بيروت –
أعلن الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، في الذكرى الثانية لاغتيال الشهيد عماد مغنية، بأن صواريخ المقاومة ستردع العدو الإسرائيلي، عن أية مغامرة عسكرية يقوم بها ضد لبنان ومقاومته، وإن استهداف مطار بيروت (رفيق الحريري)، سيقابله ضرب مطار بن غوريون، وإن تدمير مبنى أو مبان في بيروت أو الضاحية أو أية منطقة لبنانية، سيقابله إسقاط مبان وتهديم أحياء في تل أبيب، وإن قيام الطيران الإسرائيلي بقصف منشآت ومرافق حيوية كمحطات الكهرباء والمياه والهاتف وغيرها، سيكون الرد عليه بالمثل.
كلام السيد نصرالله، يأخذه قادة العدو الاسرائيلي على محمل الجد ويصدقون كل عبارة يقولها، لان وعده صادق، وهذا ما اختبروه في اثناء العدوان على لبنان صيف 2006، فسيد المقاومة يقرن القول بالفعل، فهو لا يمارس الخطابة الحماسية للجماهير، على غرار رؤساء انظمة عربية، وقادة منظمات واحزاب، ولا يطلق الشعارات الرنانة، ويذهب الى “الهوبرة” كما اعتادت الشعوب العربية، ان تسمع من مسؤوليها دون ان يطبقوا شعاراتهم.
ومنذ تحذير السيد نصرالله لاسرائيل، التي اكثرت من مناوراتها العسكرية وتهديداتها للبنان، بان اي عدوان جديد قد تلجأ اليه لن يكون نزهة، توقف القادة السياسيون والعسكريون في الدولة العبرية، عند ما قاله الامين العام لـ”حزب الله” وسألوا ما هي القدرات والامكانات العسكرية التي بات يمتلكها ليهدد بتعطيل مطار بن غوريون، وتدمير حي وابنية في تل ابيب، وما هو نوع السلاح الذي وصل الى المقاومة ليقف قائدها متوعداً، وهو ليس بحاجة الى رفع معنويات جمهوره، ونيل ثقة اللبنانيين، بان المقاومة قادرة على الصمود والتصدي لاسرائيل وانزال هزيمة بجيشها الذي لا يقهر، فهذه المرحلة تخطاها السيد نصرالله، بعد الانتصارات التي سجلتها المقاومة في تحرير الارض بالعمليات العسكرية في 25 ايار (مايو) 2000، وفي ردع العدوان الاسرائيلي عام 2006.
وخرجت القيادة الاسرائيلية، بعد كلام السيد نصرالله، لتعلن ان سوريا زودت “حزب الله” بصواريخ “سكود” التي يصل مداها الى 350 كلم، وتحمل رؤوسا متفجرة يصل وزنها الى الف كيلوغرام، وشنت حملة سياسية واعلامية، شاركتها فيها الولايات المتحدة، وارفقتها بتحذيرات وتهديدات من ان سوريا ستتعرض لعمل عسكري اسرائيلي، وان لبنان كله سيكون تحت مرمى النيران الاسرائيلية، وستتحمل حكومته المسؤولية، لانها تضم داخلها ممثلين لحزب يهدد امن اسرائيل.
وقد رفعت اسرائيل من حدة تصريحاتها العسكرية، ووضعت المنطقة امام شفير حرب شاملة، اذ شملت بتهديداتها ايران وسوريا والمقاومة في لبنان وفلسطين، وبدأ الارباك والقلق مسيطران على قادة الكيان الصهيوني، اذ في الوقت الذي كان الصقور فيه من امثال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية افيغدور ليبرمان، يطلقان تهديداتهما الحربية، كان وزير الدفاع ايهود باراك، يحاول التخفيف من ذلك، مع اصراره على ان لا يمتلك “حزب الله” الصواريخ، بما يغير من معادلات المنطقة.
فافتعال ازمة الصواريخ كانت تخبئ مأزقاً اسرائيلياً يتعلق بالخلاف مع الادارة الاميركية حول تجميد الاستيطان الصهيوني في اراضي الضفة الغربية والقدس، الى استئناف المفاوضات الاسرائيلية–الفلسطينية، وتحقيق الدولتين كما ترغب اميركا، ثم في الوضع الدولي الذي تعيشه الدولة العبرية لجهة الفضائح التي تلاحقها والممارسات اللأنسانية التي تقوم بها في غزة وكل فلسطين المتحلة، وفق ما كشفه تقرير المندوب الدولي غولدستون، لجهة الجرائم والفظائع التي ارتكبها الجيش الاسرائيلي في غزة، وطالت المدنيين والجمعيات الانسانية وحتى مباني الامم المتحدة، اضافة الى تزوير جوازات سفر لدول اوروبية استخدمت في جريمة اغتيال القيادي في “حماس” محمود المبحوح.
