كمال ذبيان – «صدى الوطن»
كادت الحكومة في لبنان أن تولد قبل نحو أسبوعين، بعد أن حُلّت عقدتان «درزية» –بتسمية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، اسماً من لائحتين قدمهما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، والنائب طلال إرسلان– ومسيحية بتراجع حزب «القوات اللبنانية» عن مطلب خمس حقائب، ووزارة سيادية، ليكتفي بأربعة وزراء مع نائب رئيس حكومة وحقائب غير أساسية، لتظهر بذلك مجدداً عقدة تمثيل السُنّة من خارج «تيار المستقبل»، والتي لم يعطها الرئيس المكلّف سعد الحريري، أي اهتمام، ولم يعترف أصلاً بوجود كتلة نيابية تحت اسم «النواب السُنّة المستقلين»، بل هم نواب ينتمون إلى كتل أخرى، ولا يمثلون سوى 8.5 بالمئة من أصوات السُنّة في لبنان وليس 40 بالمئة كما يدّعون.
العقدة السُنّيّة
رفض الحريري توزير أحد النواب السُنّة من خارج كتلته النيابية، أوقف صدور مراسيم تشكيل الحكومة بسبب ما سمي بالـ«عقدة سنّيّة» التي رفض الحريري التجاوب في حلّها، باعتبارها «مفتعلة» ومن صنع «حزب الله» الذي امتنع عن تقديم أسماء وزرائه مطالباً بتوزير سني من خارج «المستقبل» ترجمة لنتائج الانتخابات.
كل ما يقدمه الحريري هو مقايضة رئيس الجمهورية بمقعد ماروني مقابل مقعد سنّي، وإذا أراد الرئيس ميشال عون، أن يكون من سُنّة 8 آذار كحلفاء له لا مانع، إذا كان الاسم توافقياً، وقد تردّد اسم النائب فيصل كرامي، وهو من النواب السُنّة الستة الذين يضمهم «لقاء تشاوري» ومن أعضائه: عبدالرحيم مراد، جهاد الصمد، عدنان طرابلسي، وليد سكرية وقاسم هاشم.
هؤلاء اجتمعوا أكثر من مرة، وأكّدوا على ضرورة تمثيلهم وهم حصلوا على أصوات سنّية تفضيلية تصل إلى حوالي 45 ألف صوت، وهو عدد يفوق ما حصل عليه نواب فازوا عن لوائح المستقبل، إلا أن الحريري متمسك برفض مشاركتهم وضمهم إلى الحكومة، مصراً على أحادية تمثيل السُنّة، وهو لا ينطبق على طوائف أخرى، حيث توجد «ثنائية شيعية» وأخرى درزية مع اختلاف بنسب التمثيل، إلى تعددية مسيحية، علماً بأن عشرة نواب سنة هم من خارج المستقبل ولهم أوزانهم وأحجامهم، كالرئيس نجيب ميقاتي وأسامة سعد وبلال عبدالله وفؤاد مخزومي.
موقف عون
أمام إصرار الحريري على رفض وجود ثنائية سنّيّة في حكومته، وحصر تمثيل الطائفة به، فإن المفاجئ كان موقف الرئيس عون الذي تبنّى طرح الحريري، بأن «النواب السُنّة المستقلين» ليسوا كتلة نيابية واحدة، وليسوا متجانسين سياسياً، فقطع الطريق على توزيرهم، وتناقض مع موقف «حزب الله» الذي أعلن أمينه العام السيد حسن نصرالله أحقية سُنّة 8 آذار بالتوزير، وقد ربط مشاركته في الحكومة بمشاركة الحليف السُنّي فيها، وهو يمثّل خط المقاومة، ولا يمكن بعد الانتصارات التي تحققت في الداخل من جراء نتائج الانتخابات النيابية بحصد 74 نائباً، وتقهقر المشروع الأميركي–الإسرائيلي في سوريا والمنطقة، أن يكون هؤلاء الحلفاء خارج السلطة التنفيذية، وأن يعطي الوقت «للقوات اللبنانية» لتدخل الحكومة، ولا يكون ذلك متوفراً «للنواب السُنّة المستقلين»، الذين رفض الرئيس الحريري استقبالهم أو البحث معهم في مطالبهم، مما زاد من تعقيد الموقف، حيث جاء موقف رئيس الجمهورية ليؤخر تشكيل الحكومة التي باتت في مهب الريح، وبات من الصعوبة أمام المواقف المتشددة أن يجري البحث في وضعها دون إغلاق الباب أمام الحوار حولها وإجراء اتصالات في الكواليس.
الخلاف مع «حزب الله»
ومع صدور موقف العماد عون المتطابق مع الرئيس الحريري حول تمثيل «النواب السُنّة المستقلين» في الحكومة، بدأ الحديث عن خلاف بين رئيس الجمهورية و«حزب الله»، والذي وضعه في إطار «التكتكة السياسية»، وليس في الشأن الاستراتيجي، لكنه أشار إلى أنها قد تؤثر على الإستراتيجيا المرتبطة بالمقاومة والعلاقة مع محورها، والتي يقف الرئيس عون موقفاً إيجابياً، لا بل متقدماً، معها وهو الذي كانت له مواقف وطنية في الجمعية العامة للأمم المتحدة أثناء إلقاء كلمة لبنان السنوية فيها، فأبدع في الدفاع عن حق لبنان بالمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وربط عدم إيجاد حل للمسألة الفلسطينية باستمرار أزمة وجود اللاجئين الفلسطينيين فيه ودول أخرى محذراً من توطينهم، حيث لاقى موقفه ترحيباً من «حزب الله» الذي زاره وفد من «كتلة الوفاء للمقاومة» مثنياً على موقفه، وناقلاً إليه تحيات السيد نصرالله، الذي يشيد دائماً بمواقف عون ومنها حديثه إلى جريدة «الفيغارو» الفرنسية.
