كمال ذبيان – «صدى الوطن»
انتخب ميشال عون رئيساً للجمهورية، بعد أن كانت الأجواء السياسية، والتطورات الإقليمية والدولية لا توحي بذلك، الاستحقاق الذي طال انتظاره جاء تحت عنوان، أن لبنان لم يعد من أولويات الدول، وما على المسؤولين فيه سوى الإتفاق على المرشح الذي له تمثيله السياسي والشعبي والطائفي، وهو أقصر الطرق لملء الشغور الرئاسي الذي دام نحو عامين ونصف العام، تخلل ذلك محاولات لفتح ثغرة في جدار الانتخابات الرئاسية، فرشّح الرئيس سعد الحريري النائب سليمان فرنجية الذي كان له الحظ في أن ينتخب، لولا إلتزام «حزب الله» الأخلاقي مع العماد عون الحليف الإستراتيجي له كما رئيس «تيار المردة» الذي أكّد الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، أنه كان أصبح رئيساً للجمهورية لو لم يلتزم معنا مقاطعة جلسات الانتخاب، ووصفه بالحليف الشريف، وأنه هو المرشح الطبيعي لـ«حزب الله» وحلفائه بعد إنتهاء ولاية العماد عون.
طلاب مدرسيون في زيارة لقصر بعبدا الرئاسي (دالاتي نهرا) |
الانتخابات الرئاسية أُنجزت، بعد أن تراجع الرئيس الحريري عن ترشيحه لفرنجية، والعودة الى تأييد عون الذي كان فتح معه حواراً وكادا أن يتّفقا، لولا «فيتو» سعودي من وزير الخارجية الراحل سعود الفيصل، عطّل إتّفاق عون–الحريري، تحت ذريعة أن رئيس «تكتل الإصلاح والتغيير» وقف ضد إتفاق الطائف وتمرّد عليه في أثناء وجوده في قصر بعبدا كرئيس حكومة عسكرية ما بين عامي 1988 و1990، وقد لا يتردد عن المساس به لاحقاً.
«نقزة» بري
والتسوية الرئاسية لم تكن دون غطاء دولي–إقليمي، وهو ما عكسه التأييد والتهاني للعهد الجديد برئاسة عون، والذي بدأ مع سوريا بإرسال موفد من قبل رئيسها الدكتور بشار الأسد الوزير منصور عزام، وبعد أيام قليلة على انتخاب عون، والذي أكّد له على الصداقة التي تربط الرئيسين اللبناني والسوري، حيث يتطلّع البلدان الى تعميق التعاون والأخوة والتنسيق بينهما.
ومن المحور الذي ينتمي إليه الرئيس اللبناني، صدرت مواقف من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تعتبر فوز عون هو إنتصاراً للمقاومة وخطها وتحالفاتها، مع إصرار «حزب الله» على دعم ترشيح عون، الذي حصل تباين حوله مع الرئيس نبيه برّي، حول الإتفاق الذي حصل بين «تيار المستقبل» و«التيار الوطني الحر» عبر مفاوضات جرت بين نادر الحريري وجبران باسيل توّجت بلقاء عون–الحريري، حيث يرى الرئيس برّي أن يكون الإتفاق من ضمن سلة كاملة، وأن يتم انسحاب النائب فرنجية من السباق الرئاسي بأسلوب لائق يحفظ له كرامته ووجوده السياسي، ويأتي عون رئيساً بإجماع وطني، وهذا ما لم يحصل، لأن إتفاقاً ثنائياً حصل بين الطرفين تمّ تشبيهه باتفاق الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح عام 1943 وعُرف بـ«الميثاق الوطني»، وهو ما ترك «نقزة» عند الرئيس برّي بعودة الثنائية السنّيّة–المارونية، وهي لا تتفق مع إتفاق الطائف الذي خرج عنها لصالح دستور يقوم على ديمقراطية توافقية، وعلى صيغة للعيش المشترك تضمن وجود كل مكونات المجتمع السياسي–الطائفي في السلطة.
