«الفالنتاين» أو «عيد العشاق»، أضحى يوماً عالمياً يحتفي فيه الناس بالحب الذي يجمعهم ويظهرون فيه مكنونات عواطفهم، غير أن الطريقة التي تقارب فيها المجتمعات مفاهيم الحب والغرام واتباع الطرق الرومانسية تختلف بين الثقافات والأديان المختلفة وينسحب هذا التباين على الجالية العربية الأميركية.
فنظرة العرب الأميركيين إلى المواعدة تختلف جذرياً عن التيار العام الأميركي، حيث أن غالبية العرب يرفضون مفهوم العلاقات العاطفية والمعاشرة قبل الزواج، أما البعض منهم فمتسامحون أو متساهلون بالموضوع عندما يتعلق بمواعدة الرجل للمرأة ولكن ليس العكس.
«مو»، يبلغ عمره ١٩ عاماً، طالب في كلية «هنري فورد»، يقول إن أهله المحافظين لن يسمحوا له بإقامة علاقة عاطفية قبل الزواج. «إنهم لا يحبذون فكرة «المصاحبة» وجاليتنا حساسة لا تحتمل كلمة مواعدة» كما يقول.
وأضاف «مو» أن عائلته لن تعترض إذا «راقت» له فتاة شرط أن تكون من «العرب»، لأن «إظهار الإعجاب بفتاة غير عربية هو أمر غير مطروح بتاتاً وينظروا إليه على أنه هجرٌ لثقافتنا» وبداية سكة الإنحراف.
وأردف «مو» أن الإختلاف بين المجتمع الأميركي الرئيسي والعرب حول مفهوم «المصاحبة» أو «المواعدة» يؤدي إلى خلق مشكلة لشباب الجالية العربية الذين يروا بأم عينهم أصدقاءهم من غير العرب وهم يقيمون علاقات عاطفية جادة ومقبولة من قبل محيطهم. وأكد أن «وضعنا كمن يحدق من الشباك إلى الخارج. ومن الخطأ حرمان شبابنا من هذه المشاعر، لأنهم عندما يكبرون ويصبحون في سن الجامعة يجربون المواعدة لأول مرة ومن خلف ظهور أهلهم.. وبذلك «يغطسون» الى فوق رؤوسهم في العلاقة العاطفية ويفقدون القدرة على التركيز والدراسة في الكلية».
حسين، طالب آخر في كلية «هنري فورد» ردد كلام زميله حول «عدم خبرة وقلة دراية الشباب العرب في أمور الحب والعاطفة مما يؤدي إلى «وقوعهم في مطبات غير سليمة خلال علاقتهم الأولى أو الحب الأول».
ويقول حسين إنه درس معظم حياته في مدارس إسلامية (تشارتر)، حيث «المصاحبة» بين الصبيان والبنات أمر غير وارد. وأضاف «صديق لي حصل على منحة دراسية إلى جامعة ميشيغن، التقى هناك في فترة الفصل الدراسي الأول بفتاة وحوّل كل إهتمامه اليها.. وكان في حالة إنفعال وفرح إلى درجة أنه بدأ يهمل واجباته المدرسية فضعف معدله العام إلى أن خسر المنحة التي حصل عليها بسبب تفوقه في المرحلة الثانوية».
وأشار حسين إلى أن أهله لا يمانعوا إذا كانت لديه صديقة لكنهم لن يسمحوا لأخته بأن تصاحب وتواعد أحداً. واستطرد «أهلي يعتبرون منفتحين مع الصبيان، لكن لسبب ما عندهم فإن البنت تؤثر على سمعة العائلة برمتها. إنه خطأ التقاليد.. فالدين ينظر للفتاة والفتى بالتساوي».
وأكد حسين أن التواصل داخل العائلة والحوار هو السبيل الأفضل لتجنب النتائج غير المرغوب فيها والناجمة عن علاقات عاطفية قبل الزواج كالمشاكل السيكولوجية.
«مو» قال إنه سيسمح لأولاده بالمصاحبة والمواعدة، صبياناً وبناتاً، لأن ذلك ليس أمراً سيئاً «طالما أن الشخصين يذهبان إلى أماكن عامة ولا يرتكبون أي خطأ». أما بالنسبة إلى البنت «فاعتقد أني سوف أطلب من صديقها أن يأتي إلى المنزل أولاً».
وبرأي «مو» فإن «الجنس قبل الزواج خطأ، حسب الدين»، لكن «المواعدة مختلفة» وإن كانت المعايير الموضوعة للبنات أكثر تصلباً. «البعض قد يسمي هذا تمييز جنسي لكن الأهل يقولون إنهم يفعلون ذلك لحماية بناتهم».
فاطمة، وعمرها ١٨ عاماً، خريجة ثانوية «إيدسل فورد» أكدت أن التباين داخل الجالية بين معاملة الصبي والبنت هو بالحقيقة تمييز جنسي مع أن أمها لا تمنعها من أن يكون لديها صديق.
فقد تربت فاطمة -ككثيرات من أبناء الجالية- بكنف أم مطلقة ومن دون أب ومع أن أمها تسمح لها بالمواعدة مع صديق إلا أنها لاتزال تقدم «الحماية المفرطة» لها. وقالت «عندما التقيت صديقي إعتقدت أنه لا سبيل أبداً لأن توافق أمي عليه لأنه كلداني وكنت مكسورة القلب والخاطر لكني عندما أبلغتها عنه بعد عدة أشهر، قالت إنها تثق بي وإنها لن تعارض رغبتي». وأردفت فاطمة «إلا أن أمي مازالت تفرض حدوداً معينة على علاقتي بصاحبي مثل العودة إلى البيت في وقت محدد وهي دائماً تتصل بي ودائماً قلقة من أن أحتسي الكحول أو من ممارسة الجنس».
