وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
منذ إجراء الانتخابات النيابية قبل نحو شهرين، والساحة العراقية تغلي على خلفية النتائج التي رفضها عدد كبير من الأحزاب والمكونات السياسية بدعوى التزوير.
وبانتظار البت بالطعون الانتخابية المقدمة أمام المحكمة الاتحادية، عجت الساحة العراقية خلال الأيام الماضية بالمساعي الرامية لعقد التحالفات السياسية لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر التي ستسمي رئيس الوزراء الجديد للبلاد، لاسيما بعد أن ساد الاعتقاد بأن ما سيطرأ من تغيير على النتائج سيكون طفيفاً وغير وازن ولن يؤدي إلى قلب النتائج، كما كان يعتقد المعترضون ويصرّون.
وأجلت المحكمة الاتحادية إعلان النتائج النهائية حتى 22 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، وقد باتت أمام خيارين لا ثالث لهما لتجاوز أزمة نتائج الانتخابات، أولهما العد الجزئي لمحطات بعض المحافظات، والآخر إعادة العد الشامل لجميع المراكز الانتخابية وبنسبة محددة، حسبما أفاد مصدر مطلع لـ«صدى الوطن».
ووفق المصدر نفسه، فإن أغلب الخروق التي رافقت العملية الانتخابية، تم تسجيلها في المراكز الانتخابية بمحافظة بغداد، لذلك فإن المحكمة الاتحادية هي في صدد إصدار قرار يقضي بإعادة العد والفرز اليدويين لجميع مراكز الاقتراع في محافظة بغداد وفي محافظة أخرى ستحددها المحكمة، أو إعادة العد والفرز اليدوي لجميع المحطات الانتخابية بعموم البلاد، وبنسبة 20 بالمئة، وإذا لم يكن كذلك فإن التأجيل الأخير يؤشر، أقله، على نية المحكمة حسم الأمر وإنهاء الجدل الذي طال حول تلك الانتخابات.
ولكن السؤال الأهم هو: هل سيوافق المعترضون على قرارات المحكمة النهائية أم سيواصلون اعتراضهم الذي يعني استمرار الانسداد السياسي في ظل عدم الوصول إلى تسوية تفضي إلى تأليف حكومة تتمثل فيها الأطياف كافة. واستكمالاً لاعتراضاتها، أكدت القوى الرافضة للنتائج تقديمها أدلة جديدة تثبت وجود حالات تلاعب وتزييف رافقت عمليتي الاقتراع وإعلان النتائج.
وفي إطار المشاورات المستمرة للأزمة الناشئة عن نتائج الانتخابات الأخيرة، عقد «الإطار التنسيقي»، الأربعاء الفائت، اجتماعاً صرّح على إثره عضو ائتلاف «دولة القانون»، وائل الركابي، نافياً تسلّم «الإطار التنسيقي» أي قرار من المحكمة الاتحادية بدراسة إعادة العد والفرز لـ20 بالمئة من محطات الاقتراع، فيما شدد زعيم تحالف «الفتح» هادي العامري خلال استقباله هوشيار زيباري على رأس وفد من «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، يوم الثلاثاء الماضي، على أن الأدلة الدقيقة التي قٌدمت إلى المحكمة الاتحادية كفيلة بإثبات تزوير الانتخابات وإلغاء نتائجها. زيباري التقى أيضاً رئيس ائتلاف «دولة القانون» نوري المالكي الذي دعا إلى النظر بجدية وموضوعية للشكاوى والطعون المقدمة أمام المحكمة الاتحادية قبل المصادقة على نتائج الانتخابات، كما التقى زيباري رئيس تحالف «قوى الدولة الوطنية» في العراق، السيد عمار الحكيم، الذي دعا بدوره المحكمة إلى النظر بالطعون والشكاوى، لأن ذلك يصب في مصلحة المعترضين والفائزين معاً، مشدداً على أهمية المرحلة المقبلة وصعوبتها.
وجه آخر للتنافس الانتخابي بعيداً عن الساحة الشيعية، تشهده الساحة السنية، بين زعيمي تحالفَي «تقدّم» محمد الحلبوسي، و«عزم» خميس الخنجر، اللذين باتا يمثلان أبرز الوجوه السياسية السنية في العراق، بالنظر إلى ما حققاه من نتائج في الانتخابات الأخيرة. فقد حصل التكتل الذي يتزعمه الحلبوسي على 37 مقعداً انضم إليهم 6 من النواب المستقلين، فيما حصل الخنجر على 14 مقعداً انضم إليهم عشرون آخرون. وبعد تصعيد كلامي بين الطرفين، زار الحلبوسي السبت الفائت منزل الخنجر في بادرة حسن نية لتبريد الأجواء التنافسية، وهو الذي يعتبر نفسه الشخصية السنية الأقوى وبالتالي هو من يحق له أن يشغل المنصب الأول للطائفة بحسب الدستور العراقي (رئاسة مجلس النواب)، ومن المرجح أن يسلك هذا المسار التوافقي طريقه بين القطبين السنيين على أن يكون مركز نائب رئيس الجمهورية العائد للطائفة السنية من نصيب الخنجر.
