عندما أحضر كوميدي قناة «أتش بي أو» بيل ماهر، المعلق الملحد المحترف سام هاريس من أجل إهانة الدين الإسلامي فـي برنامجه نهاية الأسبوع الماضي، لم يدع أي مسلم للمشاركة فـي البرنامج لكي يرد كيد الإتهامات الحاقدة ضد الدين الحنيف الذي يتبعه أكثر من مليار إنسان فـي العالم. لكن الممثل والمخرج بن أفليك دفعته حشمته وحملته إنسانيته لكي يهب بما استطاع للدفاع عن المسلمين، لا بسبب أي صلة له بالدين، بل لأنه رأى علائم العنصرية والتعصب فـي تصريحات الثنائي غير المرح.
وقد تفوه الكوميدي الهزلي بالقول إن «المسلمين المعتدلين بُكم، ليس لأنهم لا يحصلون على الأضواء الكافـية من وسائل الاعلام، ولكن لأنه يتم كم أفواههم من قبل الدين الذي يمثلونه».
ماهر ادعى أن الإسلام هو «الدين الوحيد الذي يتصرف مثل المافـيا، التي من شأنها أن تقتلك لسبب سخيف، إذا تفوهت بالكلام الخطأ، ورسمت صورة خاطئة أو ألفت الكتاب الخطأ». ولكن يبدو أنَّ هذا المدعي بالعلم ليس على علم أو يتجاهل عن عمد تاريخاً طويلاً من العنف من قبل العناصر المتطرفة فـي الديانات كلها تقريباً.
ويمضي فـيلسوف عصره بالقول إن آراءه «تستند إلى وقائع» مدعياً أنه «وفقاً لاستطلاع بيو فإن ٩٠ فـي المئة من المسلمين المصريين يؤيدون عقوبة الإعدام باعتبارها العقوبة المناسبة لترك الإسلام». والحقيقة هي أن الاستطلاع كان يشير إلى أن ٦٤ فـي المئة هم من المستجيبين المسلمين المصريين ممن يحملون هذا الاعتقاد. وبالإضافة إلى الكذب بشأن أرقام الاستطلاع فشل ماهر فـي أن يذكر أن العدد ينخفض إلى ١٣ فـي المئة فـي لبنان واندونيسيا، و ٢ فـي المئة فـي تركيا والبوسنة وصفر فـي المئة فـي كازاخستان.
هاريس، الذي وصف الإسلام فـي البرنامج المشين بانه «أم الأفكار السيئة»، قال إن الليبراليين لا يدافعون عن النساء وحقوقهم لأنهم لا ينتقدون الإسلام.
صحيح أن المرأة تعاني فـي العديد من مجتمعات الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا الوسطى. لكن الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر كشف فـي خطاب ألقاه فـي مؤتمر إسلامي فـي ديترويت الشهر الماضي، ان مركزه يعمل بالشراكة مع الأزهر الشريف فـي القاهرة لإنتاج وثيقة تثبت أنه لا يوجد مكان فـي القرآن يقول بأنَّ النساء هنَّ أقل شأناً من الرجال.
الذكورية هي مشكلة دولية. حتى فـي الولايات المتحدة الأميركية، والإحصاءات تفـيد ان واحدة من كل خمس طالبات جامعات تتعرض للإغتصاب فـي الحرم الجامعي، وكثيراً ما تحاول المؤسسات الأكاديمية التستر على هذه الاعتداءات الجنسية الوحشيَّة. الأميركيات اليوم تحصلن على ٧٧ فـي المئة من الدولار كأتعاب لنفس العمل الذي يقوم به الرجال. وفـي وسائل الإعلام الأميركية، تُعرض النساء كسلع تجارية باستمرار. كذلك فـي الشهر الماضي، تساءل مذيع «فوكس نيوز» ما اذا كانت الطائرة الإماراتية التي شاركت قوات التحالف فـي قصف مواقع «الدولة الإسلامية» الإرهابية فـي سوريا، تُعتبر مشاركتها «ثدياً على الأرض».(مستعملاً كلمة بوبس الاميركية التي تتجانس مع كلمة بوتس، أي الأحذية بمعنى إنزال جنود على الارض).