وأكدت أن أمها لم تكن لتفرض هذه القيود لو كانت فتى، «فالناس في الجالية لا يكترثون لما يفعل الشبان، لكنهم دائماً يستجوبون الفتيات وهذا تمييز جنسي، وإذا أردت ممارسة الجنس فأمي تقتلني أما إذا أراد أخي نفس الشيء فإنها سوف تعطيه الواقي الذكري».
لكن فاطمة، المعروفة باسم تيما، تعترف بأنها محظوظة بوجود أم رائعة و«كول»، لأن الفتيات الأخريات في الجالية لا يسمح لهن حتى بالتحدث مع الشباب.
وجهة نظر الأهل
عليا، أم لعدة أولاد وطالبة جامعية تدرس علم النفس، قالت إنها تحكم على أولادها من خلال معايير مختلفة حسب جنسهم، فهي تسمح لأبنائها أن يواعدوا فتيات لكن لا تسمح لبناتها بذلك، لأن «القلق على البنت أكبر».
وشرحت عليا أنها ربت أولادها حسب نفس المبادئ لكن عندما كبروا فإنها قبلت على مضض ما يفعل الأبناء لأنها ليست قادرة على التحكم بأفعالهم. وذكرت أن إبنتها ذات الـ١٩ عاماً تطلب إذناً قبل الخروج من المنزل، لكن الصبيان لا يطلبون إذن أحد.
وسألت عليا نفسها «هل هذه إزدواجية معايير؟ الجواب نعم.. هل هي هرطقة؟ نعم.. لكن هذه قيود عرفية، والأعراف تلعب دوراً محورياً في حياتنا. إننا مبرمجون ثقافياً بهذه الطريقة في التفكير وأشعر أن هذا ما إستخدمه أهلي علي وأنا بدوري أربي أولادي بنفس الطريقة».
وزادت عليا قائلة «أنا أسمح لابنتي بأن تتخذ صديقاً في حالة واحدة إذا علمت يقيناً أن العلاقة صادقة وبنية الزواج. وإذا كانت المواعدة تهدف إلى معرفة الشخص وبناء الإلتزام المتبادل فلا مشكلة في ذلك لكن كلمة «المواعدة» حساسة والمفهوم الأميركي للمواعدة غالباً ما يعني الجنس، وهنا تكمن المشكلة».
المواعدة والزواج فـي الإسلام
الشيخ محمد علي إلهي، مرشد «دار الحكمة الإسلامية» في ديربورن هايتس، قال «إن نسخة المواعدة التي تروجها» الثقافة السائدة هي «خاطئة» وتتناقض مع «مفهوم العائلة». إذ يشدد الشيخ على أهمية العائلة في بناء المجتمع، ودور العائلات في تماسك الجالية رغم ما تتعرض له من أزمات عاصفة مع ارتفاع نسبة الطلاق.
وأردف «نحن بحاجة إلى مراكز تربوية تثقيفية للتشديد على مفهوم العائلة، لأن العائلة الناجحة تؤدي إلى المجتمع الناجح وإلى أميركا ناجحة». ولو كانت المواعدة ضرورية من أجل الزواج فيجب أن تكون مشروطة ومؤطرة وهذا يعني أن الذكر والأنثى يجب أن يتلاقيا حيث تكون العائلات موجودة أو في أماكن عامة حتى لا يحصل أي إلتقاء جسدي أو علاقة جنسية قبل الزواج مما يؤدي، إذا حصل، إلى نتائج تدميرية. فالعلاقة يجب أن تكون صادقة وطاهرة».
وإنتقد إلهي ترويج «هوليوود» ووسائل الإعلام للمواعدة على أنها «مرح وفرح»، لكنها قد تؤدي إلى الدمار في حال حصول حمل أو إجهاض أو غير ذلك. وأضاف «إنها خطرة جداً». ونصح أبناء الجالية على إعمال عقولهم وليس عواطفهم عندما يواجهون قضية شائكة كهذه. وأكد أن النساء والرجال يحاسبون حسب القواعد الأخلاقية والدينية «فالخوف من الله والتحلي بالأخلاقية يطبق على المرأة والرجل معاً لأن كل البشر لهم كرامة من الله سبحانه».
وتحدث الشيخ الهي عن فكرة الزواج المؤقت المتبعة لدى المذاهب ومنها «زواج المتعة» عند الشيعة، والذي يأتي في إطار شروط يجب التقيد بها «من أجل منع الحرام». واصفا ً زواج «المتعة» بأنه «أفضل من المواعدة غير المسؤولة» ودعا إلى تأليف «مؤسسة زواج» تساعد الشبان والشابات على التواصل لهذا الغرض. وقال «إن الزواج في الإسلام هو مستحب وليس واجباً ولكن إذا كان العمل الحرام سوف يقع فيصبح الزواج واجباً» حسب قوله.
بالنسبة إلى «عيد العشاق»، قال إلهي أن الإسلام يحث على المحبة والإحترام في إطار الزواج. إذ أن كلمة «رحمة» هي الأكثر ذكراً في القرآن الكريم. وخلص إلى القول بأن الإسلام لا يعترض على الإحتفاء بعيد العشاق «بل كل يوم يجب أن يكون يوم فالنتاين لإظهار الحب بين الزوجين».
Leave a Reply