وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
بعد هدوء نسبي فرضته التطورات الإقليمية، عاد الزخم إلى الساحة اللبنانية من جديد على المستويين الشعبي والسياسي.
أسبوع غضب أعلنه الحراك اللبناني بعد استرخاء عاشه الشارع، فعاد المحتجون إلى قطع الطرقات في مختلف المناطق، وعادت الإشكالات المتنقلة والمواجهات مع القوى الأمنية، لكن ما كان لافتاً خلال الأسبوع الماضي هو تركيز شريحة كبيرة من المتظاهرين على الحضور والاعتصام أمام المصرف المركزي في شارع الحمرا، حيث وقعت مواجهات عنيفة بين المتظاهرين والقوى الأمنية، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الجرحى في صفوف المحتجين بسبب العنف المفرط الذي استخدمته القوى الأمنية ضدهم.
التطورات دفعت المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان إلى عقد مؤتمر صحافي في اليوم التالي، للاعتذار عن العنف المفرط، لكنه تحدث عن جرح أكثر من 450 من عناصره «نتيجة تعرضهم للعنف من قبل المتظاهرين»! علماً بأن المستشفيات استقبلت عدداً كبيراً من الجرحى المدنيين حالة بعضهم غير مستقرة، بسبب الضرب المبرح الذي تلقوه على أيدي القوى الأمنية، فضلاً عن عدد من الإعلاميين الذين كانوا يؤدون واجبهم في تغطية الحدث، ولم يتم تحييدهم ونالوا هم أيضاً نصيبهم من الاعتداء والضرب.
وزيرة الداخلية ريا الحسن لم تنفِ وقوع العنف، لكنها بررته رافضة أي اعتداء على الإعلاميين. وفي ردها على الانتقادات الحادة التي وُجهت إليها واعتبرتها مسؤولة عن إصدار ضرب المتظاهرين واعتقالهم، اكتفت الحسن بتمني مجيء خليفة لها في وزارة الداخلية، يكون أداؤه أفضل منها.
مواجهات أمام المصرف المركزي
فيما كان شارع الحمرا يشتعل غضباً وقد غصت أزقته بالشبان المحتجين الذين قاموا بتكسير واجهات بعض المصارف ومحال الصرافة حصراً، تعبيراً عن سخطهم على سياسات المصرف المركزي وحاكمه رياض سلامة، كان ثمة طيف آخر للحراك، يتظاهر بعيداً عن المصرف متبرئاً من محتجي شارع الحمرا، في إشارة واضحة إلى مشاركة شبان من الضاحية الجنوبية في الاحتجاجات أمام المصرف المركزي.
هذا الانقسام برز بمثابة فرز غير منطقي لا يليق بمنطق الثورة التي يفترض أنها لا تقبل التصنيف المناطقي والمذهبي، لاسيما وأن المصرف المركزي لم يؤذِ بسياساته فئة دون أخرى أو مذهباً دون آخر، فاللبنانيون اليوم ألمهم واحد، بانسداد الأفق وبلوغ شفير الانهيار، بسبب السياسات الاقتصادية التي اتبعت طيلة ثلاثة عقود، وكانت السبب في ما آلت إليه الأمور من تدهور حاد على الصعيد المالي والاقتصادي، حتى أن البعض يتحدث عن تآمر ضمني بين المصرف المركزي والصرافين بغية التلاعب بسعر الليرة.
بل أن رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري رفض صراحة التعرض لحاكم مصرف لبنان، وعقد معه أكثر من اجتماع لاتخاذ تدابير وإجراءات تسهم في «تحسين الوضع»، مؤكداً أن سلامة لا يمكن عزله من أحد.
التشكيلة شبه النهائية
في المقلب السياسي، رست بورصة تأليف الحكومة (حتى صدور هذا العدد) على ما يلي: المالية لغازي وزني (شيعي)، الداخلية لطلال اللاذقي(سني)، الدفاع لميشال منسى (أرثوذكس)، الخارجية لناصيف حتي (ماروني)، الاقتصاد لآمال حداد (أرثوذكس)، الاتصالات لطلال حواط (سني)، الصحة لعلي حيدر (شيعي)، الطاقة لريمون غجر (أرثوذكس)، الصناعة لعبد الحليم فضل الله (شيعي)، الأشغال للميا يمين الدويهي (مارونية)، الزراعة والإعلام بعد دمجهما لسالم درويش (شيعي)، البيئة والسياحة بعد دمجهما لمنال مسلم (كاثوليك)، الثقافة لفرتينيه أهانيان (أرمنية)، العدل لماري كلود نجم (مارونية)، الشؤون الاجتماعية لرمزي مشرفية (درزي)، التربية والشباب والرياضة لطارق مجذوب (سني)، العمل لدميانوس قطار(ماروني).
وقد ترددت معلومات عن أن «حزب الله» وافق على التنازل عن وزارة الصناعة مقابل وزارة الشؤون الاجتماعية تسهيلاً منه لمسار التأليف.
