خليل إسماعيل رمَّال
تحتفل أميركا بعيد الشكر (ثانغز كيفـينغ) الذي هو من أهم أعيادها التي يجتمع فـيها أفراد العائلة على موائد تحتوي على ما لذَّ وطاب من مأكولات الديك الرومي ومشتقاته فـيُعدِّدون مع بعضهم البعض أسباب الشكر والامتنان فـي حياتهم والبركات التي حلَّتْ وتحلُّ بهم.
هذا حال أميركا والعائلات فـيها، ولكن بماذا يحتفل الوطن العربي والوطن اللبناني، التائه والضائع كسفـينة من دون بوصلة فـي وسط الأمواج العاتية، فـي عيد الشكر؟ المواطن العربي يعيش حالةً من انعدام الأمن والأمان والاستقرار وسط فوضى مخاض «الربيع العربي» الأسود. والشعب العربي فـي سوريا والعراق واليمن والجزيرة العربية والبحرين وغيرها من الأقطار، يتعرَّض لأقسى ظروف الحياة بعد فشل الأنظمة السلالية المقيتة من تأسيس حكم وطني عادل أو بسبب الخطر التكفـيري.
أما فـي «شبه الوطن»، فلا تملك العائلات إلاَّ أنْ تشكر الله فقط، عزَّ وجل، على نعمة الولادة ولكنها حتماً تندب حظها العاثر فـي كل يوم بسبب العيش فـيه بسياسييه ولصوصه ومحتكريه ومصاصي دماء الشعب. فلو أُجري استطلاعٌ علمي للرأي فـي لبنان، معاذ الله، وهذا من المعجزات لأنَّ البلد السايب لا توجد فـيه مؤسسات ومعايير ومواصفات وماكينات مثل كل بلدان العالم المتمدن يمكن أنْ تركن اليها شركة الاستطلاع من أجل التنبؤ بحقيقة الرأي العام بالرغم من الاستطلاعات التي تجري حالياً والتي لا يمكن التحقق من مصداقيتها- فكل شيء يُتلاعب به فـي بلد المزرعة. ولكن لنفرض أنَّ المعجزة حصلت وسُئل اللبنانيون ماذا يشكرون على أمور إيجابية فـي حياتهم فـي بلد الفساد والجنون فنون؟!
١- لا رأس للبلاد التي هي لا جمهورية ولا ديكتاتورية إنما منزلة بين المنزلتين، بل أقرب الى الخربة الخالية من «الجمهور(ية)» التي يفترض أنها تمثله. فـي تاريخها كله لم تكن جمهورية بعبدا قريبة أبداً من الناس. ألم يقل ميشال سليمان لأهالي المخطوفـين فـي «أعزاز» (من يذكر؟) «ليش جايين لعندنا روحوا لعند جماعتكم؟!». لذا لا يهمنا وجود ساكن لقصر بعبدا المائل أم عدمه فهو لن يكون أبداً من الشعب والى الشعب فـي ظل هكذا نظام!
٢- لا يوجد مجلس نيابي شرعي بل مغتصِب للسلطة عبر التمديد لنفسه غير المطمئنة التي لن ترجع إلى ربها راضيةً مرضِيَّة، بحجّْة الوضع الأمني عدا عن أنَّ هذا المجلس هو «أعطل» وأقل أهمية فـي تاريخ برلمانات العالم من حيث التشريع وخدمة الناس. ويكفـي هذا المجلس «شرفاً» التمديد لخالد الضاهر الذي قال إذا لم يحكِ معه نواب «المستقبل» فلقدمه! هذا هو الذوق والأدب السياسي بعينه عدا عن التامر على الجيش لذا فمكافأته على سلوكه الحضاري هو بالتمديد له. ربَّما على الضاهر وطلال المرعبي فقط الإحتفال بعيد الشكر.
٣- المافـيات تحكم المزرعة او التعاونية الاستهلاكية التي إسمها لبنان وعلى رأسها حكومة من ٢٤ رئيس. لا سلسلة رتب ورواتب للمعلمين والموظفـين والعسكريين ولا حلحلة للأوضاع المعيشية مع اكتشاف كوارث جديدة كل يوم فـي بلد النكبات، اخرها التلوث الغذائي واكتشاف خلل وبكتيريا وأمراض خطيرة فـي اللحوم والاجبان والألبان والمياه والأدوية والتجميل والمطاعم والملاحم والمخازن والمزارع. ومهما كانت دوافع وائل أبو فاعور فـي كشف مجرمي الغذاء والمياه الذين يفتكون بصحة اللبنانيين، فله الفضل فـي كشفهم وتجريدهم ولا يهم توقيت الفضيحة وأسبابها، المهم تعرية السفاحين فـي بلد مفلس فـي كل شيء لأنهم يشكلون خطراً بعيد المدى لعله أكبر من خطر الصهاينة والتكفـيريين. عدا عن أنَّ لـ «أبو فاعور» سابقة رائدة تُحسب له خلال تسلمه وزارة الشؤون الاجتماعية. والسؤال هو ماذا فعل الباقون من وزرائنا الأشاوس فـي وزاراتهم منذ عشرات السنين؟ هل سمعوا بمياه «عين الدلبة» بالضاحية؟! فلنتوقف عن تحليل أسباب وتوقيت حملته رغم أن معلِّمه جنبلاط هو من أصحاب المافـيات المنتفعة من النظام البائس ولكن كل كشف لعورة هذا النظام ضرورية فليتعلم حضرات السادة الوزراء الباقون، من «أبو فاعور» وخصوصاً اليس شبطيني الجالسة فـي بيتها من دون نفع ولا خدمة وتقبض مال الناس!
لكن السؤال الأهم هو ماذا سيفعل الشعب المستكين ضد هؤلاء المجرمين؟ وهل تصل موسى «أبو صاعور» المباركة الى تجار الجملة الكبار والموزعين ووحوش المال من المسؤولين والنواب والوزراء الذين يحمون الفساد والإجرام؟! التجربة السابقة لا تنبيء بالأمل من انتفاضة شعبية والحل يكون بمقاطعة العائلات لكل المطاعم والمحلات الغذائية المشبوهة وإحياء فلسفة «الأكل من حواضر البيت» ومحاولة زرع الخضار فـي كل منزل لأن لا ثقة ولا أمل بأي شيء فـي «شقفة الوطن» ولتخسر المؤسسات الغذائية المجرمة وتذهب هي وأرباحها إلى الجحيم إذا كانت تتاجر بنفوس الناس من دون ضمير ولا شرف ولا خوف من الله.
الشكر الوحيد فـي عيد الشكر هو لله على نعمة المقاومة التي علِمنا مؤخراً أنها قادرة على إغراق العدو فـي العتمة خلال دقيقة واحدة وإعادته أيضاً إلى العصر الحجري بسبب وصول صواريخ متطورة من ايران بينما تمكَّن سياسيو لبنان المتامرين من طمس فكرة السلاح الإيراني المجَّاني، والذي قُدِّم بلا قيدٍ أو شرط، إلى الجيش اللبناني! كل عيد شكر وأنتم بخير.
Leave a Reply