فـي العام الماضي، نشرت صحيفة «صدى الوطن» افتتاحية تدعو الجاليات العربية والإسلامية إلى تجنب بعض المظاهر والسلوكيات التي يمكن أن يساء فهمها واستغلالها فـي تشويه صورة العرب والمسلمين، إذ لم يعد خافـيا على أحد أن المتعصبين والمتحيزين ضدنا، يتربصون بنا وبحسن نوايانا وزلات ألسنتنا، عند كل زاوية ومنعطف.
وكنا قد دعونا على نحو أكثر تحديداً، فـي الافتتاحية ذاتها، الطائفة الشيعية إلى إعادة النظر فـي بعض العادات والتقاليد المترافقة مع إحياء بعض المناسبات الدينية والاجتماعية، لاسيما المجالس والمواكب العاشوارئية التي تعقد بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع) وأربعينيته حيث يحمل المشاركون أعلاما ورايات سوداء، الأمر الذي قد يثير التباسا لدى الأميركيين الذين لا يعرفون اللغة العربية، ولا يعرفون عن الإسلام سوى ما يقدمه الإعلام لهم من صورة مشوّهة.
ولا يقتصر الأمر على حمل الرايات والأعلام السوداء فقط على المناسبات الدينية، بل لقد أصبحت مشاهدة تلك الأعلام والرايات واليافطات السوداء الموضوعة على السيارات وهي تجوب الشوارع منظرا شائعا فـي ديربورن وفـي محيطها من المدن الأخرى، كما أن البعض من سكان ديربورن يعمدون إلى تعليق الرايات والأعلام على شرفات منازلهم، بمناسبات دينية أو بغيرها.
الدافع وراء تحذيرنا ومطالبتنا بإعادة النظر فـي هذه السلوكيات هو تجنب الشبهة التي يمكن أن يوجهها لنا بعض المتحيزين والمتعصبين الأميركيين الذين من الممكن أن يخلطوا بين «رايات الحسين» و«رايات التنظيمات التكفـيرية» وفـي مقدمتها «داعش»، بسبب اشتراكها باللون الأسود.
لا يختلف اثنان على حق أبناء الطائفة الشيعية فـي ممارسة شعائرهم الدينية التي يكفلها الدستور الأميركي وفق التعديل الأول، ولكن أيضاً لا يمكن لأحد أن يجادل بأن تنظيم مسيرات كهذه ليس فـي مصلحة الجالية عموماً بل فيه تهديد لسلامة أبنائها، حتى ولو رفعت شعارات مناهضة للإرهاب خاصة فـي هذه الظروف الصعبة.
علينا ألا نستسهل الأمر وألا نستبعد مثل هذا الخلط، فمنذ هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 وقعت عدة حوادث تم فـيها الاعتداء على أشخاص من السيخ والهندوس لمجرد أن هيئاتهم ولحاهم وأزياءهم بدت قريبة من هيئات وسحنات العرب والمسلمين.
ومن ناحية أخرى، يجب ألا يغيب عن أذهاننا -خاصة فـي هذه الأوقات التي يجتاح فـيها «تسونامي» التخويف من العرب والمسلمين الولايات المتحدة فـي مختلف المستويات الاجتماعية والإعلامية والسياسية- أن المتربصين، وكذلك الخبثاء والجهلة، لن يتوانوا عن تلفـيق أية حوادث من أجل تحطيم صورة العرب والمسلمين الأميركيين، وهو ما حصل فعلا فـي الفترة الأخيرة حيث قام بعض متصفحـي المواقع الالكترونية باجتزاء صور تظهر فـيها أعلام سوداء فـي مسيرة كربلائية فـي ديربورن، نُظّمت فـي الخامس من كانون الأول (ديسمبر) الجاري، وقاموا بنشر تعليقات مضللة تدعي دعم عرب ديربورن ومسلميها لتنظيم «داعش» الإرهابي، واستعداء الأميركيين عليهم من أجل تطهير «ديربورن من هؤلاء المتخلفـين» بحسب منشور «فـيسبوكي» رفعه متصفح تعليقا على صور مقتطعة من المسيرة (تفاصيل ص ٥).
وفـي اتصال هاتفـي لـ«صدى الوطن» مع سماحة المرجع عبداللطيف بري مرشد «المجمع الإسلامي الثقافـي»، أكد على موقف الجالية فـي ديربورن من الإرهاب ونبذها وإدانتها لكافة أشكال التطرف، ودعا أبناء الطائفة الشيعية إلى تجنب حمل الأعلام والرايات السود فـي المواكب العاشورائية، حرصا على سلامتهم ودرأ لأية شبهات يمكن أن تنتج عن ذلك.
وقال «فـي هذه الأوقات صارت الأعلام السوداء موسومة بوسوم الإرهاب وهو ما يدفع المتربصين إلى استغلالها كيدا وزورا من أجل مهاجمة جاليتنا» وشدد فـي دعوته إلى أبناء الجالية على استبدال تلك الرايات السوداء برايات أخرى ملونة، وعدم نصب الأعلام والرايات أمام واجهات البيوت أو تعليقها على السيارات.
من ناحيته، قال الشيخ هشام الحسيني إمام «مركز كربلاء الإسلامي» الذي أشرف على تنظيم المسيرة إن المنظمين حرصوا على ادانة الإرهاب والجماعات التكفـيرية من خلال الاحتفال بذكرى «أربعين الحسين»، وأضاف «إن الإمام الحسين كان الضحية الأولى للإرهاب، وإن تاريخنا فـي شجب العنف والتطرف مشهود ومعروف».
ورغم أن الحسيني قد أوصى المشاركين فـي الموكب بعدم رفع الأعلام واليافطات السوداء لتجنب أي سوء فهم من قبل الآخرين، إلا أن أعلاماً سوداً قد رفعت بالفعل فتم استغلال ذلك وتدواله مئات آلاف المرات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، على «الفيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب».
إننا فـي «صدى الوطن» نكرر دعوتنا إلى الجالية الإسلامية بتغليب العقل على العاطفة وإعادة النظر بطرق إحياء ذكرى الحسين عبر رفع الرايات السود فـي المناسبات الدينية وعدم نشرها أمام البيوت وتعليقها على السيارات، تجنباً لأي مكروه من الممكن أن يصيب أحد الأشخاص الذين لو تعرض واحد منهم فقط لحادثة اعتداء فسوف يكون ذلك كارثة على كامل مجتمع جاليتنا.
من واجبنا تفويت الفرصة على أي متربص أو كاره يريد تشويه صورتنا التي تمر -بكل الأحوال- فـي أصعب أوقاتها..
Leave a Reply