السيد حسين موسويان
اتهم بنيامين نتنياهو إيران بالكذب «الفاضح» حول برنامجها النووي، وقدم في عرض مسرحي –الاثنين الماضي– ملفات وأقراصاً مضغوطة زاعماً أن طهران أخفت خططها النووية بعد توقيع «خطة العمل الشاملة المشتركة» 2015، (وهي مستند اتفاقية المراحل الأخيرة للنقاشات بين إيران حول برنامجها النووي ودول الـ5+1، الولايات المتحدة ورورسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا).
ورداً على رئيس الوزراء الإسرائيلي، غرّد وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف على تويتر، قائلاً: «هذا الصبي الذي لا يستطيع أن يكف عن الكذب على غرار الراعي الكذاب». وكما أوضحت بعناية في كتابي «إيران والولايات المتحدة»: يحاول المسؤولون الإسرائيليون منذ 1992 باستمرار، إقناع المنظمات الدولية بأن إيران تقوم بتطوير الأسلحة النووية، في الوقت الذي ترفض فيه مناقشة قدراتها النووية.
لقد جاء عرض نتنياهو –في مصادفة ملفتة– قبيل الموعد النهائي الذي حدده الرئيس دونالد ترامب لاتخاذ قرار بشأن الانسحاب من الاتفاق النووي. وبالتزامن مع المزاعم الإسرائيلية القديمة والحديثة، لم يقدم نتنياهو أي دليل حقيقي على أن طهران تنتهك «خطة العمل الشاملة المشتركة». وقد ركز عرضه في جزء كبير منه على البرنامج النووي الإيراني في السنوات التي سبقت توقيع الاتفاق. وقد أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومسؤولو الأمن والاستخبارات الأميركية مراراً وتكراراً التزام إيران بهذا الاتفاق.
على مدى الـ15 شهراً الماضية، اتهمت طهران ترامب بعدم الوفاء بالتزامات الولايات المتحدة بشأن تخفيف العقوبات بموجب الاتفاق، عن طريق تشجيع الدول الأخرى على عدم التعامل مع إيران، حيث قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارا ساندرز إن ترامب طلب في العام الماضي تحديداً من أكثر من اثني عشر من القادة الأجانب التوقف عن التعامل مع الدول التي ترعى الإرهاب، خاصة إيران.
وسلوك ترامب هذا يشي ضمنياً بأنه يستطيع التنمر وممارسة البلطجة والضغط على إيران لتحصيل مطالبه، لكن سجل العلاقات بين واشنطن وطهران منذ الثورة الإسلامية عام 1979 لا يترك مجالاً كافياً للاعتقاد بأن إيران ترضخ للضغوط.
وباعتباري دبلوماسياً إيرانياً وعملت كرئيس للجنة العلاقات الخارجية للأمن القومي الإيراني والمتحدث باسم فريق التفاوض النووي الإيراني، فإنني أعرف من خلال التجربة المباشرة أن طهران ترد على الضغوط ببذل ما بوسعها لإنتاج نفوذ لها. إن طريقة القادة الإيرانيين –عندما يتعلق الأمر بالضغوط– تصبح متصلبة وثابتة وانتقامية.
كان هذا الأمر واضحاً خلال النزاع النووي من عام 2002 إلى عام 2015 عندما قامت إيران بتوسيع برنامجها بشكل كبير كرد فعل على طلب أميركا الطويل الأمد بوقف تخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية. لم يكن مفتاح الاتفاق النووي في تموز (يوليو) 2015 هو العقوبات الأميركية، لكن إيران قبلت بالحد الأدنى: الاعتراف ببرنامجها لتخصيب اليورانيوم والبنية التحتية لدورة الوقود النووي.
إن الحرب الإيرانية العراقية هي أيضاً دليل على حقيقة أن طهران لا ترضخ.. حتى تحت أقسى الضغوط. فخلال الحرب الوحشية التي دامت 8 أعوام، دعمت معظم القوى العالمية والدول العربية الإقليمية صدام حسين، وقد تضمنت مساعدة أميركا لصدام تبادل المعلومات الاستخباراتية ومساعدته للحصول على أسلحة كيميائية وبيولوجية استخدمها للتأثير المدمر على الإيرانيين والأكراد العراقيين، ومع ذلك خرجت إيران من الحرب سالمة.
