المعارضة لن تقف متفرجة ونصر الله تحدث عن «جمهورها الذي لن يصبر»
يبدو ان افق الحلول الداخلية اللبنانية التي واكبتها مساعٍ عربية واقليمية ودولية، بشأن الازمة اللبنانية ومتفرعاتها من الاستحقاق الرئاسي الى تشكيل حكومة وحدة وطنية قد تعثرت وتعقدت لا بل تجمدت بعد وقف التعاون السوري – الفرنسي في موضوع ايجاد الحل المناسب لهذه الازمة، وما يقرب وجهات النظر بين طرفي الصراع في الموالاة والمعارضة، حيث لعب كل من وزير الخارجية السوري وليد المعلم ووزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير دور الوسيط، وتوصلا الى وثيقة سياسية ضمت نقاط التفاهم الذي توصل اليه كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس كتلة المستقبل سعد الحريري برعاية كوشنير، ومن عناوينها تعديل الدستور لانتخاب المرشح التوافقي ميشال سليمان وتأليف حكومة العهد الاولى من الكتل النيابية بما يناسب تمثيلها للخروج من لعبة الارقام والاعداد و«الوزير الملك» وكل الصيغ التي جرت مناقشتها من قبل الموفدين العرب والاجانب الذين زاروا لبنان وسقطت كلها.وقد تعطل الحل بفعل قرار اميركي، وتم تأجيله لمعرفة ما ستؤول اليه اوضاع المنطقة والقضايا الساخنة فيها، من العراق الى فلسطين وصولاً الى السودان ومروراً بالجزائر التي عادت اليها عاصفة تنظيم «القاعدة» تضرب في كل مكان فيها، وهي بدأت تهدد دول الجوار في المغرب العربي الكبير.فالادارة الاميركية دخلت على خط شل حركة الدبلوماسية الفرنسية، وطالبتها بأن لا تعطِ اي دور لسوريا في لبنان وعودة نفوذها اليه، من خلال تمكين حلفائها في المعارضة من السيطرة على قرار الحكومة عبر الحصول على الثلث الضامن الذي كان في صلب الاتفاق السوري الفرنسي، والتفاهم بين بري الحريري، والذي ادى التدخل المباشر لمساعد وزير الخارجية الاميركية ديفيد ولش الى نسف الاتفاق واعادة المفاوضات الى نقطة الصفر والتي كانت بدأت عند البحث في تشكيل حكومة وحدة وطنية، ونيل المعارضة الثلث فيها.ومع منع واشنطن تحقيق الوفاق اللبناني، تراجعت باريس عن مهمتها، وبدأت بالتفتيش لانقاذ سمعة رئيسها الجديد والعاشق المتجدد نيكولا ساركوزي عن الجهة التي ستتهمها بالتعطيل وعدم اجراء الانتخابات الرئاسية وحصول فراغ في رئاسة الجمهورية اللبنانية، فأعلن الرئيس الفرنسي من القاهرة ان سوريا والمعارضة في لبنان، لم يساعدا في انتخاب العماد ميشال سليمان ووضعا شروطاً تعجيزية امام وصوله الى الرئاسة الاولى، مما ينذر بحصول احداث قد تهدد السلم الاهلي في لبنان.وجاء توجيه الاتهام الفرنسي لسوريا وحلفائها في لبنان بعدم تسهيل الانتخابات الرئاسية. متزامناً مع دعوة كل من مصر والسعودية الى عقد اجتماع طارىء لوزراء الخارجية العرب للبحث في الأزمة اللبنانية، التي باتت تشكل قلقاً للقادة العرب من ان تتجه الاوضاع في لبنان نحو الانفجار، وتتخذ طابع الصراع الطائفي والمذهبي، فينتقل الحريق اللبناني الى بعض الدول العربية التي تعيش بوادر خلافات مذهبية، بدأت تطل في عدد من دول الخليج في