فاسرائيل تعيش هاجس صواريخ المقاومة، وقلقة من ان تصبح قوة عسكرية، اذ يتحدث المسؤولون في تل ابيب عن ان لدى المقاومة حوالي 80 الف صاروخ، وان من بينها صواريخ يصل مداها الى 350 كلم، وتصيب اهدافاً في النقب، ولا تخطئ اصاباتها فهي تصل الى مكتب وزير الدفاع ورئاسة الاركان في تل ابيب، اضافة الى المطارات العسكرية، وقواعد تجنيد الاحتياط وتعبئتهم، ثم في الوصول الى الاهداف الاستراتيجية، مثل محطات الكهرباء والمياه، ومصافي النفط، ومصانع البتروكيمائيات.
فبنك اهداف المقاومة، داخل فلسطين المحتلة، لا يقل ابداً عن ذلك الذي تهدد به اسرائيل، وتقول انها ستدمر الجسور والطرقات ومحطات الكهرباء ومطار بيروت والمرافئ الخ… وهي الاهداف نفسها التي طالتها طائراتها في عدوان تموز قبل اربع سنوات وفي كل حروبها على لبنان، وبات اللبنانيون يحفظونها، وهي بحاجة الى ثلاثة ايام ليقوم الطيران الحربي الاسرائيلي، بتدمير كل البنى التحتية ولا يعني ذلك، ان اسرائيل حققت انتصاراً وهو السيناريو نفسه الذي حصل في 2006، وبقيت الحرب 33 يوماً، وصواريخ المقاومة تسقط على المستوطنات، وقوات الاحتلال تقف عند تخوم عيتا الشعب ومارون الراس وسهل الخيام ووادي الحجير وبنت جبيل ومرجعيون.
فالمقاومة اعلنت عن بنك اهدافها، وقادة العدو، يدرسون الامر جيداً، وقد بدأوا يحسبون الف حساب، لاية مغامرة عسكرية قد يقدمون عليها، فلم يعد عدوانهم على لبنان يمر دون رد، ولن تدخل قوات الاحتلال اراضيه، وكأنها في نزهة، وسقطت نظرية موشي دايان وزير الدفاع الاسبق التي اطلقها في العام 1967، بان لبنان بحاجة الى فرقة مجندات في الجيش الاسرائيلي، تدخلن اليه على الدراجات الهوائية، لاحتلاله.
فحروب العدو الاسرائيلي مع لبنان لم تكن نزهة، وقواته واجهت مقاومة في كل مرة حاولت اجتياحه سواء في العام 1978 او 1982 وقد تم طردها من اراضيه بالمقاومة، فلم يستطع الجيش الاسرائيلي باحتلال بيروت، وخرج منها بعد سلسلة عمليات عليه، دفعته الى توجيه نداء الى ابناء أول عاصمة عربية يدخلها، يعلن فيه: اننا راحلون لا تطلقوا النار علينا، حيث استطاعت المقاومة اخراجه بالقوة في ايلول 1982،وبعد عشرة ايام على دخوله بيروت، ثم كرت سبحة انسحاباته من الاراضي اللبنانية المتحلة، الى ان انهى احتلاله للبنان في الخروج منه تحت جنح الظلام في 25 ايار عام 2000، ومعه عملاؤه من “ميليشيا لحد” حيث تم تحرير اول ارض عربية، دون توقيع اتفاق سلام او معاهدة صلح.
فما حصل في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وحاولت اسرائيل تكراره في العام 2006، بالاحتلال لبنان من جديد، لن يكون سهلاً على اسرائيل ات تقوم به من جديد، بعد ان حصدت الهزائم العسكرية والسياسية فلم تتمكن من فرض اتفاق اذعان على لبنان، الذي اسقط اتفاق 17 ايار عام 1984، وقد حاولوا تكراره عام 2006 وفشلوا مع اندحار العدوان.
