أصبحت العاصمة الروسية «مرجعية» إلزامية في الملفات الحيوية التي تهم العالم، ومنه الشرق الأوسط. بل يمكن القول إن موسكو استطاعت، عبر تراكم عوامل القوة، الانتقال من موقع رد الفعل إلى موقع الفعل على مستوى الساحتين الاقليمية والدولية، متكئة على رصيد حضورها الاستراتيجي في سوريا، حيث نجحت بالتعاون مع الحلفاء في فرض موازين قوى جديدة تتجاوز مفاعيلها حدود الأرض السورية إلى الإقليم وما بعده.
كان لافتاً، أن موسكو تحولت مؤخرا إلى مركز استقطاب للقوى اللبنانية التي باتت مقتنعة، على اختلاف انتماءاتها، بان روسيا هي ممر إلزامي لعودة النازحين السوريين، بفعل نفوذها الواسع على الأرض وموقعها المحوري في معادلات الكبار، بحيث تبدو الجهة الوحيدة القادرة على إنتاج البيئة المناسبة للعودة وتأمين ضماناتها السياسية، على قاعدة المقاربة الشاملة التي وضعتها أخيراً لمعالجة هذه القضية الشائكة.
وضمن هذا السياق، تندرج الزيارة التي قام بها قبل أيام، وزير الخارجية جبران باسيل إلى روسيا، فيما تبدو خطوط الرئيس سعد الحريري مفتوحة مع القيادة الروسية من خلال مستشاره جورج شعبان الذي زار بلاد القيصر أكثر من مرة مؤخراً، للتباحث في كيفية تنسيق الجهود لإعادة النازحين.
التجاذب الداخلي
واللافت، هو أن تحرك الحريري وباسيل على خط موسكو بدا غير منسق، وسط التمايزات بينهما في النظرة إلى آليات ترتيب العودة، لاسيما لجهة رفض رئيس الحكومة التنسيق مع الدولة السورية في هذا المجال وحماسة وزير الخارجية لذلك، علماً أن تطوراً نوعياً طرأ على هذا الصعيد، تمثل في الاتصال الذي جرى بين الرئيس اللبناني ميشال عون والرئيس السوري بشار الأسد، إضافة إلى اتصال قائد الجيش جوزف عون بنظيره السوري، ما دفع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع إلى انتقاد هذا السلوك الرسمي، فيما يسود «التململ الصامت» «بيت الوسط»، نتيجة سعي الحريري إلى عدم الانزلاق نحو صدام مباشر مع عون.
وقد أدى استفحال الخلاف حول مسألة استئناف العلاقات الطبيعية بين لبنان، سوريا إلى المزيد من التعقيد في مسار مساعي تشكيل الحكومة الجديدة، في ظل خشية الحريري من أن تُبنى تلك الحكومة على توازنات سياسية تسمح لاحقاً بفرض التطبيع مع سوريا عليه، وهذا ما يفسر حرصه والجانب السعودي على حضور وازن «للقوات اللبنانية» والحزب «التقدمي الاشتراكي» في مجلس الوزراء، بغية منع «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» وحلفائهما من التحكم بالقرارات.
موسكو.. والحكومة
يبدو أن موسكو مهتمة بتشكيل الحكومة في أسرع وقت ممكن، وهي ابلغت بعض زوارها اللبنانيين انها تستعجل تأليف حكومة وحدة وطنية في لبنان، تضم كل الأطراف ولا تقصي أحداً. لكن اللافت، وفق ما ينقله هؤلاء الزوار، أن المسؤولين الروس يُحمّلون الرئيس سعد الحريري شخصياً مسؤولية التأخير في تأليف الحكومة، انطلاقاً من كونه المعني الأول بانجاز هذه المهمة كرئيس مكلف، معتبرين أن عليه الإسراع في تشكيلها لأن الوضع في لبنان عموماً، والواقع الاقتصادي خصوصاً، يستوجبان إنجاز ولادتها في أقرب وقت ممكن للنهوض بالبلد على كل الصعد.
عودة آمنة
أما بالنسبة إلى قضية عودة النازحين السوريين، فان زوار موسكو يؤكدون أن القيادة الروسية تضع هذه القضية في خانة الأولوية الأساسية، وهي تشدد على ضرورة أن تتم عودة النازحين من لبنان بالتنسيق الرسمي والمباشر مع الدولة السورية، فيما تتداول بعض الاوساط اللبنانية بأن هناك اقتراحاً تجري دراسته ويقضي بتكوين لجنة أمنية تضم كلا من اللواء علي مملوك واللواء عباس ابراهيم والملحق العسكري في السفارة الروسية في بيروت، للإشراف على تنظيم العودة وتأمين متطلباتها الضرروية.
وتعتقد موسكو أن عودة النازحين إلى المناطق الآمنة في سوريا باتت ممكنة حالياً، خصوصاً في دمشق وحلب وحمص مع أريافها، حيث صارت البنى التحتية جاهزة بعد إعادة بنائها، وبالتالي فإن ما يمكن استنتاجه هو أن قرار موسكو بمعالجة أزمة النازحين هو حاسم ونهائي، بمعزل عن مصير الحل السياسي ومساره.
صراحة بوغدانوف
وتبدي موسكو، وفق العارفين، ارتياحاً للوضع الميداني في سوريا، معربة عن ثقتها في أن الوضع سيتطور نحو الأفضل في المرحلة المقبلة، على وقع إنجازات الجيش السوري، وصولاً إلى تمكين الدولة من بسط سيطرتها على كل إراضيها.
وتنقل إحدى الشخصيات اللبنانية العائدة من موسكو عن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف قوله إنه صارح ممثلي الدول العربية في أحد المؤتمرات، وقال لهم: أنتم أخرجتم سوريا من الجامعة العربية ووضعتم تركيا محلها، فكانت إسرائيل هي المستفيدة.. لقد عرضتم دولة عربية أساسية لأزمة كبيرة، وخدمتم بذلك إسرائيل.
واعتبرت هذه الشخصية اللبنانية أن «بوغدانوف عروبي أكثر من بعض العرب، وهو يدافع عن قضاياهم أكثر مما يفعلون.. يا للغرابة».
Leave a Reply