البحرين والسعودية وفي الكويت، اضافة الى ما يعانيه العراق في هذا المجال، وما تشهده ايضا باكستان وافغانستان، وكل هذه الشرارات تتطاير شظاياها في اكثر من اتجاه،وكاد لبنان ان يقع في اتونها خلال العام الماضي، وتحديداً في كانون الثاني من العام 2007 عندما قررت المعارضة التظاهر والاعتصام وقطع الطرقات للضغط على قوى السلطة، للتجاوب مع مطلبها المشاركة الفعلية والحقيقية في الحكومة، وهو الامر الذي ما زالت هذه القوى ترفض اعطاءه لها ولو على جثثها كما اعلن النائب وليد جنبلاط، الذي يدعو من جهة الى الابتعاد عن الحرب الاهلية، ومن جهة ثانية يهدد بأنه لن يسلم المعارضة القرار داخل الحكومة ولو اضطر الى استخدام القوة مع حلفائه، لأن الامساك به سيذهب الى الرئيس السوري بشار الاسد الذي سيستخدمه لتعطيل المحكمة الدولية بشأن اغتيال الحريري وفق ما زعم جنبلاط مؤخراً، بالرغم من ان موضوع المحكمة اصبح بعهدة مجلس الامن وانتقل من يد مؤسسات الدولة اللبنانية. كما ان سعد الحريري وحلفاءه وقبل صدور قرار مجلس الامن الدولي بتشكيل المحكمة كانوا يعلنون انهم لا يعطون الثلث الضامن خوفاً من تعطيل المحكمة، وهم يقدمونه بعد اقرارها. وعندما حصل هذا الامر دولياً، فإنهم تذرعوا بانتخابات رئاسة الجمهورية، وعندما حصل التوافق على قائد الجيش، رفضوا البحث في موضوع الحكومة الا بعد انتخابه، وعندما قبلوا بالاتفاق الذي رعته فرنسا حولها لتعجيل انتخاب سليمان انقلبوا عليه، وبأمر عمليات اميركي وفق اتهام المعارضة للموالاة، مما اعاد الأزمة الى بداياتها، وانقطع الحوار الداخلي بعد ان فوضت المعارضة رئيس «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون ان يكون المحاور باسمها، فرفضته قوى 14 شباط وحمّلت بري مسؤولية تعطيل انعقاد جلسات مجلس النواب واقفاله بوجه الاستحقاق الرئاسي.وانسداد افق الحوار اللبناني الداخلي، انعكس ايضا على الحلفاء الاقليميين والدوليين، وتمسك كل طرف خارجي بموقف حليفه الداخلي، فاصر الرئيس الاميركي جورج بوش على انتخاب مرشح من «ثورة الارز» ولو بالنصف زائد واحد. فيما رفض الرئيس الفرنسي شروط المعارضة واعتبرها تعجيزية، وجاء كلامه بعد لقاء نظيره الاميركي في واشنطن، حيث اتفقا على ممارسة ضغطً على سوريا لممارسة الضغط بدورها على حلفائها في المعارضة للتراجع عن شروطها وتقديم الانتخابات الرئاسية على الاتفاق السياسي حول الحكومة. وهذا التنازل سبق للمعارضة ان قدمته في الصيف الماضي عندما اعلن الرئيس بري مبادرته، وهو التوافق على مرشح لرئاسة الجمهورية كمقدمة لقيام حكومة وحدة وطنية، التي ما زالت هي عنوان الازمة القائمة منذ اكثر من سنة.