فالموقف من المقاومة، لا غبار عليه عند رئيس الجمهورية، إنما الموضوع الداخلي اللبناني، فيحصل تباين فيه، إذ رفض «حزب الله» التصعيد السياسي حول توزير سُنّة 8 آذار، ودعا إلى التهدئة لأن الموضوع الاستراتيجي أهم من الشأن المرحلي المتعلق بتمثيل في الحكومة، وهو ما دفع بالحزب إلى رفض الدخول في مهاترات، حاول «تيار المستقبل» استغلال التباين في الرأي بين عون و«حزب الله» ليحفر لخلاف بينهما يؤدي إلى فك تحالفاتهم، كما إلى وقف العمل بتفاهم «حارة حريك»، المعقود منذ أكثر من 12 عاماً، وصمد واستمر وفي ظروف صعبة، كالعدوان الإسرائيلي صيف 2006، فلم يتخلّ «التيار الوطني الحر» عن تحالفه مع المقاومة، وردّ عليها «حزب الله»، بالوقوف عامين ونصف العام ضد عقد جلسة انتخاب لرئيس الجمهورية إذا لم تكن لإنتخاب عون، وحصل له ما أراده، وكان الوفاء عنواناً لسلوك «حزب الله»، ولو كان المرشح الثاني سليمان فرنجية حليفاً للمقاومة.
ماذا بعد؟
وأمام حصول خلاف تكتيكي وليس استراتيجياً بين رئيس الجمهورية وتياره السياسي من جهة و«حزب الله» من جهة ثانية، فإن التحليلات كثرت عن أن تفاهم كنيسة مار مخايل في 6 شباط 2006 سقط، كما أن رئيس الجمهورية الذي يبدأ عروبياً ومقاوماً في بداية ولايته، ليبدأ في نصفها إلى التحول نحو خط سياسي آخر، حيث تعطى أمثلة حول هذا الموضوع، إذ يقال بأن «رئيس الجمهورية في لبنان يبدأ عهده عروبياً، وينتهي مارونياً وانعزالياً، وهو ما لم يلمسه اللبنانيون في عهد الرئيس إميل لحود، ولا يريدون أن يشاهدوه في عهد الرئيس عون، الذي لن يغيّر من قناعاته، بدعم المقاومة، التي لا يترك مناسبة إلا ويعلن تأييده لها، وإعجابه بها، وأنها هي ذراع لبنان العسكرية مع تقديره للجيش اللبناني، لكنه يتكلّم من موقع العارف لوضع المؤسسة العسكرية وهو الذي ترأسها، إذ أن المقاومة استطاعت تحرير الجنوب عام 2000، والصمود بوجه العدو الإسرائيلي صيف 2006، وتشكيل قوة ردع ضد الكيان الصهيوني.
فالمسألة لا تتعلق بخيارات استراتيجية، بل بأحجام وحصص داخل الحكومة، إذ أن «حزب الله» استطلع موقف رئيس الجمهورية، ووجده سليماً معافى تجاه المقاومة، وأنه ليس بالضرورة التوافق في كل شيء حول مسائل داخلية، وهذا ما ظهر في قانون الانتخابات النيابية التي لم تكن التحالفات فيها واحدة في كل الدوائر أثناء إجرائها وكانت متناقضة، إذ حصل تحالف في مكان، وتباعد في آخر، كالتحالف في دائرة بعبدا، والافتراق في دائرة كسروان–جبيل، وفي مرجعيون–حاصبيا…
استغلال التباين
وسعى «تيار المستقبل» لاستغلال موقف الرئيس عون المطابق لموقف الحريري من تمثيل «سُنّة 8 آذار»، وشن هجوماً على «حزب الله» كمعطل لتشكيل الحكومة لحساب إيران، بعد فرض العقوبات الأميركية عليها، وهو ليس صحيحاً، إذ أن العقوبات حصلت قبل أيام، في حين أن تشكيل الحكومة بدأ منذ أيار الماضي. وقد أبلغ الرئيس نبيه برّي في حينه الرئيس الحريري، أن يأخذ في عين الاعتبار تمثيل السُنة الآخرين، والاعتراف بوجودهم، وهو ما كرّره على مسامعه قبل أكثر من أسبوعين، لكنه لم يأخذ بنصائحه، وقرّر رئيس مجلس النواب عدم التدخل، أو المشاركة في حلّ إذا لم يطلب منه أصحاب الشأن الذين يحاولون الإيقاع بين رئيس الجمهورية و«حزب الله» لجذبه إلى «تيار المستقبل» ومحوره الإقليمي المتمثل بالسعودية، وهذا لن يحصل عليه، إذ أن الرئيس عون ليس بوارد تغيير تحالفاته، بالرغم من العقوبات الأميركية على إيران كما على «حزب الله»، لأنه ليس من الذين يبدلون مواقفهم تحت الضغط، وهو لو أراد ذلك لفعله منذ عقود.
يذكر عون بوقوفه مع الرئيس الحريري في محنته بالسعودية قبل سنة، عندما احتجزه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمدة أسبوعين، وفرض عليه الاستقالة من رئاسة الحكومة. حينها قدّم الرئيس مصلحة لبنان على أية مصالح أخرى، كما أنه لن يفرط بالتحالف مع «حزب الله» الذي يؤيّده في المقاومة، ويختلف معه أحياناً في الشأن الداخلي، وهذا أمر طبيعي ودليل عافية وصحة، وتأكيد على أن الحكومة في لبنان ليست حكومة «حزب الله» الذي تجري محاولات «شيطنته» في العالم على قدم وساق.
Leave a Reply