الجيش الروسي يطلق أكبر عملية عسكرية في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية
عواصم
في أوسع حرب تقليدية تشهدها القارة الأوروبية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أمر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، فجر 24 شباط (فبراير) 2022، بإطلاق عملية عسكرية شاملة في أوكرانيا بذريعة حماية سكان جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الانفصاليتين اللتين اعترفت بهما موسكو كدولتين مستقلتين، قبل ثلاثة أيام فقط من انطلاق العملية التي يقول فلاديمير بوتين إنه اضطر إليها للدفاع عن أمن روسيا في ظل مساعي حلف شمالي الأطلسي (ناتو) لضم أوكرانيا.
أما على المقلب الغربي، وقفت العواصم الأوروبية وواشنطن عاجزة عن الرد على التحرك الروسي «المتوقع»، باستثناء فرض عقوبات واسعة لشل الاقتصاد الروسي بينما يخشى المراقبون أن تنعكس العقوبات وبالاً على اقتصاديات أوروبا والولايات المتحدة في ظل الارتفاع الصاروخي لأسعار الطاقة التي تعهد الرئيس الأميركي، جو بايدن، باحتوائها من خلال ضخ النفط من الاحتياطات الاستراتيجية.
أهداف العملية
في خطاب طارئ أعلن خلال انطلاق «العملية العسكرية الخاصة لحماية دونباس»، وهي المنطقة التي تضم جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الانفصاليتين، أكد بوتين أن هدف موسكو هو «تجريد أوكرانيا من السلاح»، داعياً الجيش الأوكراني إلى رمي أسلحته، ومحذّراً من أن أية محاولة للتدخل الأجنبيّ ستقابَل باستجابة فورية «لم يشهدوا مثيلاً لها في تاريخهم»، وأنّ تدخّلهم سينتهي بـ«هزيمة نكراء للمعتدين».
وأوضح بوتين أن «الهدف من العملية العسكرية الخاصة هو حماية الشعب الذي يتعرّض منذ ثماني سنوات للإذلال والإبادة الجماعية من قبل النظام في كييف». وتابع: «لهذا، سنسعى إلى تجريد أوكرانيا من السلاح، وسنضغط أيضاً من أجل تسليم أولئك الذين ارتكبوا جرائم دموية عديدة ضد المدنيين المسالمين، بمن فيهم المواطنون الروس، إلى العدالة».
وتابع بوتين أن موسكو لا تخطّط لاحتلال أوكرانيا رغم العملية، إذ اعتبر أن «للشعب الأوكراني حقّ تقرير المصير». كذلك، لفت إلى أن روسيا لن تسمح لكييف بالحصول على أسلحة نووية، مندداً بتوسع حلف شمال الأطلسي غير القانوني شرقاً باتّجاه حدود روسيا.
وأضاف بوتين مخاطباً الجنود الأوكرانيين: «سنمنح للجنود الأوكرانيين الذين يرمون أسلحتهم حرية مغادرة منطقة العمليات القتالية والعودة إلى أسرهم»، مشيراً إلى أن مسؤولية إراقة الدماء التي قد تحصل «ستقع بالكامل على عاتق النظام الحاكم في أوكرانيا».
وتقع جمهوريتا دونيتسك ولوغانسك، الانفصاليتان المواليتان لروسيا في حوض دونباس الناطق بالروسية في شرق أوكرانيا، وهي منطقة محتلة من قبل الانفصاليين المدعومين من روسيا منذ عام 2014، حيث أودى النزاع بين الانفصاليين والقوات الحكومية الأوكرانية بحياة أكثر من 14 ألف شخص.
وتؤكد موسكو أن هذه المنطقة، يسكنها ناطقون باللغة الروسية على غرار جزء كبير من شرق أوكرانيا، وترى أنه ينبغي حمايتهم من القومية الأوكرانية.
سير العملية
مع انتهاء بوتين من خطابه، بادر الجيش الروسي إلى عمليات قصف واسعة استهدفت عشرات المواقع العسكرية الأوكرانية، فيما انتقلت الميليشيات الشعبية الموالية لموسكو في جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك إلى الهجوم المعاكس –بدعم من الجيش الروسي لتقطع خطوط الدفاع الأولى للجيش الأوكراني في إقليم دونباس الذي يفصل روسيا عن أوكرانيا.
من جانبه، حرص الجيش الروسي على عدم قصف مدن أوكرانيا لا بالمدفعية أو بالصواريخ ولا من الجو. ونوهت وزارة الدفاع الروسية، بأنه تم بواسطة الأسلحة عالية الدقة تعطيل البنية التحتية العسكرية ومنشآت الدفاع الجوي والطيران والمطارات العسكرية في أوكرانيا.
وبحسب وسائل الإعلام الروسية، لم تصدر أية مقاومة للجيش الروسي من جانب حرس الحدود الأوكراني. وتدل المعلومات الاستخبارية على أن مجموعات كبيرة من العسكريين الأوكرانيين يتركون مواقعهم ويرمون سلاحهم.
من جانبه، أعلن الرئيس الأوكراني الموالي للغرب، فولوديمير زيلينسكي «تطبيق الأحكام العرفية في جميع أنحاء أوكرانيا»، مقراً بأن بلاده «تركت لوحدنا في مواجهة روسيا».
