني لا وجود له ولا قيمة. والساكن الحالي لقصر بعبدا بزَّ كل الرؤساء مجتمعِين في أسفاره السياحية الى كل بلدان العالم على رأس حاشية ضخمة وفود حاشدة لا ندري ما حقَّقتْه للبنان، ولشعبه خصوصاً، من الإنجازات التي قد تعينُه على تخطِّي متاعب الحياة وتساعد العمَّال والأساتذة والعائلات الفقيرة وذوي الدخل المحدود على العيش بكرامة.
هذا رئيسٌ أطلقت عليه جريدة «الأخبار» لقب «مسبِّع القارات» لكثرة أسفاره التي كانت بلا نتيجة والأموال التي أُنفقت على هذه الأسفار لو صُرفت في الداخل لكانت ساهمتْ بإعالة عائلات محتاجة أوساعدتَ بعض الطلاب في المدارس الذين لا يجدون مقاعد للدراسة في مدارس مكتظَّة غير قادرين على دفع أقساطها الباهظة، أو كانت أصلحت البنية التحتية المبنية من العصر الحجري والتي لم يكَد المطر يهطل عليها لأول مرة في شهر أيلول حتى غرقت الشوارع والمدن ودخلت المياه البيوت وأصبحت مثل مدينة «البندقية» ولكن في نسختها البشعة، والسبب ليس لان «أيلول من أوله مبلول» كما يقول المثل اللبناني بل لان المشاريع العمرانية والإصلاحية تبقى سنيناً طويلة من دون إنجاز بسبب سرقات الوزير وحاشيته وزبائنه والمتعهدين والسماسرة الذين يقبضون الأموال من دون حسيب ولا رقيب ويبقى المشروع الإنشائي «متحفاً» شاهداً على وجود دولة المافيات والفساد مثل مشروع «جسر الكولا» الذي بقي ١٥ عاماً حتى تمَّ إنجازه كيفما اتفق أو مشروع جسرالمطار وغيره، وحتى المشاريع الصغيرة تستغرق أعواماً طويلة ولا تنتهي بسبب سرقات المتعهدين في بلدٍ يسمح بالنهب المشروع! ألَمْ يسطِ فؤاد السنيورة على ١١ مليار دولار من دون أنْ يرفَّ له جفن؟! أليست «بهدلة» و«فضيحة بجلاجل» أنْ يصرِّح غازي العريضي وزيرالأشغال أن لا أموال في الخزينة من أجل إصلاح الطرقات والمجاري استعداداً لفصل الشتاء؟! أين أموال وليد جنبلاط الذي تبيَّن انه مليارديراً وحوت مال أكبر من بيل غيت نفسه ولديه مدير مالي اختلف معه علناً، وهل حصل جنبلاط على هذه المليارات والشركات بتعبه وعرق جبينه مثل بيل غيت أو أي عامل آخر شريف في هذا العالم؟!!
في بلاد الغرب، وخصوصاً أميركا، تُبنى مشاريع عملاقة وضخمة بمستوى جسور وطرقات تربط مدناً ضخمة متباعدة آلاف الكيلومترات وفي الوقت المحدَّد والكلفة المتَّفَق عليها معظم الأحيان، أمَّا في «شبه الوطن»، المسافر رئيسه في كل الإرجاء، فتصليح مجارٍ من أجل منع الطوفان وغرق البلد بالمياه لا يتم ولا يُنجز بسبب تبخُّر الأموال المرصودة للمشروع مما يعني أنه يجب تنظيف البلد من «مجارير» الساسة أوَّلاً وهذ اأمرٌ مستحيل في كيان المحسوبيات والتوزيع الطائفي والمذهبي والعنصري والانقسام الأفقي والعامودي وفي كل الاتجاهات، لان هذه سمة لبنان وميزاته «الحضارية» وحذاقته الفينيقية ولأن «هيدا لبنان» و«شو وقفتْ عليي» وهما شعاران يحلو للجميع تردديهما عند تبرير كل عجز وسرقة ونهب وقصور في بلد يكاد يعم فيه الفجور.
وهكذا «شو وقفتْ» على ميشال سليمان يعني؟! طبعاً لا يقتصرالامر عليه لوحده من دون حوت المال والرؤساء العاجزين مثله وأول ما يتبادر الى الذهن الياس سركيس السيِّء الذكر الذي تشبه فترة رئاسته المُملَّة وغير المنتجة رئاسة خلفه الحالي. إلا ان سليمان فاق غيره في تضييع الفرص وإنكار جميل الذين أوصلوه الى سدَّة الحكم.