أما الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، الذي كان أكبر الفائزين في الانتخابات الأخيرة، فقد وجّه دعوة عبر «تويتر» الأسبوع الماضي لـ«ترميم البيت الشيعي» من خلال عقد اجتماعات مكثفة لكتابة ميثاق شرف عقائدي وآخر سياسي. وقد تلقت الساحة السياسية دعوة الصدر بالترحيب، وكان تحالف «الفتح» أول المعلقين على لسان النائب كريم عليوي، الذي قال إن «دعوة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مرحب بها»، مؤكداً أنها ستلقى تأييداً ودعماً سياسياً وشعبياً. بدورها، «كتائب حزب الله العراق» أعربت عن تأييدها لدعوة الصدر، وكذلك فعل ائتلاف «النصر» بزعامة رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي الذي دعا إلى البدء بحراك ممنهج لاعتماد ميثاق شرف كإطار مبادئ وطني ملزم لجميع القوى والفاعليات العراقية بعيداً عن أي اصطفافات إثنية أو طائفية.
وقد تحدثت مصادر مطلعة عن كثب على المداولات الجارية والمساعي المتواصلة للخروج من نفق تداعيات الانتخابات، حيث تردد الحديث عن طرح الصدر اسم مصطفى الكاظمي لإعادة تكليفه بتأليف الحكومة وهو ما قوبل برفض بقية الأطراف، فيما طرح البعض اسم رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي لتأليف الحكومة وهو ما رفضه الصدر على نحو قاطع لاعتبارات عديدة منها ما هو «شخصي»!
وبحسب المراقبين، يحاول الصدر بهذه الدعوة وغيرها من الخطوات التي يتخذها بين الحين والآخر، إسباغ الصفة الأبوية على نفسه، والظهور بمظهر الراعي للمكونات الشيعية كافة، لاسيما بعد النتائج الكاسحة التي حصدها تكتله في الانتخابات الأخيرة، لكنه في الواقع يواجه شخصيات وتيارات شيعية بارزة ترى في نفسها «نداً» للصدر بل تتفوق عليه في تاريخها النضالي ضد النظام السابق، ما يعني أن طريق الزعامة الشيعية أمام الصدر ليس مفروشاً بالورود.
مناورة الحشد الشعبي
ينفذ «الحشد الشعبي» خلال الأيام المقبلة مناورة هي الأضخم له، على الحدود العراقية السورية وفي منطقة تلعفر القريبة من الحدود مع تركيا، وسيشارك في هذه المناورة عشرات الآلاف من المقاتلين، وسيتم خلالها التدرب على استخدام مختلف أنواع الأسلحة والمعدات والتجهيزات، فيما لم تُحدد بعد، مدتها مع احتمال استمرارها أكثر من شهر.
توقيت هذه المناورة له دلالاته الكبيرة فهي تحدث بالتزامن مع اقتراب الموعد النهائي لخروج القوات الأميركية «القتالية» من البلاد، فضلاً عمّا تمر به المنطقة برمّتها من تطورات متلاحقة. موقع المناورة أيضاً له دلالاته الكبيرة، فالمنطقة الحدودية مع سوريا لطالما كانت منطلقاً للعديد من الهجمات الإرهابية ضد «الحشد» نفسه، وضد بعض المدن والقرى العراقية الممتدة على طول تلك الحدود، إضافة إلى الغارات المتكررة التي شنّتها الطائرات الإسرائيلية المسيّرة على بعض مواقع «الحشد» في منطقة القائم الحدودية، فضلاً عن الاستباحة الدائمة لتلك المنطقة الحدودية من قبل القوات الأميركية.
إذاً، هي رسائل في اتجاهات عديدة بعث بها «الحشد الشعبي» لكل الأطراف الذين يشكلون خطراً على أمن العراق، ولعل أشدّها وضوحاً وأكثرها قوة، تلك الموجهة إلى واشنطن التي تغلّف استمرار وجود قواتها في العراق بغلاف الخبراء والاستشاريين، الذي يتناقض مع ما قاله قائد المنطقة الوسطى كينيث ماكينزي من أن الجنود الموجودين حالياً في العراق (نحو ٢,٥٠٠) لن ينسحب منهم أحد، أي إنهم سينقلبون بين ليلة وضحاها إلى مستشارين ومدربين!
ومن هذا المنطلق، يبدو استعراض «الحشد» لقواه العسكرية وقدراته التسليحية الكبيرة بمثابة بلاغ للأميركيين بأن العراق قادر على حماية نفسه ولا حاجة لبقاء القوات الأميركية على أرضه. وكانت خلية الإعلام الأمني في العراق، قد نشرت فيلماً وثائقياً قصيراً لمدة ثلاث دقائق، يوثق خروج القوات القتالية للتحالف الأميركي من الأراضي العراقية، وهنا يبرز التناقض بوضوح مع ما قاله ماكينزي مؤكدة أن هذا الانسحاب يعني البدء بمرحلة جديدة قائمة على التعاون الدفاعي وفقاً لاتفاقية الإطار الاستراتيجي بين جمهورية العراق والولايات المتحدة من خلال تقديم «الاستشارة، المساعدة والتمكين».
وواشنطن التي تتوعدها المقاومة العراقية بأيام سود بعد 31 ديسمبر الجاري (موعد الانسحاب الافتراضي)، ستستغل أي توتر سياسي قد يؤدي بدوره إلى توترات أمنية، ذريعة لبقائها في العراق، إضافة إلى كونها ترى أنها كسبت جولة ضد إيران من خلال نتائج الانتخابات الأخيرة.
Leave a Reply