لم تكن المرة الأولى التي تمتلئ فيها الشوارع بالناس والشعارات تأييداً للحكومة. فهذا مشهد مألوف في بلادنا العربية، حيث يضطر الجمهور المرتعد خوفاً، للخروج وإرضاء عقد النقص لدى الحكام.
فكلنا يذكر كيف امتلأت شوارع بغداد ليلة سقوطها بالآلاف تهتف بإسم الرئيس، وكيف لم يقذف أحدهم حجراً بوجه المحتل في اليوم التالي، بل على العكس قذفوا كل حجارتهم على ما تبقّى من صور الرئيس المخلوع.
ولكن ما للبنان وكل هذا؟.
فبيروت عاصمة الحريات التي لم يحكمها “زعيم إله” منذ زمن بعيد؛ إنها بيروت التي طردت كل محتليها (وإن طال زمن الإحتلال أحياناً).
لماذا يتحول يوم الغضب اللبناني إلى يوم شغب.. يومٍ تتمادى فيه الغوغاء على الصحافة في أرض الصحافة العربية. أو لم يعتقد المتظاهرون أنهم على حقّ، أولم يريدوا أن يسمعوا العالم شكواهم؟!.
أم هو زمن التحولات، حيث اختار البعض العودة بالزمن إلى الوراء؛ أو حتى الهروب إلى بعض الحاضر العربي حيث لا ديموقراطية. لماذا لم يستفيدوا من فضاء الحرية الرحب، ليكون تعبيرهم عن رأيهم عبرة للعالمين؟!.
قد تكون الأقدار هي من قررت إثارة بعض السخرية على واقعنا المقيت.
أن يتغير وجه تونس بالأمس، وأن يسعى المصريون اليوم للتغيير، تحت شعار العيش الكريم، وبعيداً عن أي مظلة سياسية أو حتى أيديولوجية يعني الكثير.
وأن يصبح الغضب المصري إنعكاساً حقيقياً لما يدور في أذهان الشعب، فيخرج ويتحدّى قبضة الحديد المفروضة منذ أكثر من ثلاثة عقود.. يعني أكثر من مجرد إرتدادات لثورة الشعب التونسي؛ يعني أن كل كلمات عظماء مصر لم تذهب سدى، وأنهم لم يخطئوا الرهان على أن “أم الدنيا” هي بالفعل أم الدنيا؛ حتى وإن فشلت هذه المحاولة فسيكون هناك محاولات أخرى.
فعلى أمل أن يؤتي يوم الغضب المصري أكلَهُ.. وعلى أمل أن ينتهي يوم الغضب اللبناني، حبذا أو تعود بيروت إلى أحضان عظمائها كي أبث لها (على خطى جبران) من قلبي سلام.
Leave a Reply