وليد مرمر
قد يبدو للوهلة الأولى لمن تابع الكلمة المتلفزة التي ألقاها الرئيس الأميركي قبيل توقيع «معاهدة السلام» بين إسرائيل من جهة، و«الإمارات المتحدة العظمى» و«الإمبراطورية البحرينية» من جهة أخرى (مساحة البحرين أصغر من نصف مقاطعة وين)، أن دونالد ترامب بصدد الإشراف على اتفاق سلام يضاهي أهمية معاهدة فرساي التي أنهت الحرب العالمية الأولى.
فلقد أحاط ترامب نفسه في المكتب البيضاوي بكبار مساعديه ومستشاريه وبدا كالنافج حضنيه وهو يكرر المرة تلو الأخرى أن «المقاتلين –والبعض منهم من الأشاوس، حسب تعبيره– قد سئموا الحروب وهم بالتالي قد قرروا أن يجنحوا للسلم!» وليت شعري عن أي قتال وأي مقاتلين يتحدث الرجل! ففي تاريخ الصراع العربي–الإسرائيلي لم تلق كل دول الخليج على إسرائيل، وردة! بل إن أياً منها لم يشارك في أي من الحروب العربية الإسرائيلية منذ بداية الصراع أواسط القرن الماضي! والواقع، أن كل ما قدمته هذه الدول الثرية للقضية الفلسطينية لم يعدُ كونه فقاقيع خطابية وبترودولار فاسد أتخم أسماع العرب وعقولهم لعشرات السنين، في مصداق واقعي لمقولة أن «العرب ظاهرة صوتية» فقط.
لكن مهلا! فلكل قاعدة استثناء: فلقد شاركت دولة الإمارات في حرب غزة الأخيرة… نعم، شاركت الإمارات عسكرياً في حرب غزة… ولكن في الجهة المقابلة، أي مساندة الجيش الإسرائيلي!
فمنذ سنتين تقريباً، أعلن المدون الإسرائيلي إيدي كوهين –وعند كوهين الخبر اليقين– في الرد على نائب قائد شرطة دبي ضاحي خلفان إثر مشادة «تويترية» بينهما مرت لاحقاً كغيمة صيف، أعلن في تغريدة له عن مشاركة طيّار إماراتي متدرِّب لدى سلاح الجوّ الإسرائيلي في قصف قطاع غزة، متحدّياً خلفان أن ينكر ذلك.
كانت تغريدة كوهين: «هل ينكر ضاحي خلفان وجود طيار إماراتي شارك ضمن سلاح الجوّ الإسرائيلي في القصف على الإرهابيّين في غزة، قبل 3 أسابيع، وهو يتدرَّب على طائرات أف 35 الإسرائيلية عندنا؟ أتحداه أن ينكر ذلك». ثم قام كوهين بنشر تقرير في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن تدريبات مشتركة في اليونان جمعت بين القوات الجوية الإماراتية والإسرائيلية، إلى جانب الولايات المتحدة وإيطاليا والمملكة المتحدة وقبرص!
ببساطة، كان سبب الخلاف الكوهيني–الخلفاني أن كوهين كان قد صرح منذ سنوات بأن ضاحي خلفان قد شارك في اغتيال القيادي في حركة «حماس». محمود المبحوح في دبي عام ٢٠١٠ والذي تبين أنه اغتيل من قبل مجموعة كبيرة من رجال ونساء الموساد الذين دخلوا الإمارات بجوازات سفر أجنبية. وكردة فعل سارع خلفان للتغريد بأن «على العرب أن يدركوا هذه الحقيقة: أن إسرائيل لا همّ لها إلا إحداث الدمار للوطن العربي، فهو السبيل الوحيد لكي تبقى مُهيمنة».
فردّ عليه كوهين قائلاً: «إسرائيل تاج رأسك يا ضاحي خرفان، إذا بتواصل التطاول على اليهود وعلى إسرائيل قسماً سأفتح ملفّك وملفّ زيارتك السرّية مع وفد أمني في السنوات الأخيرة إلى إسرائيل».
وبعد أن أدى هذا الخلاف «التكتيكي» بين الرجلين إلى نشر غسيلهما الوسخ أمام الملأ، عادت المياه إلى مجاريها (ولله الحمد!) بين كوهين وخلفان بعد أن قام الأخير بالاعتذار إليه عبر وسائل التواصل الإجتماعي.
وبالعودة إلى اتفاق «السلام» المزعوم، فالكل شاهد على شاشات التلفزة كيف تم التعامل مع بن زايد وبن عيسى في البيت الأبيض بفوقية ظاهرة من قبل ترامب ونتنياهو عندما كانا يتقدمانهما في المشي متبادلين الحديث غير آبهين بهما. بدا الرجلان الخليجيان كدميتين في لعبة الأراغوز التركية، لا يعلمان حتى على ماذا يوقّعان!