والتهكمات الكارهة للنساء صدرت عن ماهر نفسه، الذي قال فـي (يوليو) الماضي، فـي الوقت الذي كان يجري فـيه قتل النساء الفلسطينيات من قبل إسرائيل، «إن حماس مثل امرأة مجنونة تحاول قتلك. ويمكنك أن تقيد معصميها لفترة قبل أنْ تضطر الى صفعها».
وتتعرض العلاقات بين الجنسين إلى الاستنسابية الثقافـية. وكما يعتقد ماهر أن المرأة فـي العالم الإسلامي مضطهدة لأنها تغطي شعرها، كذلك قد يرى بعض المسلمين النساء الغربيات بأنهن مظلومات بسبب عرضهن شبه عاريات، مثل السلع، فـي الإعلانات التجارية وأشرطة الفـيديو والموسيقى.
الحقيقة هي أن ليس كل النساء المسلمات لديهن نفس أسلوب الحياة، وليس كل النساء الغربيات تتشاركن فـي نفس التجارب والمعتقدات. التعميمات مفـيدة لتبويب الناس إلى مجموعات كلاً حسب الثقافة أو العقيدة، ولكن لا يمكن وصف التجربة الإنسانية المتعددة الوجوه والثقافات والعادات بهذه السهولة. التعميمات تبسط الثقافات من أجل تسهيل وتسويق الاشتباك معها.
ماهر هو ملحد علناً ويعتقد أنَّ كل النصوص الدينية هي أعمال روائية، ولكنه يعتقد ويدعي أن تفسيره الخاص للإسلام كدين عنف وتخلُّف هو صحيح. فهو بالأساس يقول إن المسلمين غير المتطرفـين لا يمارسون دينهم بشكل صحيح. لكن حضرة الملحد ليس أفضل من علماء المسلمين ولا أفضل من الشيوخ المختلين عقلياً الذين يلهمون الإرهابيين.
الإسلام ليس هو العامل الوحيد الحاسم فـي عادات وتقاليد المجتمعات الإسلامية. على سبيل المثال ختان الإناث الذي يُمارس فـي بعض المناطق المصرية، غالباً ما يلقى باللوم الخاطىء على الإسلام بسبب ممارسته، فـي حين ان جذوره تنبع من التقاليد الشرق أفريقية. ويُمارس أيضاً فـي الدول الافريقية المسيحية مثل إريتريا وإثيوبيا. ولا يُتَّبع هذا التقليد الرهيب فـي أي بلد مسلم غير افريقي.
ولمعلومات ماهر الناقصة، يتشارك المسيحيون والمسلمون فـي الشرق الأوسط بقيم إجتماعية مشتركة. وبالتالي، يمكن القول أن الدين لم يكن المصدر الوحيد لتلك القيم والتقاليد.
الأديان، وخاصة الإسلام، هي مدارس من الأفكار الطيعة. هناك العشرات من المدارس النابعة من الدين الاسلامي والمنتشرة فـي جميع أنحاء العالم من أميركا إلى ألبانيا حتى إندونيسيا. وداخل كل مذهب إسلامي تتنوع المدارس والتفسيرات العلمية والفردية. وعلى عكس الكاثوليكية، ليس لدى الإسلام هيكلية مؤسسة واحدة تملي على الناس وتقوم بتفسير أحادي للمذاهب. رجال الدين المسلمين ليس لهم تسلسل كهنوتي هرمي واضح المعالم. لذا فادعاء ماهر وهاريس الأجوف بمعرفة الإسلام هو هراء وسخف خصوصاً عندما يصورانه كمدرسة عقيدية واحدة.
ماهر يدعي أن وجهات نظره حول الإسلام هي مجرد نقد للأفكار، وليس الناس. لكن الدين هو جزء أساسي من حياة أولئك الذين يؤمنون به وعندما يصور الإسلام، كل الإسلام، باعتباره دين عنف ووحشية، فإنه بالواقع يشجع على التعصب والكراهية ضد المسلمين، كل المسلمين فـي كل مكان.
خلاصة القول، ماهر، الذي يدعي الوقوف مع المبادئ الليبرالية، هو فـي الواقع يسوق مبادئ الخوف من الأجانب والمعادية للمسلمين. انه ليس أفضل من الجناح اليميني المتعصب الذي يهاجمه ويشتبك معه فـي قضايا أخرى.
«صدى الوطن»
Leave a Reply