طهران غاضبة وزعماء دول مجلس التعاون مترددون

الرياض، المنامة، طهران – لم يُحسم أمر الاتحاد الخليجي، ولا حتى السعودي-البحريني، بعد. فقد اتفق قادة الخليج في ختام قمتهم التشاورية في الرياض، الإثنين الماضي، على استكمال دراسة مقترحات الهيئة المكلفة بحث صيغة الانتقال من “التعاون” إلى “الاتحاد” لمناقشتها في قمة استثنائية تُعقد في العاصمة السعودية، في وقت لم يتم تحديده.
ومنذ أشهر يرى قادة زعماء خليجيون أن تشكيل نوع من “الاتحاد” هو السبيل الأنجع لمواجهة ارتدادات “الريبع العربي” على منطقة الخليج التي تحكمها عائلات مالكة تستأثر بثروات البلاد وسط قمع واسع للحريات المدنية الأساسية في معظم المنطقة، ولكن هذا “الاتحاد” المزمع، الذي يستهدف أولا احتواء الاحتجاجات البحرينية المتواصلة منذ حوالي ١٦ شهراً، يواجه عقبات خليجية-خليجية تؤخر المباشرة بتطبيقه وتخوف من ابتلاع آل سعود للعائلات الأخرى الحاكمة في الكويت وقطر وعمان والإمارات.
وقد أعلن الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة العربية السعودية أن زعماء مجلس التعاون الخليجي اتفقوا على إرجاء مناقشة موضوع الاتحاد الخليجي إلى موعد آخر يتم قبله اجراء المزيد من الدراسات والاتصالات من أجل أن يكون الاتحاد قوياً وفعالاً، مع التلميح بأنه مع نهاية العام سيتم تشكيل هذا الاتحاد. وأثار إعلان التأجيل المبهم موجة من التساؤلات، لعل أهمها أن الفيصل تحدث عن “أخطاء في تفاصيل التفاصيل” مما يدل على الاستعجال في الإعلان عن “الاتحاد”، دون أن يكون هناك عمل بحثي وقانوني مكثف ودقيق، يتلافى الوقوع في صراع مع “شياطين التفاصيل”. ويرى مراقبون أن السعوديين استعجلوا في الإعلان، رغبة منهم في إرسال “رسائل مهمة لإيران وحلفائها في المنطقة”، ومنح النظام البحريني القوة والتغطية لقمع الاحتجاجات المتواصلة.
إيران: البحرين ليست لقمة سائغة
من ناحيته، اعتبر رئيس مجلس الشورى الإسلامي في إيران علي لاريجاني، الإثنين الماضي، أن البحرين ليست لقمة سائغة تبتلعها السعودية بسهولة. ونقلت وكالة “مهر” الإيراينة للأنباء عن لاريجاني قوله في معرض إجابته على مطالبة أحد النواب باتخاذ إجراء دبلوماسي جاد في ما يتعلق بخطة السعودية والبحرين لإقامة إتحاد سياسي، إن “البحرين ليست لقمة سائغة بإمكان السعودية ابتلاعها بسهولة والإستفادة منها”.
ووصف هذا النوع من الممارسات بأنها تثير الأزمات في المنطقة، قائلاً إن “هذه التصرفات البدائية في الظروف الراهنة في المنطقة لها تأثيرات سيئة على هذه الدول التي تتعامل مع هذه القضايا”.
ونقلت وكالة أنباء “مهر” عن بيان أصدره 190 نائباً من أصل 310 في مجلس الشورى الإيراني إدانتهم لما وصفوه بـ”المشروع السعودي لضم البحرين”. وقالوا أن “هذه الخطوة اللامنطقية، لاشك ستؤدي الى تعزيز الإنسجام والإتحاد بين الشعب البحريني في مواجهة المحتلين، وستنقل الأزمة البحرينية الى السعودية، وستدفع المنطقة الى فوضى أكبر”. وأضافوا “لا يمكن تهدئة الشعوب بالقوة والضغوط السياسية”.
وقالت “مهر” إن النواب أكدوا في البيان أن “الشعب البحريني المتدين الغيور، أثبت طيلة الـ15 شهراً الماضية، أن حميته الإسلامية وهويته الوطنية وقبضاته المرتفعة ونداءات الله أكبر، هي أقوى من كل القوات الغازية والمحتلة وخاصة القوات السعودية”. وأشار البيان الى أن “الدماء الزاكية للشهداء البحرينيين ستنتصر على السيوف الغازية”، وذلك في إشارة ضمنية الى دخول القوات السعودية الى البحرين لمساعدتها في مواجهة إحتجاجات المعارضة الشيعية التي تطالب بإصلاحات. وأضاف البيان أنه “بعد فشلها الذريع، قررت السعودية اليوم أن تعلن في اجتماع قادة دول مجلس تعاون الخليج عن ضم البحرين الى السعودية، رغم أن البحرين بلد إسلامي عربي مستقل وعضو في منظمة الأمم المتحدة”.