ولهذه الاسباب فان قادة العدو الذين يكثرون من تهديداتهم للبنان، ويقومون بمناورات على حدوده، ويحشدون قواتهم، فانهم لن يغامروا بحرب جديدة، وهذا ما يؤكده قادة المقاومة وفي طليعتهم السيد نصرالله، الذي يضع كل الاحتمالات ولا يأمن للعدو الاسرائيلي وغدره، لكنه واثق من ان الحرب المقبلة اذا ما اقدمت عليها اسرائيل ستغير وجه المنطقة، وقد تكون اخر حروبها، لا بل وجودها ككيان الذي اصطنعه الغرب، وفرضه على المنطقة التي لم تهضم وجوده، لخطورة المشروع الصهيوني الذي يرفع مسألة وجود “الدولة اليهودية” التي توقع لها السيد نصرالله الاندثار، اذ من يقف وراءها من دول غربية لم يعد باستطاعته حمايتها، واولها الولايات المتحدة التي تضع امن اسرائيل في استراتيجيتها في المنطقة، وتعتبرها قاعدة عسكرية متقدمة لها، فان اميركا وبعد الهزائم العسكرية التي تلقتها في العراق وافغانستان ولبنان والسودان والصومال، ومع النكسات العسكرية التي اصابت اسرائيل، منذ منتصف السبعينات حتى اليوم، فان هذا الكيان يعيش في مازق وجوده، وقد تنبه لذلك مثقفون يهود في اوروبا واميركا، فأسوا ما سمي “جي كول” من اجل دفع قادة اسرائيل للقبول بالسلام، واقامة دولتين فلسطينية ويهودية، قبل ان يسقط المشروع الصهيوني كله.
فالتهديد الاسرائيلي بالحرب، لن يصل الى مكان، اذ ان قوة لبنان تضاعفت كثيراً، واصبح في استطاعته ليس تلقي العدوان والصمود بوجهه، بل انزال خسائر كبيرة في الكيان الصهيوني، لا بل دخول مجموعات الى مستوطناته وخوض مواجهات داخلها، كما اشارت الى ذلك صحيفة “الاندبندت” البريطانية، التي كشفت عن ان لدى “حزب الله” خمسة الاف عنصر مجهزون للدخول الى الاراضي الفلسطينية المحتلة المجاورة للحدود مع لبنان.
فقوة لبنان وفق التقديرات والتقارير الاسرائيلية زادت مع تحدث قادة العدو الى ان المقاومة باتت تمتلك ايضاً لصواريخ من نوع “أم 600”، تنتجها سوريا ويصل مداها الى 300 كلم وتحمل رأساً بنصف طن من المتفجرات، وقد وصل منها الى المقاومة 200 صاروخ من سوريا، التي نفت المزاعم الاسرائيلية التي اشارت الى ان “حزب الله” وزعهم في عدد من المناطق اللبنانية، وان اصابات هذه الصواريخ دقيقة، وتصل الى اهدافها وهي قادرة على ضرب البنى التحتية الاسرائيلية، وارباك حركة سلاح الجو بضرب مطاراته، وارباك هيئة الاركان العامة في الجيش كما يقول الرئيس السابق لادارة مشروع اعتراض الصواريخ في وزارة الدفاع الإسرائيلية عوزي رابين، والذي يؤكد ان قدرة “حزب الله” العسكرية، وتحديداً الصاروخية باتت قوية، وهو ما دفع بقائد الدفاع الجوي الاسرائيلي العميد درورن غيتش الى القول: ان المنظومات الاسرائيلية المخصصة لاعتراض الصواريخ لا تستطيع حماية مطلقة ضد الصواريخ التي يملكها “حزب الله” وسوريا وايران التي لديها وسائل قتالية صاروخية مختلفة وذات مدى بعيد ودقيق مع قدرة تدميرية كبيرة جداً.
لذلك تعيش اسرائيل قلقاً فعلياً على وجودها من هذا الكم من الصواريخ الذي يحيط بها من غزة الى لبنان وسوريا وايران، وذهب قادتها الى اميركا واوروبا، يحذرون المسؤولين هناك من ان ليس امن اسرائيل في خطر بل وجودها، ولا بد من تحرك ما، سواء باعطاء ضوء اخضر لحرب شاملة، او القيام بحرب وقائية، وهو ما دفع بوزير الخارجية الفرنسية برنار كوشينر الى القول، ان الوضع خطير في المنطقة وتحديداً في جنوب لبنان.
Leave a Reply