وفي حين بلغت حصيلة اليوم الأول من «الغزو الروسي» 137 قتيلاً أوكرانياً، بحسب زيلينسكي، أعلن الأخير التعبئة العسكرية العامة لمواجهة الغزو الروسي في غضون 90 يوماً في كل المناطق الأوكرانية، مطالباً قواته بـ«تكبيد القوات الروسية حدّاً أقصى من الخسائر»، وفق ما أعلن قائد القوات المسلحة الأوكرانية، الجنرال فاليري زالوجني.
وقبل ذلك، أعلن الرئيس الأوكراني «تطبيق الأحكام العرفية في جميع أنحاء أوكرانيا».
وقالت وزارة الخارجية الأوكرانية بيان إن العملية الروسية الجارية في مدن عدة من أوكرانيا تهدف إلى «تدمير الدولة الأوكرانية والاستيلاء على أراضيها بالقوة وفرض احتلال». كما دعت كييف المجتمع الدولي إلى «التحرك الفوري» وفرض عقوبات جديدة على روسيا في أسرع وقت ممكن.
بدورها، أفادت الأمم المتحدة أن نحو مئة آلف شخص نزحوا من منازلهم داخل أوكرانيا، فيما غادرها آلاف آخرون إلى خارج البلاد.
عقوبات
في كلمة له، مساء الخميس الماضي، أعلن الرئيس الأميركي، جو بايدن عن حزمة عقوبات غير مسبوقة ضد روسيا رداً على «الهجوم غير المبرر على أوكرانيا»، متهماً موسكو بارتكاب «انتهاك صارخ للقانون الدولي». وتسببت العقوبات بتراجع حاد في البورصة الروسية، وسط تردد غربي بالمساس بقطاع الطاقة الروسية الذي لا يمكن تعويض إمداداته لأوروبا.
بايدن قال إن «بوتين اختار طريق الحرب، وسيتحمّل تداعياتها»، معلناً عن «حزمة جديدة من العقوبات، التي تهدف إلى أقصى درجات الضغوط الاقتصادية على روسيا»، عبر مقاطعة أربعة مصارف مالية روسية جديدة، بالإضافة إلى شخصياتٍ وأفراد عائلاتهم، موضحاً أن البنوك روسية المشمولة بالعقوبات لديها أصول بقيمة تريليون دولار.
وبموجب العقوبات، سيُمنع التعامل مع المصارف والمؤسسات المالية الروسية، كما ستلجأ السلطات الأميركية إلى مصادرة أصولها في الولايات المتحدة. وبيّن بايدن أن «القيود على الصادرات ستلغي أكثر من نصف واردات روسيا من المنتوجات التكنولوجية المتطورة»، وقال إن «الأسابيع والأشهر المقبلة ستكون قاسيةً على الأوكرانيين».
وبينما أشارت استطلاعات الرأي إلى رفض الأغلبية الساحقة من الأميركيين لأي تدخل مباشر في الأزمة الروسية– الأوكرانية، أكّد بايدن أن «القوات الأميركية لن تحارب في أوكرانيا»، لكنه «أمر بإرسال مزيد من القوات الأميركية إلى ألمانيا»، مشيراً إلى أن «حلف شمال الأطلسي موحَّدٌ أكثر من أيِّ وقتٍ مضى».
وفي الجانب الاقتصادي، أشار بايدن إلى أن إدارته «ستفرج عن نفطٍ إضافيٍّ من الاحتياطي الاستراتيجي، تبعاً لمقتضيات الحاجة»، وذلك لاحتواء أسعار الوقود في الولايات المتحدة، بعد ارتفاع سعر برميل النفط إلى أكثر من مئة دولار. وقال إن «شركات النفط والغاز ينبغي لها ألاّ تستغل الأزمة لرفع الأسعار».
وتفادياً لقطاع الطاقة الروسي، لفت بايدن إلى أن واشنطن «لن تمنع روسيا عن نظام سويفت المصرفي في الوقت الحالي»، وهو نظام الدفع الذي يستخدمه الأوروبيون لشراء النفط والغاز الروسي.
وختم بايدن كلامه بالاعتراف بأن «العقوبات بمفردها لن تُوقف اندفاعة بوتين»، لكنه أردف بأن «فرض العقوبات على الرئيس بوتين شخصياً لا يزال خياراً مطروحاً».
وكان بايدن قد أعلن أنه اتفق مع نظرائه في مجموعة الدول السبع، على المضي قُدُماً في فرض حزمِ عقوباتٍ صارمةٍ على روسيا، على خلفية العملية العسكرية التي تشنّها في أوكرانيا.
من جانبه، أكد الأمين العام لحلف «الناتو»، ينس ستولتنبرغ، في مؤتمر صحافي، أن الحلف ليس لديه قوات داخل أوكرانيا ولا يعتزم إرسال قوات إليها. وتابع قائلاً: «ليس هناك قوات قتالية تابعة لحلف شمال الأطلسي ولا أية قوات تابعة للحلف داخل أوكرانيا. أوضحنا أننا ليس لدينا أية خطط ولا نية لنشر قوات للحلف في أوكرانيا». وأضاف ستولتنبرغ: «ما أوضحناه جليّاً هو أننا زدنا بالفعل ونزيد من وجود قوات حلف شمال الأطلسي في الجزء الشرقي من حدود الحلف».
Leave a Reply