وعلى أي حال، فالعلاقات الخليجية الإسرائيلية ليست جديدة. ففي عام 2011 كشفت برقيات «ويكيليكس» التي نشرتها صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن علاقات خفية بين مسؤولين بحرينيين وإسرائيليين. مثلاً، في لقاء مع سفير الولايات المتحدة في فبراير 2005 تفاخر ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، ودائماً وفقاً لوثائق ويكيليكس، بوجود اتصالات مباشرة مع الموساد، مشيراً إلى أن البحرين مستعدة لتطوير العلاقات في المجالات الأخرى أيضاً. وأضافت الوثائق أن الملك البحريني قد أعطى أوامر بأن لا تستخدم عبارات مثل العدو أو الكيان الصهيوني في التصريحات الرسمية!
أما من جانب الإمارات، فالتعاون الأمني والاستخباراتي قائم مع إسرائيل منذ سنوات عديدة وهو «أوضح» من نار على علم.
ثم إن تدخل الإمارات عسكرياً في دول مثل اليمن وليبيا وسوريا ينسجم ويتناغم مع الأجندات الإسرائيلية في تلك البلدان.
وبما إن الطيور على أشكالها تقع، فقد انتقلت خبرات التهجير والاحتلال من إسرائيل إلى حليفتها الإمارات، وفي الملف اليمني تحديداً. إذ تحدثت تقارير إعلامية عن مخطّط لأبوظبي، يقضي بتهجير أهالي جزيرة سقطرى البالغ تعدادهم نحو ٢٠٠ ألف نسمة، وتحويل الجزيرة إلى قاعدة عسكرية إسرائيلية ومنتجع سياحي خاص بسكان الإمارات. وكانت أبوظبي تعمل على نقل سكان الجزيرة إلى مدينة قصيعر الساحلية، بمحافظة حضرموت، حيث ستنشئ لهم مخيمات مؤقتة على غرار مخيمات الشتات الفلسطينية. بل بدأ العمل فعلاً على بناء قاعدة إسرائيلية إستخباراتية في أهم جزر أرخبيل سقطرى. وهذا ما أكدته حكومة هادي اليمنية التي تربطها علاقات يشوبها التوتر مع الإمارات أحياناً، عندما أعلنت عن استقدام القوات الإماراتية ضباطاً وعمالاً «مجهولي الهوية» إلى سقطرى بالتزامن مع قرار منع استقبال المواطنين اليمنيين في الجزيرة، إلا بالتنسيق مع المسؤولين الإماراتيين والإسرائيليين فيها. وبالفعل، وحسب بعض وكالات الأنباء، تشهد مدينة قصيعر شرقي المكلا في ساحل حضرموت حملة واسعة لنهب الأراضي من قبل متنفذين موالين للإمارات منذ عام 2017، ما يؤكد الشكوك حول علاقة الأمر بتهجير السقطريين.
إذن، فقد تم تطويب أرخبيل جزيرة سقطرى اليمنية من قبل دولة الإمارات العظمى وتقديمها «هدية متواضعة» إلى إسرائيل لتقيم فيها قاعدة متقدمة تشرف على باب المندب الذي يعتبر أحد أهم المعابر المائية الإستراتيجية في المنطقة والعالم. والجزيرة لمن لا يعلم، تم تصنيفها كأحد مواقع التراث العالمي في عام 2008 لما فيها من الغنى النباتي والحيواني ولجمالها الطبيعي الخلاب. وكذلك فقد صنفتها صحيفة «نيويورك تايمز» كأجمل جزيرة في العالم لعام 2010 نظراً لتنوعها الحيوي الفريد وأهميتها البيئية على مستوى العالم.
قريباً، ستنضم إلى نادي المستسلمين والانهزاميين العرب ثلة أخرى من الدول التي تقيم علاقات ظاهرة أو خفية مع إسرائيل مثل السعودية والسودان وغيرهما. ولن يكون المطلوب من إسرائيل تقديم أي تنازلات لقاء «معاهدات السلام» تلك، بل بالعكس ستتنازل هذه الدول عن الكثير من حقوقها السيادية مقابل رضى «أبناء العم» الذين لا يترك إمام الحرم المكي الشيخ السديس فرصة إلا ويذكرنا بأن محمداً صلوات الله عليه وعلى آله قد عاهدهم في المدينة وأعطاهم حقوقهم المدنية كاملة!
وفيما يهرول الملوك والأمراء والسلاطين وأصحاب المعالي للتطبيع مع دولة الاحتلال وتقديم صكوك الطاعة وأخذ الصور التذكارية مع «أولاد عمومتهم» نستذكر قصيدة شاعرنا الكبير أحمد مطر:
صحت من قسوة حالي: فوق نعلي كل أصحاب المعالي.. قيل لي عيب، فكررت مقالي. قيل لي عيب، فكررت مقالي. ثم لما قيل لي عيب، تنبهت إلى سوء عباراتي، وخففت انفعالي، ثم قدمت اعتذاراً… لنعالي!
Leave a Reply