في غضون ذلك، أدانت وزارة الخارجية البحرينية وبشدة التصريحات التي أدلى بها علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الإيراني والنائب حسين علي شهرياري حول البحرين، واعتبرتها تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين ومساساً صارخاً باستقلالها وسيادتها الأمر الذي ترفضه المملكة جملة وتفصيلا. وقامت الوزارة باستدعاء القائم بأعمال السفارة الايرانية لدى البحرين وسلمته مذكرة احتجاج بهذا الشأن.
وأكد بيان صادر عن الخارجية البحرينية، بثته وكالة أنباء البحرين، ان مثل هذه التصريحات تعد انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي التي تحكم علاقات الدول بعضها ببعض وتتعارض مع أهداف ومبادئ منظمة التعاون الإسلامي وضرورة الالتزام بالأعراف الدولية التي تقضي باحترام مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
ودعا البيان الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى وقف ومنع مثل هذه التصريحات والكف عنها والتي تسيء إلى علاقات الجوار ولا تعبر عن حسن النوايا ولا تسهم في خدمة وتطوير العلاقات بين بلدين جارين بقدر ما تسيء لهما وتؤثر على مصلحة الأمن والاستقرار في المنطقة.
ودعت السلطات الايرانية، الاربعاء الماضي، الى تنظيم تظاهرات الجمعة (مع صدور هذا العدد) في جميع انحاء البلاد احتجاجا على مشروع اقامة اتحاد بين السعودية والبحرين، واصفة نظامي البلدين بانهما “تابعان” لواشنطن. ودعا مجلس تنسيق الدعاية الاسلامية الذي ينظم التظاهرات الرسمية في بيان الايرانيين الى المشاركة في التظاهرات التي ستجري بعد صلاة الجمعة (مع صدور هذا العدد) احتجاجا على “الخطة الاميركية لضم البحرين الى السعودية وتعبيرا عن غضبهم على نظامي آل خليفة وآل سعود التابعين” للولايات المتحدة.
وفي المنامة، واصل البحرينيون، تظاهراتهم ضد مشروع الوحدة، خلال الأسبوع الماضي، وهتف المحتجون “البحرين حرة حرة، درع الجزيرة برا” في اشارة الى قوات درع الجزيرة الخليجية المشتركة التي دخلت البحرين في اذار (مارس) من العام الماضي لقمع الاحتجاجات السلمية.
المعارضة البحرينية
ورداً على موقف المنامة المرحب باقتراح الرياض، قبل اللجوء إلى الأخذ برأي البرلمان او الاستفتاء الشعبي، أكد عدد من المعارضين البحرينيين بأن نظام المنامة يرتكب خيانة وطنية عظمى بقبول الانضمام لأنه تمرد على وثيقة الاستقلال وأيضا ضرب بالميثاق الوطني والاستفتاء على الملكية عرض الحائط.
فمن جهتها، رفضت جمعية “الوفاق” البحرينية المعارضة “بشكل قاطع أي مساس باستقلال البحرين وسيادتها تحت أي ظرف أو عنوان من العناوين”. وأوضحت أن البحرين “دولة عربية إسلامية مستقلة بقرار من الأمم المتحدة استناداً إلى الإرادة الشعبية الجامعة، ولا نقبل التشكيك في هذا الأمر من أي طرف كان”.
وأكدت “الوفاق” أن “حسم الشعب البحريني لاستقلال البحرين وسيادتها الكاملة على جميع اراضيها ومياهها الاقليمية وشؤونها السيادية وأن الشعب الأصيل بسنته وشيعته -من دون المجنسين خارج إطار القانون- هو صاحب القرار الحاسم في أي خيار مستقبلي للانضمام لأي نوع من الاتحادات من خلال استفتاء شعبي عام يحقق القبول الشعبي الجامع”. وحذرت “الوفاق” السلطة من “محاولاتها الهروب من الاستحقاقات السياسية بإدخال البحرينيين في متاهات الاستقطابات الطائفية المحلية والإقليمية بمشاريعها التدميرية وذلك لتكريس استئثارها بالسلطة ولو ادى ذلك لتفتيت المجتمع البحريني”.
إلى ذلك، وصف عالم الدين البحريني آية الله الشيخ محمد السند مشروع السعودية لضم البحرين بأنه مخطط أميركي لتقسيم الجزيرة العربية وتشكيل البحرين الكبرى من المنطقة الشرقية، شرقي السعودية، إلى البصرة، جنوبي العراق، مرورا بالكويت. وقال السند، في بيان له، إن كلا من الإدارة الأميركية وبريطانيا والسعودية فشلت في السيطرة على الأوضاع في البحرين، مؤكدا أن الحراك مازال مستمرا ومرشحا إلى مزيد من الحماس.