وبعد توقف الحوار الداخلي، وتجميد التعاون السوري الفرنسي، وعدم التواصل الايراني – الفرنسي، وغياب الدور العربي مؤخراً عن لبنان، وعودته عبر مؤتمر وزراء الخارجية العرب. فأن الازمة اللبنانية ستبقى في عنق الزجاجة، وستنتظر الحلول الخارجية، المتوقفة على زيارة الرئيس الاميركي جورج بوش الى المنطقة وما سيحمله اليها من حلول لا سيما للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي ودعوته لقيام دولتين فلسطينية ويهودية وفق تسميته هو، وما اذا كان في استطاعته تحقيق تقدم في هذا الخصوص، لينهي ولايته الرئاسية باحراز نصر دبلوماسي خارجي بعد ان اخفق في العراق وغرق في وحوله، ويتلقى الضغوط من الشعب الاميركي للانسحاب منه، وتوفير سقوط مزيد من القتلى في صفوف الجيش الاميركي وبين المدنيين العراقيين ووقف استنزاف الخزينة الاميركية من الاموال التي يدفعها المواطن الاميركي لتمويل حرب سقطت كل المزاعم حولها والتي على اساسها خاضها بوش، وتبين ان ادعاءاته كاذبة لجهة امتلاك العراق اسلحة دمار شامل، ووجود ارتباط بين النظام العراقي السابق وتنظيم «القاعدة»، حيث عمد بوش الى تخويف الاميركيين من الخطر العراقي الذي قد يصيبهم مقتلاً في داخل الولايات المتحدة اذا ما تم التساهل مع صدام حسين، وتبين ان لا صحة لكل ما روجه وساقه من اتهامات.فبوش المهزوم في العراق، والخائب في فلسطين، والمنكسر في افغانستان، والفاقد لصدقيته امام العالم، يحاول ان يحقق انتصارات في لبنان، بعد ان زعم انه حقق الديمقراطية فيه باجراء الانتخابات النيابية في ربيع عام 2005 من دون تأثير النفوذ السوري وتم تشكيل حكومة يعتبرها هو انها منتخبة ديمقراطياً، وهذا امر لا ينص عليه الدستور اللبناني الذي يجهله بوش وهو يدعو الى انتخاب رئيس للجمهورية بالنصف زائداً واحداً، اي بالاكثرية المطلقة، وهو بذلك يستند الى ما تنقله اليه وزيرة خارجيته «كونداليزا رايس»، لدعم حلفاء اميركا في لبنان، بعد ان بدأت صفوفهم تتزعزع من جراء المواقف المتناقضة في موضوع الاستحقاق الرئاسي، وتحديداً من مسألة تفسير الدستور لجهة النصاب القانوني لجلسة الانتخاب، الى الاتفاق على مرشحٍ واحد للموالاة حيث برز اكثر من مرشح و كل طرف في قوى السلطة يعمل لمرشحه، اضافة الى وقوع الفريق الحاكم في التناقض وتبديل المواقف بين رفض تعديل الدستور، ووصول موظف او عسكري الى السلطة، ومن ثم الموافقة على ترشيح قائد الجيش العماد سليمان الذي كان مرفوضاً من هذا الفريق واعلن ذلك النائب جنبلاط قبل اسبوعين من قبوله به بعد ان جاءت الاشارات الخارجية وتحديداً الاوروبية والمصرية والسعودية بالموافقة عليه ورفع «الفيتو» الاميركي عنه فلن تسمح الادارة الاميركية للمعارضة باستكمال تحقيق مطالبها في لبنان، بعد ان حصلت على المرشح التوافقي، وهي قررت ان تتصدى لقيام حكومة وحدة وطنية، لان مثل هذه الحكومة تعطل وتعرقل وتمنع مشاريعها في لبنان والمنطقة، اذا ما حصلت المعارضة على الثلث الضامن وبالتالي على حقها الكامل في المشاركة بصنع القرار، وهو ما كشف عنه الامين العام «لحزب الله» السيد حسن نصرالله في حديثه التلفزيوني الاخير، عندما اشار الى ان من احد اسباب رفض قوى السلطة اعطاء المعارضة نسبة تمثيل كتلها النيابية، هو ان الاميركيين يريدون حكومة مع اغلبية نيابية تمرر مشاريع مثل التوطين ورفض حق العودة للفلسطيين، وهذا المشروع يسهل تحقيق السلام بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية، وفق ما يرغب بوش الذي يريد ايضاً تحويل لبنان الى قاعدة عسكرية وهذا ما كشفته عدة تقارير استخبارية وعالمية ومراكز ابحاث، وهو ما يلفت هذا الاهتمام الاميركي بلبنان الذي لا يملك الضغط وليس لديه ثروات طبيعية، لكنه يمتلك موقعاً استراتيجياً بين ثلاث قارات، كان دائماً محط انظار الغزاة في التاريخ، وهذا ما تعمل له الادارة الاميركية وتسعى الى بناء جيش لبناني يمتلك عقيدة الجيوش الاطلسية، وينفك ان يكون جيشاً وطنياً صاحب عقيدة قتالية ضد العدو الاسرائيلي، ويؤمن الحماية للمقاومة والدعم اللوجستي لها. لذلك فان ادارة بوش وبما للمحافظين الجدد من نفوذ داخلها، يريدون لبنان دائراً في فلك السياسة الاميركية في المنطقة، واذا لم يتم انتخاب رئيس للجمهورية وفق مواصفتهم التي تندرج تحت عنوان واحد وهو تطبيق القرار 1559 بنزع سلاح المقاومة فان الولايات المتحدة ليست مستعجلة لحصول انتخابات رئاسة الجمهورية، وهي تدعم بقاء حكومة السنيورة التي حظيت بتأييد اميركي كبير، وهذه الحكومة لا تمانع في تنفيذ القرارا الدولية، وتحديداً 1559، كما انها التزمت بسياسة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهي متجهة اقتصادياً نحو الخصخصة ورفع رعاية الدولة الاجتماعي والتربوي والانمائي، وهي تنتظر الوقت المناسب للانضمام الى الحلف العربي الاميركي، الذي بدأت تعده الادارة الاميركية، بعد ان اخذت الحكومة الحالية وداعميها من قوى 14 شباط لبنان الى المحور العربي المستسلم لاسرائيل.على هذه العناوين الاساسية والمفصلية تدور المعركة السياسية في لبنان، وان الاسابيع القادمة ستحدد مصير هذه المعركة التي يبدو ان المعارضة تتحضر لها لانها تتعلق بمصير لبنان الوطني، وقد المح اكثر من قطب معارض، ان صبرها بدأ ينفذ وليس صبر بوش او ساركوزي المستعجلين لضم لبنان الى حلفهما، وان الاجراءات التي قد تلجأ اليها المعارضة ستكون حاسمة هذه المرة، لجهة منع مواصلة قوى 41 شباط ومن يقف وراءها، في التنكر لمطالبها بالمشاركة، وهو مطلب الحد الادنى الذي تطالب به وان المشكلة ليست في انتخاب العماد سليمان، بل على المرحلة التي ستلي انتخابه، والمتمثلة في الحكومة التي اصبحت في الدستور هي السلطة الاجرائية. وما اعلنه السيد حسن نصرالله في مقابلته التلفزيونية يؤكد ان المعارضة لن تبقى متفرجة على اجراءات مقررات الحكومة الاستفزازية، وان قرارا ليس موعده بعيداً وخلال ايام ، ستتخذه المعارضة بالمواجهة اذا ما استنفذت كل وسائل الحوار والمساعي الدبلوماسية والسياسية، وان جمهور المعارضة لم يعد يطيق الانتظار، وما كان مضبوطاً خلال العام 2007، لن يكون في العام 2008 وهي رسالة تحذير الى الموالاة ان تتجاوب مع المطالب المحقة للمعارضة، والا فان الاعتصام المدني ومقاطعة مؤسسات الدولة ورفض دفع الرسوم والضرائب واعلان الاضراب العام دون المس بالسلم الاهلي ستلجأ اليها المعارضة وليس بالوسائل ذاتها التي حصلت في كانون الثاني من العام الماضي.
Leave a Reply