عراقيل اللحظات الأخيرة
موجة التفاؤل سادت الأجواء وأوحت بقرب تأليف الحكومة، إثر اللقاء الذي جمع رئيس مجلس النواب نبيه بري برئيس تكتل «لبنان القوي» جبران باسيل في عين التينة يوم الثلاثاء الماضي، حيث توالت الاتصالات واللقاءات، بعد تعهد الرئيس بري بإزالة كل العقبات التي قد تعترض مسار التأليف، بتدوير الزوايا.
تلك الأجواء الإيجابية أسفرت عن حل عقدة توزير دميانوس قطار بإيكال حقيبة وزارة العمل إليه بدلاً من الخارجية بناء على طلب باسيل.
وبعد تجاوز عقد الأسماء والحقائب وكل التفاصيل التي يسكن الشيطان فيها، لاحت عقبات جديدة بتمسك الوزير جبران باسيل بحقيبة سادسة لتكتله، ما يمنحه الثلث المعطل (في حال استقرت الحكومة على 18 وزيراً)، لكنه وُوجه بإصرار الرئيس المكلف على الرفض، لتتعثر مسيرة التأليف مجدداً عند هذه النقطة، على أمل حلحلتها بزيادة عدد المقاعد الوزارية.
الكاتب السياسي جوني منيّر أشار لـ«صدى الوطن» إلى أن هذه الحكومة حتى لو تم تأليفها ستكون حكومة هشة وضعيفة ولن تستمر طويلاً، لأنها لا تملك «الدفاعات» اللازمة، فشريحة كبيرة من المسيحيين غير ممثلة فيها، في ظل رفض حزب «القوات اللبنانية» وحزب «المردة» المشاركة فيها، فضلاً عن استنكاف الممثل الأكبر للدروز وهو «الحزب التقدمي الاشتراكي»، ما يعني أنها تفتقر إلى مقومات الصمود، مع عدم إغفال الثقل الذي بات يمثله الحراك على الأرض والذي هو بطبيعة الحال يقف ضدها، ناهيك عن عن حجم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تتطلب خطوات إصلاحية سريعة وكبيرة لن تتمكن الحكومة من القيام بها.
ويعتبر منيّر أن ما حصل أمام المصرف المركزي كان رسالة أرادها «الثنائي الشيعي» في وجه حاكم المصرف وداعميه، وقد رد عليها –في اليوم التالي– الحريري من خلال استخدام العنف المفرط ضد المحتجين.
وعن احتمال انقسام الحراك إلى شارعين، يستبعد منيّر حدوث ذلك لأنه قد يستدرج لعبة الدم التي لا يرغب في خوضها أي من الأطراف على الساحة.
رسائل متبادلة على الأرض
أما عن أداء الأجهزة الأمنية مع المتظاهرين فلا ينكر الكاتب منيّر حدته لكنه في الوقت عينه يلفت إلى أنه كان رداً على الرسالة التي تعمد إيصالها «الثنائي الشيعي»، علماً –وبحسب منيّر– أن مجموعات من اليسار وأخرى مستقلة كانت موجودة، لكن ليس أفرادها هم من واجه القوى الأمنية بل إن الأمر كان محصوراً بشبان ملثمين من حركة «أمل» و«حزب الله».
وعن تذبذب سعر الدولار، لفت منيّر إلى أن سوق الصيرفة صغير في لبنان وليس بحاجة إلى مبالغ كبيرة للتلاعب به صعوداً أو هبوطاً، فيما لم ينفِ أو يؤكد ما أوردته صحيفة «الأخبار» عن أن مصرف لبنان زود الصرافين بكمية كبيرة من الدولارات ما جعلهم قادرين على التحكم بالسوق وجني أرباح طائلة.
وفيما خص الحراك يعتقد منيّر أنه مستمر ولن يتوقف، «ربما تخف وتيرته أو تشتد لكن الناس كسروا حاجز الصمت وما كان يُسكت عنه في الماضي لن يمر بعد اليوم»، معتبراً أن الثقة فُقدت بين الشعب والطبقة الحاكمة، و«على السلطة أن تأخذ هذا الأمر في الحسبان».
لا عودة إلى الوراء
دخلنا في مرحلة الانهيار الشامل، والعودة إلى الوراء لم تعد ممكنة، واحتمال مد يد العون للبنان من قبل المجتمع الدولي أمر مستبعد في هذه المرحلة لأنه يتطلب اتفاقاً سياسياً جديداً وشاملاً وهو أمر غير متوفر في هذه الظروف.
صورة سوداوية يرسمها منير تلخص مدى عمق الأزمة التي يعيشها لبنان، وسط أجواء ملتهبة في الإقليم ككل. سباق مع الزمن يخوضه اللبنانيون، مع يقين مسبق بأن الخسائر التي يتلمسون نتائجها ساعة بعد ساعة، واقعة لا محالة.
Leave a Reply