قمة الرياض
وبالعودة الى قمة الرياض التي خيّمت أجواء من السرية التامة على مداولات القادة الخليجيين فيها، فحتى قبل انعقاد القمة الخليجية بيوم واحد بقيت وجهات النظر الرسمية غائبة، اقترنت بحرص على التكتم على تقارير اللجنة المكلفة دراسة المشروع. وبعد انتهاء اللقاء، أشار وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، خلال مؤتمر صحافي، إلى “الأهمية الكبيرة للموضوع”، معلناً ”الحرص التام على استكمال كافة جوانبه بشكل متأن، حيث يقوم المجلس الوزاري بمتابعة دراسة تقرير الهيئة المتخصصة ورفع التوصيات إلى قمة تعقد في الرياض”. وكان بند “الاتحاد الخليجي” في صدارة مناقشات قمة الرياض، إلى جانب “الأزمة السورية” و”التهديد الإيراني”، فيما بقي سيناريو “الاتحاد الثنائي” بين السعودية والبحرين البند الأبرز الذي خطف الاهتمام وسط موجة من الجدل الواسع.
واعتبر ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة عند وصوله إلى الرياض أن “قيام الاتحاد الخليجي مشاركة في الركب الحضاري العالمي واستجابة للمتغيرات والتحديات التي نمر بها، فالحدود السياسية بين دولنا معابر للانجاز نحو مزيد من التعاون المشترك”.
وكان من أول الأسباب التي ساقها الملك عبد الله عند طرحه فكرة الاتحاد العام الماضي هو ضرورة التضافر لمواجهة “العدو الإيراني”، في ظلّ توتر أمني وسياسي على الصعيد الإقليمي.
واقع الخليج
لا بدّ من الإشارة إلى أن خصوصية كل دولة من دول “التعاون” الست ترخي بظلها على موقف نظامها من “الاتحاد”. فالكويت على سبيل المثال هي الوحيدة التي تحظى ببرلمان منتخب بشكل كامل ويتمتع بصلاحيات تشريعية ورقابية، وهي بالتالي تخاف على “ديمقراطيتها” في حال الاتحاد مع السعودية، وهذا ما صرحه رئيس مجلس أمتها أحمد السعدون مؤخراً.
من ناحية ثانية، تحظى البحرين بمجلس نواب منتخب ذي صلاحيات تشريعية يقابله مجلس شورى معين، وفي سلطنة عمان، يحظى مجلس الشورى المنتخب ببعض الصلاحيات التشريعية والرقابية التي يتقاسمها مع مجلس الدولة المعين. أما الإمارات فلديها مجلس تمثيلي منتخب جزئيا هو المجلس الوطني الاتحادي، إلا أنه لا يتمتع بصلاحيات تشريعية. وليس هناك أي هيئات برلمانية منتخبة في السعودية وقطر.
من هنا، كان الرفض أو التخوف سمة الردّ الخليجي على اقتراح الملك السعودي، فلم يكن أمام الأخير سوى البحث عن كبش فداء لإتمام المشروع، ووضع الدول “المتخوفة” أمام الأمر الواقع.. ومن يكون أفضل من البحرين؟ يضاف إلى ما سبق من أسباب الرفض للمشروع واقع أن الهيمنة عليه ستكون للسعودية حكماً، وهي الدولة الأكبر بخمسة أضعاف من مساحة جميع دول مجلس التعاون الأخرى. ويفسّر تباين مواقف الدول الخليجية السبب الذي جعل “مجلس التعاون” يفشل حتى الآن في اعتماد عملة موحدة، وفي إتمام الاتحاد الجمركي الكامل في ما بينها، أو الاتفاق على السياسة الخارجية. ولذلك، يرى مراقبون أن المشروع لن يبصر النور على المدى القصير أو حتى البعيد، لا سيما أن مفهومه ليس واضحاً بعد، وكذلك أهدافه وصلاحيته. أما “المتطرفون” في التحليل فيذهبون إلى اعتبار أن “الوهن السعودي” يدفع المملكة للتطبيل بالمشروع من دون قدرة حقيقية على تحقيقه. ويعتبرون أن هذه الفكرة، إن تحققت، ستكون بمثابة الذهاب إلى المجهول.
ما يدعم هذه الفرضية، هو ما رافق دراسة المشروع من حرص تام من قبل دول الخليج على سرية مداولاتها، فحتى قبل انعقاد القمة الخليجية بيوم واحد بقيت وجهات النظر الرسمية غائبة (ما عدا البحرين الشبه موافقة)، ولم تسرب أي من تقارير اللجنة المكلفة دراسة المشروع.
إلى ذلك، يبقى هناك ثلاثة سيناريوهات مطروحة مستقبلاً في حال استكمال المشروع، إما الإعلان عن اتحاد شامل تدريجي يقوم على النظام الأساسي للمجلس منذ ثلاثين عاما، وإما الإعلان عن صيغ اتحادية ثنائية، وإما التأسيس لاتحادات متخصصة (الطرح القطري)، حيث يحصل اتحاد في مجال الاقتصاد من دون الدفاع، أو السياسة من دون الأمن وهكذا دواليك.
Leave a Reply