فها هو معروف موقفه من سوريا وسياسة «اللعي بالنفس» التي تسبَّبتْ بانتشار التكفيريين المجرمين في لبنان للاعتداء على الجيش والنّاس الآمنين بينما هو مهتمٌ برصد ما تقوم به سوريا على الحدود حتى يشكوها الى الامم المتحدة لكنه ينتظر من الرئيس بشَّار الأسد الاتصال به. وها هو يضع نفسه في وجه المقاومة فيصوِّب عليها ولا يذكرها الا بالسوء في كلماته ولم يأتِ على ذكر شيءٍ للدفاع عنها وعن سوريا التي لها الف فضل على لبنان، في كلمته أمام الجمعية العامة! ولا شك أنَّ الجميع سمع أو قرأ بعض فقرات من كلمة سليمان في عيد الأمن العام، فوجد أنَّ عند الرجل مشكلة مزمنة مع حرف «الذال» أو «الظاء» لأنه في كل جملة كان يبدِّلهما بحرف «الزين»، أليس عنده أحد من المستشارين الأميين من يلفت «نزره» إلى «هزا» الأمر؟! كما يلفت صاحب هذه السطور الى نقص المناعة الكاريزمية لديه وإلقائه الخطابي الضحل!! لكن الذي يُضحِك هو قوله أنَّه «يتابع» قضية الحُجَّاج اللُبنانيِّين في «أعزاز» أي هو يتابع المسألة كمن يتابع فيلماً تلفزيونياً آخرالليل وهو يغالب النعاس! لقد ترك الأمر لمدير الأمن العام وهو في آخر اهتماماته أصلاً. وعندما اجتمع سليمان مع رئيس تركيا عبدالله غول على هامش لقاءات نيويورك ولم يرشح عن الاجتماع أي ذكرٍ لقضية المخطوفين في «أعزاز» الذين يتعرَّضون اليوم لأشد الإخطار بعد المعارك الطاحنة بين القتلة المأجورين وسيطرة التكفيريين عباد الشيطان على المنطقة. لكن نحن متأكدين من أن سليمان «تابع» وبحث مع الرئيس العثماني خطورة خطف الطياريَن التركيَّيَن في لبنان! هل قام سليمان بزيارة الضاحية بعد الانفجارين المجرمين أم زار المنطقة المنكوبة في «حي السلم» الذي غرق خلال الشتاء الماضي؟!
وعلى سيرة التكفيريين السفاحين في سوريا فقد كشفوا عن وجوههم الشيطانية وتفجرَّتْ شذوذهم الإجرامية ونزعاتهم المنحطة بقتال بعضهم البعض من أجل السيطرة والنفوذ بعد فشل العدوان الأميركي على سوريا، وبعد احباط مؤامرة بندربن سلطان في السيطرة على الساحل السوري أو المعركة الكبرى في حلب أو فيلم السلاح الكيميائي. وكل يوم نكتشف شذوذاً جديداً مع هؤلاء السفاحين الذين لم يرحموا فتاة قاصراً هي روان قداح البالغة من العمر ١٦ عاماً والتي باع والدها المجرم السفاح عرضها تحت سمعه وبصره، بل بمشاركته، للوحوش البشرية تنهش جسدها الطري الصغير من دون دين ولا شرع ولا رحمة إنسانية. والموءسف ان بعض الاعلام استنكر عرض الفضائية السورية اعترافات الفتاة الضحية، لكن المعترضين يدينون الوسيلة ولا يدينون أصل السبب وهي الاعمال المشينة للتكفيريين الكفرة! هذه هي ما يسمى «الثورة السورية» التي «تستورد» فتيات من تونس وغيرها من بلدان الأرض و«تصدرهن» حاملات بأولاد زنا لا يعرف من هم آباء الأجنَّة وهم يستخدمون اسم صاحب الجلالة ورسوله في كل عملٍ مُنكر والعياذ بالله وان شاء تعالى يلحقهم بمنكر ونكير سريعاً جداً من خلال قتل وإهلاك بعضهم بعضاً لأنهم شوهوا الدين والرسالة والشرع والإنسانية وروجوا للوحشية والبهيمية والنجاسة والشذوذ بشكلٍ لم يشهد التاريخ البشري كله مثيلاً له حتى في عصور الجاهلية والانحطاط والظلام!!
بالعودة الى ميشال سليمان، فقد قرر أنه على وشك تأليف حكومة أمر واقع، أي من دون مشاركة حقيقية لمكونات البلد المهمة وفي هذا الظرف الخطير الذي تمر به البلاد والعباد، ثم بعد عودته الميمونة بدَّل موقفه من الموضوع عائداً الى حكم مكانك راوح والى رئاسة «الأمر الواقع»! ان لبنان المقاوم الذي تُشنُّ عليه الحروب والفتن والمؤامرات من كل حدبٍ وصوب يستأهل أفضل من ذلك والمقاومة التي تُقدَّس في كل دول العالم تُحارب عندنا في بلد «خيال الصحرا» وتُعامل على أنها عدو كبير رغم أنها تحمي لبنان وتتحمل وتصبر على الظلم الكبير والادعاءات المجنونة التي تبيَّن بطلانها في كل مرة مثل مهزلة الأمن الذاتي الذي تباكى ضده من طعن بالدولة وجيشها لكنهم يريدون أنْ يموت الناس في ضاحية الشرف على أيدي التكفيريين المنحطِّين وأنْ تقف المقاومة مكتوفة اليدين. الآن الدولة في الضاحية والذين يشبهون «أبو جودت» بشاربيه المعقوصين (من مسلسل «باب الحارة») يديرون الأمن هناك، فماذا يزعم المنافقون؟!
انه بلد الأمر الواقع الذي بحاجة الى اعادة تأهيل من رأسه حتى أخمص قدميه!
Leave a Reply