إذا انسحب ترامب من الاتفاق النووي فيجب عليه ألا يفكر في أن إيران معرضة للخطر وأنها ستكون في حالة يرثى لها، وخلافاً لتصور البعض في واشنطن فإن المؤشرات الاقتصادية الرئيسية في إيران قوية ومتنامية. لقد نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 11 بالمئة في العام الماضي، ومتوسط الدخل الحقيقي للفرد في ارتفاع، وسعر برميل النفط يراوح حول الـ75 دولاراً، ويتصاعد باضطراد. ومن الناحية السياسية يبدو الرئيس حسن روحاني مستريحاً وآمناً بعد إعادة انتخابه بهامش كبير على أقرب منافسيه في أيار (مايو) الماضي.
والأهم من ذلك، أن الاحتجاجات التي هزت أجزاء من إيران قبل بضعة أشهر يجب أن ترى في سياق السياسة الداخلية الإيرانية التنافسية على الدوام، وبالتزامن مع مظالم اقتصادية حقيقية مصدرها التوقعات المتقلبة فيما يتعلق بعوائد تخفيف العقوبات والإصلاحات المدعومة في ميزانية إيران الوطنية.
ومن الأهمية بمكان، أن نفهم أن مثل هذه الاحتجاجات ليست مؤشراً على الاضطراب أو الشغب الوشيك. لقد كنت في إيران خلال تلك الفترة وشهدت بشكل مباشر كيف كانت الاحتجاجات على الأرض وكيف تمت تغطيتها الإخبارية في الغرب. لم تكن الاحتجاجات أصغر بكثير مما كانت عليه فقط، ولكن المظاهرات الضخمة الموالية للحكومة في الأسابيع اللاحقة لم تحظ بتغطية إخبارية كافية. كما إن إيران بعيدة كل البعد عن العزلة الدولية وتحتفظ بعلاقات ودية مع أوربا وعلاقات استراتيجية متزايدة مع الصين وروسيا، وقد قام روحاني مؤخراً بزيارة للهند حيث وقع العديد من الاتفاقيات التجارية، كما زار روسيا وتركيا في الشهور الأخيرة.
سيرتكب ترامب خطأ استراتيجياً كبيراً إذا اعتقد أن إيران لا خيار لديها سوى الاتفاق النووي، على العكس.. فإن تمسك طهران بالاتفاق يعكس وفاءها للالتزامات الدولية وحرصها على بناء الثقة مع أوربا والشركاء الدوليين الآخرين. إذا انسحب ترامب فيمكن لإيران إحالة أميركا لمجلس الأمن الدولي لعدم امتثالها لبنود الاتفاق، وهذا من شأنه أن يعزل واشنطن ويضعها بلا داع أمام تصعيد خطير مع إيران، كما أن إلغاء الاتفاق يسمح لإيران بأن تبرر تكثيف برنامجها النووي.
نهاية نهج ترامب بشأن إيران قد تكون حرباً، ولن يؤدي مثل هذا النزاع إلى عواقب مدمرة بالنسبة لأميركا وإيران فحسب، بل سيزيد من زعزعة الشرق الأوسط الذي يحاول التخلص من ويلات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). ومع ذلك، فلدى ترامب سياسة بديلة: الدبلوماسية!
الخيار الدبلوماسي ممكن اليوم ولا يتطلب الكثير من أجل تثميره، فإذا كان ترامب يريد فعلاً «صفقات أكبر» مع إيران، فعليه أن يبني الثقة من خلال تنفيذ «خطة العمل الشاملة المشتركة» بشكل صحيح، ثم يشرك إيران باحترام، ومن دون إهانة، في هذه المسألة.
السيد حسين موسويان متخصص
في «شؤون الأمن والسياسة النووية في الشرق الأوسط» بجامعة برينستون، والناطق السابق باسم المفاوضات النووية الإيرانية الدولية، ومؤلف كتاب «إيران والولايات المتحدة: وجهة نظر من الداخل عن الماضي الفاشل والطريق إلى السلام».
Leave a Reply