تذمّر طائفي وحزبي
ومنذ البدء بمشاورات تشكيل حكومة العهد الأولى، شكت – ومازالت – طوائف ومذاهب أخرى من الإنتقاص من حقوقها، وآخرها ما صدر من مواقف عن الأمين العام لـ«حركة النضال» اللبناني العربي النائب السابق فيصل الداوود، حول سلب حقوق الطائفة الدرزية من وزارات سميت سيادية كالداخلية والدفاع والمال والخارجية، وتوافق في الرأي والموقف مع رئيس «حزب التوحيد العربي» وئام وهاب، حول هذا الموضوع الذي كان مكان شكوى أيضاً من الطائفة الأرثوذكسية التي يتم تخطي قياداتها الروحية والسياسية بتسمية وزرائها ومنصب نائب رئيس الحكومة، وهو ما فتح الباب للسؤال عن إلغاء الطائفية السياسية التي وضعها إتفاق الطائف بنداً رئيسياً للعمل على الخروج منها عبر تشكيل هيئة تبحث بآليات تحرير النظام السياسي من الطائفية التي أشارت المادة 95 من الدستور على أنها حالة مؤقتة حتى يحين موعد اجتثاثها. ولما إتّفق النواب في الطائف على ذلك، لم يجرِ العمل على تنفيذ هذا البند الإصلاحي الأساسي، الذي يمهّد الطريق الى إصلاحات أخرى، مثل قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، وإنشاء مجلس شيوخ تتمثّل فيه الطوائف، وتكون له صلاحيات، لا تمس بصلاحيات مجلس النواب اللاطائفي.
وقد أظهر تشكيل الحكومة بعد الإنتهاء من أزمة رئاسة الجمهورية التي كانت مرتبطة بأن يُنتخب لها مَن يمثّل المكوّن الطائفي الذي ينتمي إليه رئيس الجمهورية، فإن الحكومة كُلف بها الرئيس سعد الحريري، ولديه كتلة نيابية من 34 نائباً، لكن عقد التمثيل في الحكومة، والحقائب التي ستُوزّع، شكّلت عقبة أمام ولادة سريعة لها، مع بداية عهد رئاسي جديد، وضع اللبنانيون آمالاً عليه بتحقيق «الإصلاح والتغيير»، وبناء دولة قوية وعد الرئيس عون في خطاب القسم أنه سيعمل على قيامها، بضرب الفساد، وإنهاء المحاصصات، وترسيخ المؤسسات، لكن ومع إنقضاء الشهر الأول لانتخابه، وتكليف الحريري، فإن أسئلة بدأت تطرح حول إنطلاقة العهد الجديد الذي بدأت تظهر وصاية «القوات اللبنانية» عليه ورئيسها سمير جعجع هو صانعه، ولا بدّ من أن تكون له الحصة المسيحية الكبرى في الحكومة وشريكاً فعلياً مع رئيس الجمهورية لإدارة الدولة، من خلال ثنائية مسيحية، تمثّل 86 بالمئة في مجتمعها، وهي مرحلة لإعادة تثبيت الوجود المسيحي في الدولة واستعادة الحقوق المسلوبة، حيث أقلق هذا الطرح قوى مسيحية أخرى لها حضورها السياسي والشعبي التاريخي، مثل «تيار المردة» الذي يترأسه فرنجية وكاد يصبح رئيساً للجمهورية، وحزب الكتائب المعروف أنه كان الأقوى مسيحياً، ومن رحمه وُلدت «القوات اللبنانية» على يد بشير الجميّل في زمن الحرب الأهلية، لفرض آحادية عسكرية.
فكل من «تيار المردة» و«حزب الكتائب» يشعران بأن حالة من الإلغاء تمارس عليهما من قبل تحالف «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، وأعلن رئيس «الكتائب» سامي الجميّل عن محاولة من «القوات» لعزل حزبه، بما فعلته الحركة الوطنية مع بداية الحرب الأهلية، وهذا ما شكّل عقدة أساسية أمام تشكيل الحكومة التي لن تولد إذا لم يكن مشاركاً فيها «تيار المردة» بحقيبة أساسية هي بين ثلاث: الطاقة والإتصالات والأشغال، وتضامن الرئيس برّي مع النائب فرنجية في مطالبه، وتنازل له عن الأشغال التي أعطاها الحريري «للقوات اللبنانية»، فاستعادها برّي له، ورفض أن تكون من غير حصته هي ووزارة المال التي طالبت بها «القوات» أيضاً.
