باراك أوباما ليس جمهورياً. ورغم ذلك، فالعديد من الجمهوريين قد يصوتون له في الانتخابات الرئاسية النهائية في تشرين الثاني، نظراً للبدائل المتوافرة، التي يجدها هؤلاء «أسوأ» من خيار الالتزام الحزبي. ثمة عدم رضى جدي في أوساط المحافظين الأميركيين، قد يقتنص منه أوباما حصة لم تكن في الحسبان. ذلك أن المرشحين المتوفرين لتمثيل حركة المحافظين لا يفون بالشروط الأصلية لهذه الحركة، بحسب مقال للكاتب آندرو بايسيفيتش، نشر في مجلة «المحافظ الأميركي» في الأسبوع الماضي. ووفق بايسيفيتش، تقوم عقيدة المحافظين على المبادئ الخمسة التالية: – الالتزام بالحرية الفردية، التي تتطلب أكثر من مجرد رفع القيود عنها. – الإيمان بحكومة محدودة، ومسؤولية مالية، وحكم القانون. – تبجيل إرثنا الثقافي الممزوج بحس ذاتي للابتكار. – التمسك بتقاليدنا الاجتماعية. – احترام السوق كمولد لثروتنا، مع إدراك أثره المذوّب للقيم الإنسانية.
بين أوباما وماكين لمن يصوّت المحافظون؟
– الشك العميق بالوعود المثالية، المتولد من إدراك شر الإنسان وتمرد التاريخ. إن دلّ هذا التعريف لعقيدة المحافظين على شيء، يقول بايسيفيتش، فهو يدلّ على أن الحزب الجمهوري لا يمثل مبادئ المحافظين. فرغم أن الرئيس جورج بوش عبّر بشكل منتظم عن دعمه للقيم التقليدية (كما فعل كل رئيس جمهوري منذ رونالد ريغان)، وصوّر نفسه كشخص «قديم الطراز» يحبّ الحياة والأسرة والفضيلة، لكنه لم يفعل شيئاً يذكر لتكريس هذه القيم، بل لعله قام بالعكس. فهل يجدر بالمحافظين محاسبة الرئيس بوش على أزمة الأمة الثقافية؟ طبعاً لا. رغم ذلك، فعلى المحافظين أن يدينوا الرئيس وحزبه لمزاعمهم الخاطئة، وأن يلوموا أنفسهم ربما لفشلهم في تقدير البرنامج الثقافي المفتعل والتهكمي للحزب الجمهوري. يرى الكاتب أن من العبث أن يأمل المحافظون بانتخاب جمهوري آخر «سيضع الأمور في نصابها بكل تأكيد»، سواء تعلق الأمر بمسألة تضخم الصلاحيات الحكومية، أو الإجهاض، التي تبقى برأيه شعارات انتخابية تماثل تكريس الديموقراطيين أنفسهم للفقراء. علاوة على ذلك، فالمحافظون الذين يعتقدون أن ماكين سيعيد إلى السياسة الخارجية الأميركية واقعيتها وعقلانيتها، لن يلقوا سوى الخيبة. إذ يجب تذكر حرفية كلام السيناتور: التزامه بمواصلة أكثر بليّات الرئيس بوش كارثية، وتعهده بالبقاء في العراق مهما طال الأمر. إنه مرشح «حزب الحرب». باختصار، يعتزم المحافظون التصويت في تشرين الثاني المقبل لمرشح يشاركهم وجهات نظرهم، وربما يقضون يوم الانتخابات في منازلهم، فحزب بوش وتشيني وماكين لم يعد ملائماً لتقديم مرشح مماثل. ولكن، لماذا قد يفكر المحافظون في مرشح كأوباما؟ ربما يكفيهم أنه وعد بإنهاء المهمة القتالية للأميركيين في العراق. وفي ذلك، لو تحقق، احتمال متواضع لانبعاث محافظي. وهو ما يفهمه المحافظون الجدد أيضاً. فإذا حكم التاريخ سلباً في مسألة العراق، فمن شأن هذا الحكم أن يشوه عقيدة الحرب الوقائية. وسيعامل المدافعون عن «الحرب العالمية الرابعة» بالاحتقار الذي يستحقونه، وسيعاد النظر تماماً بمقولة أن «الحرب الكونية» المفتوحة إلى ما لا نهاية هي العلاج الشافي للأصولية الإسلامية. يقدر المحافظون الجدد الرهانات الكبيرة. وهذا ما يفسر تمسكهم بمقولة «نصرنا في العراق»، في العام السادس للحرب، وكأن الحرب هي مسابقة رياضية لا يهم فيها سوى النقاط النهائية التي يحرزها المشاركون، فيما الخسائر التي تلحق بالقيم والثروات والحيوات تشكل ثمناً لمشروع تحرير العالم المضطهد، وتمديد «اللحظة الأحادية القطب» إلى الأبد. يقولون لنا إن الرئيس وحده هو القادر على «حمايتنا». لكن كارثة العراق أظهرت بطلان هذه المقولة، وضرورة اتخاذ الخطوة الأولى نحو إعادة التوازن بين أجنحة الحكم الثلاثة. وطالما استمررنا في رفض رؤية أنفسنا كما نحن، فسيتم مواصلة تهميش قيم المحافظين. وقد يشكل الاعتراف بفشلنا في العراق منطلقاً لتفكير ذاتي.
وربما أن أوباما لا يقدم الكثير من الواقعية الجدية في مقارباته للسياسة الخارجية، والتي لا تعدو أن تكون آراء ليبرالي تقليدي. وهو بالفعل لا يظهر أي اهتمام بتقليص حجم المنصب الرئاسي إلى ما قبل شكله الامبراطوري. كما لا يمكن لخطاباته الرنانة، رغم زخمها وإلهامها، التأثير كثيراً في ثقافة الجيل الجديد، الذي سيستمر في اختيار مثله العليا من هوليوود، بدلاً من المكتب البيضاوي. رغم ذلك، فسيمثل انتخاب أوباما الرئيس رقم 44 للولايات المتحدة، حكماً حاسماً ضد حرب العراق، وسيدعو ضمناً إلى مساءلة الأساليب والتوقعات التي دفعت الولايات المتحدة إلى الحرب في البداية. هنا تحديداً، وليس في شباب أوباما أو عرقه الأسود، يكمن احتمال أن تجلب رئاسته تغييراً حقيقياً. ليس معلوماً بعد إذا ما كان المحافظون قادرين على قطف الفرص التي يوفرها الخيار الأوبامي. وكل ما يمكننا قوله هنا: إن انتخاب جون ماكين يضمن تخليد الحرب، وسيتواصل سيرنا الطائش نحو طيف الامبراطورية، وسنجنح بشكل أو بآخر إلى الدكتاتورية. وسيبقى المواطنون الأميركيون، سواء أكانوا غافين أمام تلفزيوناتهم أم يهللون للقوات الأميركية، غافلين عن المصير الذي ينتظرهم. بالنسبة إلى المحافظين، يمثل أوباما ومضة أمل. أما ماكين، فلا يمثل شيئاً. يبدو أن الخيار سيكون سهلاً.
Leave a Reply