ثم تراجعت لحقيبة سيادية أخرى، لكن لم تحصل عليها بسبب توزع وزارة الداخلية للمستقبل (وسيعود إليها نهاد المشنوق) والخارجية «للتيار الوطني الحر» (وسيعود إليها جبران باسيل)، ووزارة الدفاع من حصة رئيس الجمهورية الذي لا يمكن أن يسلمها «للقوات اللبنانية»، وهو الذي يعرف التاريخ الدموي لها مع الجيش الذي كان هو قائده، إضافة الى أن «حزب الله» وقوى سياسية أخرى تضع «فيتو» لتسلم القوات هذه الحقيبة، وغيرها من الحقائب السيادية.
حكومة العد العكسي للانتخابات
ومع تعثّر ولادة سريعة للحكومة، فإن ذلك بدأ يؤثر على مسيرة العهد الذي بدأ يتردد أنه لا يعتبر الحكومة التي ستولد هي حكومة عهده الأولى، التي ستكون بعد الانتخابات النيابية في ربيع عام 2017، والمحددة في 17 حزيران (يونيو)، إلا أن تأخير تشكيل الحكومة له علاقة بقانون الانتخاب المفروض أن ينجز قبل 10 شباط المقبل، وهو الموعد القانوني الذي على وزير الداخلية دعوة الهيئات الناخبة، ولم يعد يفصل عنه سوى شهرين ونصف الشهر، حيث لا توجد بوادر اتفاق حوله، كي يكون إقراره في مجلس النواب سريعاً وعشية الانتخابات، إذ أنه يوجد في أدراج مجلس النواب حوالي 17 مشروعاً واقتراح قانون انتخاب، تمّ التركيز على خمسة منهم يتوزعون على النسبي، والمختلط بين الأكثري والنسبي مع توزيع مختلف الدوائر.
لذلك كان الرئيس برّي مصراً على طاولة الحوار، أن يحصل إتفاق على سلة كاملة، تتضمن انتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل الحكومة وقانون الانتخاب، وأن التوصل الى تفاهم عليهم يسهّل إنطلاق أي عهد رئاسي، وقد صحّ ما توقعه من أن عدم الإتفاق على هذه السلة، سيؤخر إنطلاقة عهد العماد عون، وضرب صورته أمام المواطنين الذين يأملون أن يحرّك لهم عجلة الإقتصاد ويعيد الحياة الى مؤسسات الدولة، ويعزز فرص العمل، ويضرب الفساد. إلا أن التنافس على الحقائب الوزارية ومحاولة احتكارها من قبل أطراف سياسية، هو ما خفّف من إندفاعة العهد الذي عادة ما يعطى له فترة ثلاثة أشهر، ليظهر حضوره وهيبته، أما وإذا تأخرت ولادة الحكومة الى مطلع العام الجديد، كما يشاع، فإن الرئيس عون سيخسر 50 بالمئة من قوته وهو الذي يملك تمثيلاً شعبياً ونيابياً وتحالفات سياسية، ويرمز إليه بالرئيس القوي، وهذا يتطلب منه أن يتدخل دستورياً، بحيث يؤمن في الحكومة التمثيل الصحيح والحجم الحقيقي لكل الكتل النيابية، ولا يكون للقوات اللبنانية أربعة وزراء وترفع العدد الى خمسة، لكتلة من ثمانية نواب، ثلاثة منهم فازوا بأصوات طائفة أخرى، ولا تعطى كتل أخرى وزراء وهي بحجم أكبر، إضافة الى أن «تيار المردة» لديه كتلة من ثلاثة نواب وكانوا أربعة وخرج منهم النائب إميل رحمة الذي انتخب عون، ويحق لفرنجية بحقيبة وازنة، وقد سبق له وتنازل لتسهيل ولادة حكومات.
فالحليف الجديد لعون وهو جعجع يستخدم العهد للنيل من الآخرين.
Leave a Reply